الرئيسية / مقالات / المعلمون القيادة في أوقات الأزمات وإعادة تصور المستقبل

المعلمون القيادة في أوقات الأزمات وإعادة تصور المستقبل

معلم ولي الشرف : كانت إجابتي لمن يسألني عن وظيفتي ومهنتي منذ عام 1982 واستمريت لمدة تزيد عن 32 عامًا أحمل لقب المعلم قبل أن أتقاعد مبكرًا ، وكنت أحرص دائمًا على الاهتمام بقضايا المعلمين وقد ألّفت أكثر من مؤلف يتناول قضاياهم وشؤونهم المتنوعة ورغم تسنمي القيادة في أكثر من موقع قيادي على مستوى المدارس وإدارات التعليم والوزارة إلا أنني كنت أومن بأن المعلمين هم قادة العملية التعليمية وقادة التغيير والتطوير فيها وقادة تصوَر المستقبل .

لقد شاركت في ذكرى اليوم العالمي للمعلم السابقة بمقالة كنت قد ضمنتها في كتابي المعنون ب ” مستقبل التعليم العام في وطني ” وأجدني محبًا للمشاركة بها في ذكرى اليوم العالمي للمعلم لهذا العام 2020 لأنها تتعلق بمستقبل المعلمين في وطني العزيز فآمل أن ينفع الله بها كل من يطلع عليها ممن يمكنه التأثير في منظومة العملية التعليمية بما يحقق للمعلمين تطلعاتهم ، وفيما يلي نص مقالتي لهذه الذكرى العالمية :

يتفق التربويون على أن المعلم العنصر الرئيس في العملية التعليمية وقائدها الذي يحدث الفرق في مستوى جودتها وتأثيرها وأنه العنصر الأساسي الذي يؤثر في مكتسبات الطلاب من خلال شخصيته واستراتيجياته وأساليبه في التدريس ، وقد اهتمت بتأهيله وإعداده جميع الأنظمة التعليمية في العالم أيمانًا منها بأهمية دوره الرئيس في تجويد مخرجات العملية التعليمية كما خصصت له اليونسكو يوم 5 أكتوبر من كل عام يومًا عالميًا للاحتفاء به وبدوره المحوري في تقدم المجتمعات وتطورها ، وجعلت شعارها ليوم المعلم لهذا العام 2020 ” المعلمون القيادة في أوقات الأزمات وإعادة تصور المستقبل ” 

فالمعلمون في وطني العزيز وفي طريق تحقيق رؤيته الطموحة 2030 يؤمل فيهم امتلاك الكفايات اللازمة لأداء أدوارهم المتطورة ،، فنتيجة للتغير المعرفي الهائل في المعلومات والمعارف والتطور التكنولوجي في جميع مناحي الحياة وتكنولوجيا التعليم ، فقد تطوّر دور المعلم وازدادت مهمته تعقيداً واتساعاً ، فبعد أن كان تقليدياً يقتصر على نقل المعرفة إلى عقول التلاميذ ، وحشوها بالمعلومات، ومهمته مقصورة على التعليم فقط وتنفيذ الكتاب المدرسي في المنهج التعليمي ، وحدوده الصف والمدرسة ، أصبح المعلم اليوم مختلفاً فقد تعددت أدواره وأساليبه، وتزايدت أهمية المعلم في ضوء الأدوار الجديدة التي ينبغي أن يقوم بها ، فقد أصبح قائدًا ومرشداً إلى مصادر المعرفة ، ومنسّقاً لعمليات التعليم ، ومقوّماً لنتائج التعلّم ، وموجهاً مراعيًا لقدرات المتعلّم وميوله ، ومكتشفًا للموهبة والإبداع منميًا لها لدى المتعلمين ، وفي عصر كورونا كوفيد 2019 أصبح مصممًا للتعليم والتعلم ومعلمًا عن بعد وعليه أن يمتلك مهارات وكفايات القيادة والتدريس بالوسائط المتطورة وقيادة التعليم وتنفيذه في البيئات الافتراضية .

