الرئيسية / مقالات / التعليم المستمر حاجة إنسانية وتربوية وغاية مستمرة

التعليم المستمر حاجة إنسانية وتربوية وغاية مستمرة

وأنا أقلب صفحات الذكريات الماضية ، توقفت عند مقالة كتبتها يوم 10 ربيع الآخر 1409هـ في صفحة المدينة التربوية بصحيفة المدينة التي كنت أشرف عليها آنذاك في العدد 7868 بعنوان ” حاجتنا للتعليم المستمر ” وفيها هدفت إلى تأكيد حاجة الإنسان عامة وحاجة القائمين على التربية والتعليم خاصة إلى التعليم المستمر لمواكبة المستجدات المعاصرة والمستقبلة،

كتبت تلك المقالة ولم يكن آنذاك قد برز الإنترنت على الساحة وكانت البدايات الأولى لظهور الحاسبات الإليكترونية المكتبية ولم تستخدم بعد الهواتف النقالة ولا الهواتف الذكية ولم تنتشر ألعاب الفيديو المتطورة ، وكنت قد أوصيت فيها القائمين على التربية والتعليم بالعناية ببرامج التعليم المستمر على مستوى المدارس والجامعات وإعداد القائمين على التعليم للتعامل مع التطورات المتسارعة في تدفق المعلومات وتطور وسائلها. وتخيلت لو أن يوم كتابة تلك المقالة هو اليوم بما يميزه من تطورات في وسائط المعلومات من خلال وسائل التعليم والتعلم ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة والتطورات المذهلة في التقنيات الحاسوبية والتطبيقات الذكية وامتداد الفضاء السبراني وإحاطته بكل تفاصيل الحياة فماذا عساي أن أوصي به؟

إني لأؤمن بما يؤمن به الكثيرون بأن ما تحرص عليه الدول من خلال أنظمتها التعليمية والثقافية والاجتماعية لإكساب مواطنيها الخبرات والكفايات اللازمة للحياة والتعايش والإنتاجية لا يمكنها به أن تواجه المستجدات المتسارعة والتطورات المتلاحقة في مصادر المعلومات المتنوعة والمستجدة، فهذه 32 عامًا تقريبًا بين مقالتي السابقة وهذه المقالة وما حدث من تطورات فيها يفوق الوصف والتخيل فكيف بالمستقبل وقد فتحت له أبواب التقنيات الذكية؟ بينما تتباطأ حركة التطوير في تلك الأنظمة بما لا يلبي حاجة المجتمعات لإحداث تأثير إيجابي يحقق التعايش المنتج مع التطورات التقنية والمعلوماتية ، ولهذا فإن حاجة الإنسان للتعلم المستمر تصبح أكثر إلحاحًا اليوم وفي الغد والمستقبل وأتوقع أن محتويات التعليم النظامي إن لم تركز على إكساب مهارات التعلم فلن تترك أثرًا ذا قيمة لدى الناشئة والمتعلمين حيث أن ما يقدم من خبرات ومعلومات من وسائل التعليم والتعلم غير النظامية يطغى على ما يقدم من خلال المؤسسات التعليمية والمجتمعية النظامية ويسبقها نحو المستقبل ، فغالبيتنا وغالبية أولادنا نمتلك اليوم من الهواتف الذكية والأجهزة الحاسوبية المتطورة ما يمكننا أن نجوب بها كل وسائل التعلم الجديدة في كل أرجاء العالم وهذا ما جعل دائرة التعلم أرحب وأوسع وجعل دائرة التأثير التربوي والثقافي غير النظامي عابرة للحدود وأصبح من الضروري إعداد الجيل المعاصر وجيل المستقبل للتعامل الآمن مع التقنيات ومع مصادر المعلومات المتطورة وسبل الإفادة من محتوياتها.

