الرئيسية / مقالات / المؤمنون حقًا !!!

المؤمنون حقًا !!!

 

سأل أحدهم صديقه فقال : لماذا نعبد الله وحده دون سواه ؟ فقال صاحبه مستغربًا السؤال: وهل من شك في إجابة المؤمنين حقًا عن هذا السؤال ؟ قال له: لاحظ أنك قلت : المؤمنين حقًا ..!! فرد عليه مستغربًا : وهل يهمك البحث في إجابات غير المؤمنين ؟ قال : لا ، بل يهمني أن أعرف إجابتك أنت . فقال له بثقة : يعبد المؤمن الله تعالى لغايات ثلاث . وقد يعبده لبعض منها . الغاية الأولى : الامتثال والطاعة ، وهي أن تعبد الله تعالى إتباعًا لأوامره واجتنابًا لنواهيه ، طاعة لله ورسوله. والغاية الثانية : الرغبة والرهبة ، وهي أن تعبد الله تعالى رغبة فيما عند الله المنعم الرحيم من الثواب والجزاء الحسن وتجنبًا لعقابه وهو شديد العقاب .. أي طلبًا للجنة وهربًا من النار . والغاية الثالثة : الحب المطلق ، وهي أن تعبد الله تعالى حبًا للخالق المتصرف في الخلق ولاستحقاقه المطلق للعبادة ، أي أن تعبد الله لأنك تؤمن في قرارة نفسك أنه المستحق للعبادة وحده دون سواه وتستمتع بعبادته دون غرض آخر لنفسك .فإن تفضل عليك بخير فهو المتفضل والجواد دائمًا، وإلا فيكفيك من الخير والفضل أنك عبدته وتعبده .


فقال السائل : هب أن مؤمنًا يعبد الله للغايات الثلاث أو لبعضها وسألناه السؤال التالي : لو تعلم أنك هالك ومصيرك بإذن الله تعالى مع كل ما تمارسه من عبادات إلى النار عياذًا بالله منها ، فهل ستستمر في عبادة الله وحده دون تقصير متى ما منحت فرصة مستمرة في الحياة ؟ فإن أجاب بنعم متيقنًا بصدقها ومطابقتها لنيته فقد بلغ منزلة المؤمن الحق ، وإن تردد ففي إيمانه شك ونقص ودخن ، فمن يؤمن بالله يعبده لذاته فقط ولا يشرك مع حب الله مصلحة ذاتية وعليه أن يوقن بأنه ببلوغ هذه المنزلة فإنه سينال لا محالة تحقيق جميع الغايات الأخرى ولو لم يستهدفها مباشرة فوعد الله تبارك وتعالى متحقق لا محالة ولن يضام أبدًا حبيب الله وعبده المخلص. واعلم أن المؤمنين على تباين درجات إيمانهم يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة لأنه الله الخالق الرازق، وهو ربنا ورب كل شيء، ولأنه خلقنا لعبادته وأمرنا بها، كما قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)(الذاريات:56-58) ، ولقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21).
وقد قال الشيخ صالح الفوزان في معرض إجابته عن سؤال من هذا القبيل : “اعلم أن عبادة الله تعالى وحده لا شريك له المأمورين بها تتضمن المحبة والرجاء والخوف ولا بد من اجتماعها؛ فمن تعلق بواحد منها فقط؛ لم يكن عابدا لله تمام العبادة. فعبادة الله تعالى بالحب فقط طريقة من طرق الصوفية .. وعبادته تعالى بالرجاء وحده طريقة من طرق المرجئة .. وعبادته بالخوف فقط طريقة من طرق الخوارج‏ .‏. والمحبة المنفردة عن الخضوع لا تكون عبادة؛ فمن أحب شيئا ولم يخضع له؛ لم يكن عابدا؛ كما يحب الإنسان ولده وصديقه، كما أن الخضوع المنفرد عن المحبة لا يكون عبادة؛ كمن يخضع لسلطان أو ظالم اتقاء لشره‏.‏ ولهذا لا يكفي أحدهما عن الآخر في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من كل شيء‏.‏ ويجب أن نعلم أن الخوف من الله سبحانه يجب أن يكون مقرونا بالرجاء والمحبة؛ بحيث لا يكون خوفا باعثا على القنوط من رحمة الله؛ فالمؤمن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء، بحيث لا يذهب مع الخوف فقط حتى يقنط من رحمة الله، ولا يذهب مع الرجاء فقط حتى يأمن من مكر الله؛ لأن القنوط من رحمة الله والأمن من مكره ينافيان التوحيد‏ “
وقد قال بعض العلماء‏:‏ من عبد الله بالحب وحده؛ فهو صوفي .. ومن عبده بالخوف وحده؛ فهو حروري .. ومن عبده بالرجاء وحده؛ فهو مرجئ .. ومن عبده بالحب والخوف والرجاء؛ فهو مؤمن .. كما وصف الله بذلك خيرة خلقه حيث يقول سبحانه‏:‏ ‏ {‏ أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ُ‏}‏ (الإسراء : 57) .‏
والجواب الشافي عن سؤال السائل من وجهة نظري يكمن في فهم معنى الحب والخوف والرجاء معًا ، وحتى نخرج من مظلة الصوفية أو الحرورية أو المرجئة فعلينا طرح هذا السؤال على أنفسنا في كل وقت وتصحيح مسار عقيدتنا مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عبدالله على بصيرة وخير من بيّن ووضّح صفات المؤمن الحق فمن جهل إجابة لماذا يعبد الله وحده دون سواه ، فقد جهل الصراط المستقيم وأسباب السعادة الأبدية في الدارين ،، وأسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين حقًا الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ )الأنفال:2-4) والله أعلم .
نشرت المقالة في صحيفة جندب الإليكترونية ،، ورابطها على النحو الآتي :
http://www.jndb.net/index.php?option=com_content&view=article&id=172:2014-05-03-22-17-31&catid=12:2010-12-09-22-56-15&Itemid=10

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كلمتي بمناسبة ذكرى اليوم الوطني الواحد والتسعين 1443-2021

الحمد لله الذي لا إله إلا هو المنعمِ المعطي الوهابِ ربِّ العالمين، ...