ونظراً لأن دور المعلم كان ولازال دوراً متغيّراً مسايراً لمتطلبات التطوّر الذي يصاحب التعليم كمهنة ، فقد تطورت أدوار المعلم بتطور النظريات التربوية وتطور التقنيات والمعلوماتية وقد تناولتها أدبيات التربية التي تفترض منه أن يكون معلّماً ، ومربياً ومرشداً، وملاحظاً سيكولوجياً ، ورائداً اجتماعياً ، ومنظماً إدارياً ، ومهندساً تقنياً ، وباحثاً علمياً ، ومكتشفًا للمواهب والإبداعات ، وقد أصاب دور المعلم نوع من التوظيف المهني والتقني في عصر التكنولوجيا فائقة التطوّر عصر المعرفة والمعلوماتية والاتصالات الكونية ، فالتعليم لم يعد مقصوراً على آليات التدريس ، إذ تحوّل أكثر فأكثر إلى آليات التعلّم ، وترّكز الجهد الفاعل في حقل التدريس على المتعلّم أكثر من المعلّم.

ورغم الاجتهادات التي بذلت في سبيل إكساب المعلمين كفايات التدريس اللازمة وتطوير برامج إعداده في الوطن العزيز إلا أن نواتج التعليم والتعلم تشير إلى الحاجة القصوى لإعادة النظر في برامج إعداد المعلمين وفي برامج تدريبهم أثناء الخدمة ، ففي الوقت الذي تبذل فيه جهود مقبولة لتطوير المناهج التعليمية وطرائق التعليم والتعلم وتحسين البيئات التعليمية ورفع كفايتها فإنه لا يقابلها ما تحتاجه المعلمون فعلا من تدريب متخصص للتعامل مع المناهج المطورة وتقنيات التعليم والتعلم المتطورة في البيئات التعليمية المعاصرة مما أحدث فجوة حقيقية في نوعية مخرجات التعليم ، وقد كشفت مجموعة من الاختبارات التحصيلية والاختبارات الوطنية والعالمية واختبارات القدرات تلك الفجوة المقلقة في مستوى مخرجات التعليم والتي يعود السبب في حدوثها إلى ضعف كفاءة المعلمين نتيجة ضعف برامج إعدادهم وضعف برامج تدريبهم أثناء الخدمة وعدم كفايتها لإكساب كفايات التدريس اللازمة ، ففي آواخر التصنيفات لدول العالم في جودة التعليم صنّف تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس جودة التعليم في المملكة العربية السعودية لعام 2015م في المرتبة 54 من بين 140 دولة شملها مؤشر الجودة في العالم ، وفي عام 2016 ووفقًا لمؤشر دافوس نفسه لجودة التعليم كان ترتيب السعودية 72 عالميًا من بين 140 دولة في المؤشر ، وفي عام 2018 ووفقًا لذات المؤشر جاء ترتيب السعودية 84 عالميًا بين 140 دولة ، وهو ما يدل على تراجع جودة التعليم في الوطن العزيز ويستدعي التدخل العاجل في إصلاح منظومة التعليم وتطوير أدائها بما يعالج المشكلات القائمة والعناية بالمعلمين وتطوير كفاياتهم ففيهم مفاتيح نجاح العملية التعليمية بإذن الله .

ويتفق كثيرون من الباحثين في مجال إعداد المعلمين وتدريبهم على أن مستقبل المعلمين يواجه مجموعة من التحديات المقلقة والمتجددة مثل تحديات المعرفة والتكنولوجيا والمعلوماتية والعولمة والديموقراطية وتطور المناهج التعليمية وتطور بيئات التعليم والتعلم ومعايير الجودة وربط الأجور بمستوى الأداء ومشاريع الترخيص للمهنة والضغوط الاجتماعية وتنامي الطلب على مخرجات تعليمية منافسة دوليًا ، فضلا عن تحديات تتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية المؤثرة بشكل مباشر في مهنة التعليم ، ولعل أكثرها مقلقًا لمعلمي المستقبل تزايد انتشار تطبيقات التعليم والتعلم الافتراضي وشيوع استخدام وسائل التواصل الإليكترونية وتأثيرات وسائل الإعلام الجديد على المتعلمين ما يتطلب منهم النماء المستمر للمواكبة والتعايش والقدرة على التفاعل مع المستجدات الإليكترونية وأدوات ووسائط التعليم والتعلم المتطورة .