لقد برزت مصطلحات” التربية مدى الحياة ” Lifelong Education و التربية المستمرة Continuing Education و” التربية الدائمة ” L’Education Permanente ” والتعليم المستمر” Continuous Learning. في أدبيات التربية منذ عهود متقدمة وجميعها تشير إلى أن التربية والتعلم عمليات مستمرة لا تقتصر على مرحلة معينة من العمر، أو تنحصر في مرحلة دراسية محددة، بل هي مستمرة باستمرار الحياة لكل فرد، وغالبًا ما تتأثر التربية بنوع التعليم ونوع التعلم ، ولعمليات التعليم المستمر مجموعة من الخصائص منها التالي :

الشمولية “Totality “: وهذا يعني أنها تشمل جميع مراحل الإنسان من المهد إلى اللحد، وجميع أنواع التعلم الرسمية وغير الرسمية.

التكامل “”Integration : ويقصد بها التكامل بين جميع مصادر المعرفة والتربية من البيت والمجتمع والمدرسة ومراكز التدريب وغيرها مما يشكل عملية التعلم والتربية.

المرونة”Flexibility”: فهي متوافقة مع متغيرات العصر ومتطلباته ومتقبلة للتطوير والتحديث

الديمقراطية”Democratization”: حيث تؤكد على حق جميع الناس في التعلم بغض النظر عن الفروق الاقتصادية الاجتماعية الثقافية والعقلية، فهي حق للجميع.

تحقيق الذات”ٍSelf-fulfillment” : أي أن هذه العمليات تسعى لأن يكون الفرد محققا لذاته ومطورا لها ليعيش عيشة متناسقة مع ما يفرضه المجتمع والعصر ، وتمكنه من التكيف مع العوامل المحيطة وتفتح المجال له للإبداع ، وكل ذلك ينعكس في النهاية على مجتمع متقدم متطور تبعا لتقدم وتطور أفراده.

والتعليم المستمر يحقق للأفراد الحصولِ على خبراتٍ تعليمية، ومجموعة مِن المعارف دون ربطها بِعمرٍ محدد، أو فترة زمنيّة معينة، أو مرحلة دراسية محددة ، أو مكان مخصص للتعليم، ويحدث التعلم المستمر من خلال عمليات التعليم النظامية والتعليم المفتوح والتعلم الذاتي  والغرض المهم من عملية التعلم المستمر هو محاولة مواكبة التطورات السريعة في العلم والتي تجري بتسارع كبير جداً نتيجة التكنلوجيا المتطورة والأبحاث المستمرة في جميع أنواع العلوم والاختصاصات ولذلك فكل شخص مهما كان تحصيله العلمي يحتاج لعملية التعلم المستمر لمواكبة هذه التطورات العلمية المتسارعة, وكان لانتشار وتطور وسائل الاتصال الحديثة وتطور شبكة الأنترنت وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي عاملاً مهماً في تيسير عملية التعليم المستمر بشكل كبير لأنها أتاحت لكل فرد يرغب بالتعلم بالتواصل مع آخر التطورات العلمية الحديثة.

لقد تناول العديد من الباحثين موضوع التعليم المستمر للتربية وللحياة ولخدمة المجتمع من جوانبه الفلسفية والنفسية والتربوية ويكادون يتفقون على ضرورته لجميع أفراد المجتمع لمواكبة المتغيرات الثقافية والعلمية والتقنية، وتؤكد الكثير من الدراسات المتخصصة قوة تأثير مخرجاته على جوانب الحياة المتنوعة، وقد تعاني المجتمعات من الأمية في جانب من جوانب مهارات الحياة إذا لم تتح التعلم المستمر لأفرادها وتشجعهم على اكتساب كفاياته والتعامل مع مصادره وأدواته المعاصرة، فما يحتاجه الفرد اليوم وفي المستقبل من المهارات والكفايات اللازمة للتعامل مع التطورات الحياتية والتفاعل معها لا يمكن أن تفي المؤسسات التربوية والتعليمية بإكسابها لأفراد المجتمع والأسلوب المثالي لاكتسابها يتمثل في التعليم والتعلم المستمر والتعلم مدى الحياة. والله الموفق.

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كلمتي بمناسبة ذكرى اليوم الوطني الواحد والتسعين 1443-2021

الحمد لله الذي لا إله إلا هو المنعمِ المعطي الوهابِ ربِّ العالمين، ...