الرئيسية / مقالات / تربية الموهوبين والمبدعين

تربية الموهوبين والمبدعين

كنت ولا أزال أعتقد بأن الموهبة والإبداع يتمتع بها كل إنسان خلقه الله تعالى ويمكن تلمسها في جزء من أجزاء تكوينه الإنساني أو في مجموعة من تلك الأجزاء ويمكن تلمسها في إحدى عمليات العقل أو في مجموعة منها أو في بعض الممارسات والسلوكيات الموروثة أو المكتسبة لدى الفرد وتميزه عن غيره من الأفراد، ويبرز في العادة الأفراد الأكثر تميزًا الذين يمتلكون الموهبة والإبداع في مجموعة من الأجزاء والعمليات، والاتجاهات التربوية الحديثة تؤكد أن الموهبة والإبداع سلوكيات وليست خاصية مطلقة بمعنى أن الموهبة عامة وليست خاصة وأن كل فرد يمتلك جزءًا من الموهبة والإبداع وأنه يمكن تنمية المواهب والإبداعات من خلال التربية والتعليم والتعلم.

يؤكد نموذج ” الحلقات الثلاث ” لرنزولي وفريق البحث المشارك له 1986 أن السلوك الذي يتسم بالموهبة والإبداع يحدث نتيجة توافر ثلاث خصائص لدى الفرد أولها قدرات فوق المتوسط في مجال محدد وثانيها مستوى عال من الإبداع وثالثها مستوى عال من الإصرار والالتزام لأداء عمل محدد وأن الأفراد الذين يظهرون سلوكًا يتسم بالموهبة والإبداع عادة ما تتوافر فيهم هذه الخصائص الثلاث بما يمكنهم من الخلوص إلى تحقيق نتائج مبهرة في مجال من مجالات العلم أو الابتكار، وقد خلص فريق رنزولي إلى هذه النتيجة بعدد القيام بسلسلة من الدراسات والأبحاث لمدد متفاوتة على مجموعة كبيرة من الأفراد ذوي الاسهامات الإيجابية والمتميزة والعميقة في المجتمع ، وهذه النظرية وما نشأ بعدها من نظريات تؤكد على أن المواهب عامة ولكنها تتميز عند الأفراد الذين يجمعون بين خصائصها الجامعة وأن الموهبة يمكن أن تنمو وتتطور بالتربية وبالرعاية ، ويشترط ستيرنبرغ 1988 في نظريته في الموهبة توافر ثلاث قدرات وهي: الذكاء المنطقي ، والإبداع ، والذكاء التطبيقي، وقدرة الفرد على استخدامها في الوقت المناسب وبالقدر المناسب؛ فالموهبة عنده هي القدرة على الإدارة المتوازنة لهذه القدرات الثلاث بفاعلية عالية.

فوفقاً لأحدث الدراسات العلمية تبيَّن أن نسبة الموهوبين المبدعين من الأطفال من سن الولادة إلى السنة الخامسة من أعمارهم تصل إلى 90% منهم ، و تنخفض نسبتهم إلى 10%  عندما يصل الأطفال إلى سن السابعة ، وما إن يصلوا إلى السنة الثامنة حتى تتراجع  نسبهم إلى 02%  فقط . مما يشير إلى أن أنظمةَ التعليم والأنظمة الاجتماعيةَ والأعرافَ والتقاليد والتربية الأسرية تعمل على إجهاض الكثير من المواهب والإبداعات لدى أفراد المجتمع من خلال تكريس أساليب التسلط والردع والإقصاء وتحجيم الحريات.

وقد يعزى في الغالب السبب في تدني نسب الذكاء لدى الأطفال الملحقين حديثًا بالمدارس والذين لا تتجاوز نسبة الموهوبين منهم في الغالب العشرة من المائة إلى أساليب التربية الأسرية والتي تتشكل وفقًا لنوعيتها واتجاهاتها شخصيات الأطفال وخصائصهم النمائية ، ولهذا فإنه لا بد من إعادة النظر في أساليب تربية الأولاد والكشف عن مواهبهم وإبداعاتهم من وقت مبكر ورعايتهم بما يساعد على نماء خصائصهم وإثراء مكتسباتهم ومواهبهم المتنوعة ، فالموهبة والإبداع عطيَّة الله تعالى لجُلِّ الناس ، وبِذرةٌ كامنةٌ مودعة في الأعماق ؛ تنمو وتثمرُ أو تذبل وتموت ، كلٌّ بحسب بيئته الثقافية ووسطه الاجتماعي وأسلوب تربيته وتعليمه ورعايته .

وقد كنت من بين المهتمين بالبحث المتخصص في مجالات الموهبة والإبداع وقدمت مجموعة من الدراسات والأبحاث التي شاركت بها في لقاءات ومؤتمرات محلية وإقليمية ونشرت بعضًا منها في بعض مؤلفاتي العلمية، ولعلي أشير هنا إلى أبرز التوصيات التي تضمنتها بعض تلك الدراسات مما له علاقة بأهداف هذه المقالة ، ففي الدراسة التي وسمتها ب ” الدور الأسري في اكتشاف مواهب الأطفال وإبداعاتهم ورعايتها في مرحلة النمو الأولى قبل إلحاقهم بالمدارس” والتي شاركت بها في الملتقى الخليجي الأول لرعاية الموهوبين ” الموهبة تجمعنا ” المنعقد بمدينة صلالة بسلطنة عمان في العام 2010م أوصيت بالآتي:

أولا: إجراء المزيد من الدراسات التربوية حول الكشف عن الأطفال الموهوبين في مراحل نموهم الأولى قبل إلحاقهم بالمدارس، فقد دلت الإحصاءات حول هذا النوع من الدراسات ندرتها حيث لا تتجاوز نسبتها 5% بين الدراسات التي تناولت موضوعات الموهوبين بشكل عام.