ومدارس المستقبل بمواصفاتها المتطورة تعد تحديًا حقيقيًا يواجه معلم المستقبل فالبيئة التعليمية في مدرسة المستقبل التي تتصف كما أسلفت بأنها بيئة تفاعلية مفتوحة وتكنولوجية تحتوي على تجهيزات بيئية تفاعلية ، وفصول افتراضية ، ومداخل متنوعة لشبكات محلية وعالمية ، وبريد إلكتروني ، ومجموعات بريدية ، ومزودة بوسائل الاتصال عن بعد Telnet ، والاتصال المباشر On Line ، وتبادل الفيديو تحت الطلب ( VOD ) وتلفزيونات متفاعلة ، ومواد تعليمية فورية عالمية، وتنفيذ المؤتمرات والاجتماعات عن بعد ، وإجراء المناقشات والتفاعلات السريعة الأخرى مع جميع الأطراف التي يمكن أن تشارك في العملية التعليمية ، وإدارة قواعد البيانات التعليمية عن بعد بمراكز التعلم الافتراضية ، والمكتبات الإلكترونية والشبكات التعليمية لتحقيق التعلم النشط من خلال المتعة القائمة على الإبداع العلمي والفاعلية تتطلب معلمًا مبدعًا ، والمناهج الحرة المفتوحة الملائمة لخصائص الطلاب في مدرسة المستقبل التي تحقق التكامل بين الجوانب النظرية والجوانب التطبيقية وبين الأنشطة الصفية والأنشطة غير الصفية، المرتبطة بالبيئة المحلية واحتياجات المجتمع، المراعية للفروق الفردية بين المتعلمين، والمؤكدة على مفاهيم العمل والعمل التعاوني ، والتي يفترض أن تقود إلى إكساب المتعلمين مهارات التفكير والإبداع وتنمية المواهب ، تتطلب معلمًا بمواصفات خاصة ولعل من أبرزها أن يكون قادرًا على استخدام التقنيات الحديثة في عملية التعليم والتعلم ، و أن يتمتـــع بقــدرات عقليــــة فـائــــقة ، وباتجاهــات إيجابيـة نـــحو طلابــــه ، وأن يتقن عمليات تصميم التعليم والتعلم ، وأن يكون مدربًا على تصميم ونشر الصفحات التعليمية على الإنترنت، وأن يكون قادرًا على إدارة العملية التعليمية الفاعلة والمتطورة الواقعية والافتراضية .

ويعاني المعلمون اليوم في الوطن العزيز من مجموعة مشكلات تتعلق بطبيعة الإعداد التربوي وقصور برامج التدريب أثناء الخدمة وبضغوط العمل في ظل مواصفات المدارس والمناهج المعاصرة ومشكلات تتعلق بالحقوق وبآليات وزارة التعليم في التعامل مع احتياجات المعلمين وتوفير البيئات الوظيفية الآمنة والمحفزة على العمل ، وآلياتها في التكليف والنقل والتحفيز والوضع الاجتماعي للمعلمين مقارنة ببعض الوظائف الأخرى .. وغيرها من المشكلات التي أثرت على مستوى الأداء وعلى المخرجات التعليمية ، وتواجه وزارة التعليم تحديًا حقيقيًا لإعادة الثقة إلى المعلمين بتحسين أوضاعهم الوظيفية والاجتماعية وتلافي المشكلات التي يواجهونها بسبب مواصفات البيئات التعليمية وزيادة أعداد الطلاب في الفصول وعدم القدرة على تنفيذ المناهج التعليمية المعاصرة بدون توافر متطلباتها من المواد والوسائط التعليمية اللازمة وعدم التدريب الكافي على تنفيذها ، ولعل وزارة التعليم تتمكن من خلال تنفيذها لبرنامج التحول الوطني وبرامج تحقيق الرؤية الوطنية 2030 من تلافي تلك المشكلات المؤثرة في جودة التعليم و جودة مخرجاته.

وختامًا فإن على وزارة التعليم القائمة والمستقبلة أن تعمل جديًا على الاستفادة من تجارب الدول المتفوقة في التصنيف العالمي لجودة التعليم والتوسع في تنفيذ مشروعات التطوير التربوي ذات الصلة بعناصر المنهج المتنوعة بشكل متوازن لا يخل بتكاملها لتحقيق الغايات المأمولة، وعلى الدولة الاستمرار في دعم تطوير التعليم ، والعناية بتجويد برامج إعداد المعلمين والعناية بنمو المعلمين المهني أثناء الخدمة ورفع كفاياتهم بما يتلاءم مع التطورات في البيئة التعليمية وعناصرها المتنوعة وبما يساهم في تحقيق رؤية الوطن 2030 وما ينشأ بعدها من رؤى وطنية ، ونسأل الله أن يوفق القيادات العليا والقائمين على التعليم إلى سلوك طريق التطوير المأمول للتعليم بكل أنواعه لتحقيق الآمال والغايات السامية للحكومة والمواطنين ، والله الموفق والمستعان

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

التدبر والتفكر والتذكر والتعقل عبادات مأجورة

بسم الله الرحمن الارحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه ...