الرئيسية / مقالات / العلم والإيمان في التصور التربوي

العلم والإيمان في التصور التربوي

لقد بذل الفلاسفة وعلماء التربية وعلماء العقائد المتنوعة جهودًا مضنية للتعريف بالعلم والتعريف بالإيمان وجوانب التقائهما وجوانب اختلافهما ودورهما المؤثر في التربية بشكل عام وفي توجيه فكر الأفراد والمجتمعات وتوجيه سلوكياتهم وسأحاول في هذه المقالة تلخيص هذه العلاقة المتأرجحة عبر التأريخ بين العلم والإيمان ودورهما في التأسيس لتربية مقبولة في المجتمعات الإنسانية ، وأنا من المؤمنين بأن الإفادة من العلم والإيمان والتوفيق بينهما بما يخدم البشرية هدف نبيل وغاية سامية لبناء ثقافة معتدلة تأخذ من منابع الخير ما ينفع لتكوين الشخصية السوية .

فالعلم يقصد به المعرفة المصنفة أو المعرفة المنسقة التي تنشأ من الملاحظة والدراسة والتجريب، وتتم بهدف تحديد طبيعة الظواهر وأصولها التي تخضع للملاحظة والدراسة والتجريب والقياس، ويتم التوصل إليها باتباع المنهج العلمي الصحيح وتصاغ في قوانين عامة للظواهر المتنوعة، ويمكن تعريفه بأنه منظومة المعارف والتطبيقات التي تتعلّق بموضوع معين أو ظاهرة محددة يتم التوصل إليها عن طريق عمليات العقل واستخدام المنهج العلميّ الذي يقود إلى اكتشاف الخصائص وصياغة النظريات والقوانين العلميّة، ويمكن اختصار تعريف العلم بأنه المعرفة التي توصل إليها الإنسان من الملاحظة والتجارب وبالتفاعل مع مكونات البيئة والكون، والعلم متغير ومتطور ومتجدد في الصفات والخصائص والدلالة والإثبات ، بينما الإيمان يعني في المطلق الإيمان بجود الله تبارك وتعالى الخالق المدبر العليم بكل الأشياء ومنبع العلم أصلاً والإيمان بما أنزله من علم ثابت الدلالة والإثبات مما يتطلب الملاحظة من الخلق للإحاطة والتدبر والاستيعاب والاستجابة والتسليم.

فمحتوى العلم البشري هو مجموعة النظريات والقوانين والحقائق الملاحظة والمستنتجة من المشاهدات والتجريب والتفكير في روابط العلاقات بين الأحداث والأشياء واكتشاف علاقاتها وتطورها ويتركز العلم البشري على الموجودات ولا ينكن خوضه في الغيبيات إلا بالفرضيات وهو علم متطور ومتجدد ومتغير بتغير خصائص المواد والنتائج، بينما يحتوى الإيمان الحق بالله الخالق العليم على علم اليقين ومجموعة الحقائق عن الله وعن المادة والكون والهدف من الوجود والخلق ويحتوي على علم الغيبيات التي لا يمكن للإنسان أن يصل إليها بعلمه.

وقد قرن الله تبارك وتعالى بين العلم والإيمان في قوله تعالى : “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (المجادلة:11)، فالأمة التي يعلوا فيها أهل العلم والإيمان هي الأمة المؤهلة لقيادة البشرية إلى حياة طيبة، تعلو فيها قيمة الإنسان، ويُعْرَف لكل عالِم فيها قدره ودرجته، والناس طبقات ودرجات في امتلاك العلم الحق أو علم اليقين أو علم عين اليقين إلا أن الراسخون في العلم هم من بلغ بإذن الله تعالى الدرجة التي يصلون فيها من خلال نواتج علمهم إلى الإيمان المطلق والتوحيد النقي من الشرك ظاهره وخفيه ، فالله تبارك وتعالى يقول :”وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ”(آل عمران من الآية:7) وقال تعالى: “لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً” (النساء:162). فالعلم والإيمان نور في الدنيا يرفع قدر صاحبه بين الناس، ونور في الآخرة يجتاز به صاحبه أهوال القيامة؛ ولذلك جرت عادة القرآن بالتعبير عن العلم والإيمان بالنور وعن الجهل والكفر بالظلمات.

وقد يقول قائل ليس كل إيمان إيمانًا بالله فهناك من يؤمن بعقائد منحرفة عن الحق فهل لهذا الإيمان أثر في العلم؟ والجواب نعم لكل علم وإيمان مهما كان مقصده وخصائصه أثر في الآخر وأثر في الإنسان وأثر في العلاقة بين الإنسان والكون والبيئة ، وما اقصده في هذه المقالة هو الإيمان الحق اليقين الذي عليه المنهج الإسلامي فقط ، فكلما ازداد الإنسان علماً كلما ازداد يقينًا ومعرفة وخشية لله عز وجل، قال تعالى مبينا أن العلماء هم أشد الناس خشية له ومعرفة بمقامه ” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ”( سورة فاطر27-28) فالعلم يهدى إلى الإيمان ويقوي دعائمه، والإيمان يدعو إلى العلم ويرغّب فيه، وهذه العلاقة الوثيقة لا نجدها في غير الإسلام.

فالتصور التربوي ينبع من الثقافة العامة فإذا كانت الثقافة إسلامية تؤمن بالعلاقة الوثيقة بين العلم والإيمان لمنفعة البشرية في دنياهم وأخراهم انعكس ذلك على مدخلات التربية وأثر في بناءاتها وعملياتها ومخرجاتها وإن كانت الثقافة أخرى فإنها تؤثر حتمًا على التصور التربوي كذلك ، ولعل ظهور بعض الأفكار المنحرفة والتوجهات المادية والعلمانية ونحوها يدل على نوعية الثقافة ونوعية التصور التربوي المنبثق منها ، والناس عمومًا على طوائف فيما يتعلق بالعلم والإيمان طائفة رزقت العلم وحرمت الإيمان وطائفة رزقت الإيمان وحرمت العلم وطائفة حرمت العلم والإيمان وطائفة رزقت العلم والإيمان وهذه الطائفة الأخيرة أهلها هم أهل الهدى والنور والصراط المستقيم وهي الطائفة التي امتدحها الله في أكثر من موضع في القرآن الكريم ، وآمل أن نكون ممن رزق الإيمان والعلم وعرف الطريق الصحيح لبناء التصور التربوي السليم القائم على علم اليقين وعين اليقين . والله الموفق. 

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كلمتي بمناسبة ذكرى اليوم الوطني الواحد والتسعين 1443-2021

الحمد لله الذي لا إله إلا هو المنعمِ المعطي الوهابِ ربِّ العالمين، ...