تتعدد هويات المشاهير وأنواعهم واتجاهاتهم وفقًا للعصر الذي اعتبروا خلاله من المشاهير ببروزهم من خلال ممارساتهم للأنشطة المتنوعة وتحقيقهم المنجزات المتفردة والمبدعة فيها فمشاهير التاريخ كانوا يمثلون الفلاسفة وقادة الدول والقادة العسكريين والعلماء والمفكرين والفنانين ثم برزوا من بعدهم مشاهير التمثيل وأبطال الأفلام ثم مشاهير الرياضة والهدافين ووصلنا اليوم إلى مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي مع بقاء بعض فئات المشاهير التي برز فيها مبدعون عبر التأريخ في بعض المجالات والأنشطة التي لا يزال تأثيرها مستمرًا على الأمم والمجتمعات والأفراد.
فقبل عقود من الزمن لم يكن أحد يتوقع أو حتى يستشرف أن يأتي زمن يصبح فيه أحد مشاهير يوتيوب أو تويتر أو الفيس يوك أو سناب أو انستغرام أو أي وسيلة تواصل اجتماعي معاصرة أو تطبيق ذكي أكثر تأثيرًا في الرأي الجمعي من عمالقة الفلسفة والثقافة والعلم أو أكثر تأثيرًا من القادة ، وأن يبرز من بين هؤلاء المشاهير الجاهل والمتسكع والمبتذل والصفيق والمهرج ومن لا يمتلك الحدود الدنيا من مقومات العلم والثقافة والأدب ، ويصبح لهم تأثيرًا في التربية يفوق تأثير القائمين عليها في البيت والمدرسة مما يشكل خطرًا على مخرجات التربية عامة وعلى سلوكيات الناشئة بشكل أخص.
إن الاسفاف والابتذال والتهريج الممجوج الممارس من بعض مشاهير التواصل الاجتماعي اليوم والمنتقل أثره إلى المتابعين من العامة يعد أكثر مهددات التربية السليمة، فما يجهد فيه الوالدون والقائمون على التربية والتعليم لإكسابه الناشئة من معارف وقيم واتجاهات وخبرات سوية يواجه بالغثاء الذي يروج له بعض المشاهير فيتصادم الغث بالثمين وفي كثير من الحالات يصبح تأثير معاول الهدم أكثر من سواعد البناء وتظهر النتائج السلبية في سلوكيات الناشئة واتجاهاتهم.
إن كثيرًا من الأنظمة التربوية والتعليمية في كثير من الدول اليوم تبذل جهودًا مضاعفة لتطوير الأنظمة التربوية والتعليمية وأساليب التعليم والتعلم لتحقيق التطوير التربوي المأمول رغبة منها في تحسين مخرجات التربية والتعليم في الوقت الذي تتزايد فيه التأثيرات السلبية لمشاهير التواصل الاجتماعي وهو ما يشكل تحديًا معاصرًا أمام تلك الأنظمة وتلك الدول فتأثيرات التربية المعاكسة الناتجة عن مخرجات المشاهير أسرع تأثيرًا وأقوى أثرًا في الكثير من الأحيان ولا تملك الدول وسائل ملائمة للردع في ظل العولمة المعاصرة وانتشار استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد ودفاع القوى العالمية لإتاحتها للعامة وعدم تقييدها وحجبها أو منع استخدامها إلا اعتماد بعض القوانين المتعلقة بالجرائم المعلوماتية وهي تختلف بين دولة وأخرى وإن كان هناك بعض الدول القليلة التي قامت فعليًا بحجب تلك المواقع والتطبيقات ومنع استخدامها للحفاظ على ثقافاتها ومخرجاتها التربوية والتعليمية .
لعل سهولة التعامل مع التقنية الحديثة في مجال الاتصال وبريق الشهرة أغرى الكثير من أفراد المجتمع على الدخول في عالم المنافسة لاحتلال مراكز مرموقة في منصات التواصل الاجتماعي المتنوعة حتى ولو كان ذلك على حساب الدين والقيم والأخلاق والمبادئ للحصول على الشهرة وما يترتب عليها من ثراء مادي سريع ، ولعل مستوى الجرأة وسطحية الفكر والاهتمام هي التي قادت وسائل التواصل الاجتماعي فجعلت من التافهين مشاهير يستضافون في المهرجانات والمناسبات وتتبعهم الأضواء ويدشنون المشاريع وتقام لهم الولائم وأصبحت شركات الدعاية والإعلان توقع معهم عقوداً تجارية عالية التكلفة لإقبال المعلنين عليها ثقة منهم في سرعة تأثيرها وتوسع انتشارها مقارنة بمنصات الإعلان المتنوعة في وسائل الإعلام الاعتيادية من صحف ومجلات وقنوات تلفزيونية، وقد ساعد إدمان غالبية أفراد المجتمعات المعاصرة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على زيادة أعداد المتابعين لأولئك المشاهير، فأصبح المشهور منهم حريصًا على استمرار شهرته وتأثيره فيلجأ لتحقيق ذلك إلى التجاوز والخروج عن المألوف وعن القيم ، مما يمنحه قدراً من الرضا عن الذات، ويحفزه على ممارسة المزيد من التفاهات والمخالفات فتصبح آثارها كارثية على المجتمع بكل مكوناته.
وقد تناول النقد لتصرفات بعض المشاهير المخالفة للعقيدة والأعراف والتقاليد والقيم والقوانين الأمنية بعض المثقفين والكتاب والمحامين في بعض وسائل الإعلام وقدموا العديد من المقترحات لتجنب تأثيراتهم الخطيرة على المتابعين وعلى المجتمع ومن بينها حرمانهم من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمعاقبة القانونية على مخالفاتهم الظاهرة واقترح البعض ضرورة تثقيفهم والإفادة من قوة تأثيرهم في التربية والتعليم بعد توحيه نشاطاتهم إلى ما يعزز القيم النبيلة ويحقق التربية السوية، وأوافق الرأي من يوصي بإعادة تأهيلهم بما يحقق الأمن والإفادة منهم فيما يحقق الأهداف التربوية المأمولة. والله الموفق.