ثانيًا: إنشاء مراكز للتثقيف الأسري والرعاية التربوية الأولية للأطفال الموهوبين في مرحلة النمو ما قبل المدرسة الابتدائية، وتوظيف وسائل الإعلام المتنوعة للتوعية والتثقيف الأسري حول أساليب الكشف والتربية والرعاية.

ثالثًا: التوسع في إعداد أدوات القياس والكشف عن الأطفال الموهوبين في مرحلة النمو الأولى ما قبل المدرسة تتلاءم مع البيئات العربية عامة والبيئات الخليجية خاصة تتاح للأسر على اختلاف مستويات ثقافاتها واتجاهاتها الاجتماعية.

رابعًا: إنشاء بوابة إليكترونية للتوعية بمفاهيم الموهبة والإبداع لدى الأطفال الصغار والتعريف بأدوات ومقاييس الكشف عن مواهبهم وإبداعاتهم وتصنيفها وأساليب رعايتهم وإثراء مواهبهم وإبداعاتهم، ويمكن أن تتبناها الحكومات ومراكز رعاية الموهوبين والمبدعين الرسمية والأهلية.

خامسًا: إنشاء مراكز تدريب للوالدين والأسر لتدريبهم على أساليب تربية الأولاد بشكل عام وتربية الأطفال الموهوبين في مرحلة النمو الأولى قبل إلحاقهم بالمدارس خاصة، وربط إجراءات الزواج وتسجيل المواليد ودخول الأطفال إلى المدارس باجتياز الوالدين لتلك الدورات.

وفي الدراسة التي وسمتها ب ” رعاية الموهبة والإبداع وإثرائهما عن بعد ” والتي شاركت بها في الملتقى الخليجي الثاني لرعاية الموهوبين

” الموهبة تجمعنا ” المنعقد بمدينة صلالة بسلطنة عمان في العام 2011م أوصيت بالآتي:

  1. إنشاء مركز خليجي إليكتروني للموهبة والإبداع، يقدم برامج الكشف الإليكترونية وبرامج الرعاية والإثراء عن بعد، وفق معايير الجودة الشاملة للتعليم الإليكتروني والتعليم والتدريب عن بعد، وإسناد عملية الإشراف عليه إلى مكتب التربية العربي لدول الخليج، ويتولى المركز تقديم الدعم والمساندة لجميع مراكز الموهبة والإبداع في دول مجلس التعاون لدول الخليج.
  2. استقطاب الكوادر والكفاءات المتمكنة في تصميم المواقع الإليكترونية، والمتمكنة في تصميم المحتوى الإليكتروني، والمتمكنة في تصميم التعليم الإليكتروني والتعليم والتدريب عن بعد، واستقطاب المعلمين والمستشارين المتمكنين من استخدام التقنية في التعليم الإليكتروني والتعليم والتدريب عن بعد لإنتاج البرمجيات والمقررات الإليكترونية لرعاية الموهبة والإبداع وإدارتها بما يحقق أهداف رعاية الموهبة والإبداع وإثرائهما عن بعد وفق معايير الجودة الشاملة.
  3. نشر ثقافة استخدام التقنيات المعاصرة والمستقبلة لدى المعنيين باتخاذ القرارات بشأن رعاية الموهبة والإبداع في دول الخليج بما يساعد على تبني الاتجاهات نحو الكشف عن الموهوبين والمبدعين عن بعد وتطبيق برامج الرعاية والإثراء الإليكترونية جنبًا إلى جنب مع الأساليب السائدة في مراكز رعاية الموهبة والإبداع.

وأضيف الآن إلى تلك التوصيات التوصية بالآتي:

  1. التوسع في إنشاء أكاديميات ومدارس ومراكز متخصصة للموهبة والإبداع لتقديم برامج الكشف وبرامج الرعاية والإثراء وفق معايير الجودة الشاملة.
  2. الإفادة من خبرات الدول المتقدمة والمتميزة في رعاية الموهبة والإبداع ونقل تجاربها الناجحة إلى بيئتنا المحلية بما يتوافق مع خصائصها المتطورة.
  3. الإفادة من التقنيات المعاصرة ووسائل الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي للتثقيف بتربية الموهوبين والمبدعين.
  4. تبني مخرجات الموهبة والإبداع والاستثمار فيها من قبل الدولة والقطاع الخاص وحفز الموهوبين والمبدعين إلى مزيد من الإنتاج المبدع، والله الموفق.

 

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كلمتي بمناسبة ذكرى اليوم الوطني الواحد والتسعين 1443-2021

الحمد لله الذي لا إله إلا هو المنعمِ المعطي الوهابِ ربِّ العالمين، ...