الرئيسية / مقالات / سلسلة استشرف معي المستقبل (26)من أبرز معوقات تطوير التعليم العام في المستقبل

سلسلة استشرف معي المستقبل (26)من أبرز معوقات تطوير التعليم العام في المستقبل

26) من أبرز معوقات تطوير التعليم العام في المستقبل

تحاول الحكومات والوزارات المشرفة على التعليم في الكثير من دول العالم إحداث تطوير مؤثر في منظومة النظام التعليمي في الخطط والمدخلات والعمليات لتحقيق مخرجات نوعية تلبي متطلبات التطور والتنمية الوطنية وحاجات المجتمع وتعد الناشئة للحياة وتستجيب لمواصفات المستقبل ومتطلباته ، لكن تلك الجهود تواجه معوقات شديدة المقاومة والتأثير مما قد يؤدي في الكثير من الحالات إلى فشل عمليات التطوير في تحقيق الآمال والأهداف المرسومة لها ، ولعل من أبرز تلك المعوقات مايلي :

حصانة الثقافة العامة :
وقد تناول كثير من الكتاب والخبراء في الفلسفة وعلم الاجتماع هذا المعوّق الجسور بشيء من التفصيل حيث أكدوا على أن الإرث الثقافي المتأصل في بنية المجتمعات يظل الأكثر ثباتًا بفعل التسلسل والديمومة ويشكل مع مرور الزمن حصنًا منيعًا ومقاومة متصلبة لكل ما هو جديد مغاير لثوابت تلك الثقافة وإن كان يحمل الصواب والرقي الحقيقي لتلك المجتمعات ، ويقول المفكر إبراهيم البليهي في كتابة الشهير ” حصون التخلف ” : ” إن التغييرات النوعية الهائلة التي عاشها ويعيشها العالم الإنساني في هذا العصر هي تغييرات حديثة وغريبة وطارئة على الحضارات الإنسانية ولها مقومات تختلف نوعيًا عن كل ما عرفته الثقافات القديمة وعما تعيشه الثقافات الشمولية من أفكار ومؤسسات وإجراءات وأوضاع ، فرغم مرور قرون على حدوث هذه التغيرات النوعية فإن الثقافات الشمولية مازالت مستقرة وثابته ومهيمنة في الكثير من المجتمعات البشرية محصنة بأرثها ولم تتمكن هذه التغييرات من إحداث التغيير فيها وبسبب ذلك صار التفاوت هائلاً بين المجتمعات المفتوحة المزدهرة والمجتمعات المغلقة المتمسكة بإرثها الثقافي الممانع والمقاوم للتغيير ” ويقرر البليهد في موقع آخر من كتابه ” أن من أقوى أسباب استمرار تخلف الكثير من المجتمعات عن اللحاق بركب الحضارة الإنسانية المتطورة رغم تعميم التعليم فيها وتوافر الإمكانات هو تجاهل موانع النهوض وتوهّم سهولة الإنعتاق من التخلف بوساطة التعليم وجهلوا أن هذا الواقع القائم محكم البنية وراسخ الأساس ومدجّج بأسلحته ومحتمي بحصونه المحكمة الإغلاق ومحروس بالمقاومة للتغييرات من القادة والرموز الذين تتبعهم الدهماء ، ولم يعرفوا أن كل ثقافة سائدة تقاوم تلقائيًا بكل طاقتها أي فكر طاريء حتى ولو كان طوقًا للنجاة والانعتاق من التخلف ، ولم يدركوا أنه لا بد أولا ً من إزاحة الموانع المستحكمة وفتح نوافذ في البنية الثقافية المغلقة لتكون العقول مستعدة لتقبل الأفكار والمعارف والمهارات الجديدة المتحررة بعيدًا عن سطوة الثقافة المتمترسة في الإرث الحضاري ” .
وأنا أوافق المفكر إبراهيم البليهي في رؤيته الفلسفية حول تمسك الكثير من المجتمعات البشرية بأصالة الإرث الحضاري في الفكر والثقافة مما جعل ثقافتها الموروثة أحد أبرز المعوقات للتقدم وقبول عمليات التطوير في الفكر والثقافة، ولعل في ما شهدته مقاومة التغييرات وإجراءات تطوير التعليم في وطني أحد تلك الشواهد التي تدل على صواب ذلك التحليل، وقد نتساءل عمّا هي أسباب قصور التعليم عن الوفاء بمتطلبات العصر والتقدم ؟ رغم ما بذل من جهود في عمليات تطويره وتحديثه ، وستجد الإجابة البدهية عند أكثر المتابعين لتأريخ التعليم تشير إلى أن استمرار مقاومة التغيير والتطوير من قبل المجتمع المتمسك بالثقافة الموروثة كانت السبب الرئيس وراء فشل الكثير من مشاريع التطوير أو السبب في إجبار القائمين على التطوير لسلوك منحًا لا يمس الإرث الثقافي المتأصل لدى المجتمع والمحروس من الساسة والرموز الدينية .
وإذا استمرت الثقافة المجتمعية الموروثة حضاريًا محصنة وعصية على التغيير والتبديل والتنقيح في المستقبل فإن التطوير في الثقافة والتعليم سيواجه مقاومة عصية من المتوقع أن تقود إلى فشل تلك المحاولات التطويرية وستستمر في جذبها نحو خصائص الثقافة الأصيلة والتي ترفض بعض الإجراءات المنفتحة ولو توافرت فيها أسباب نجاة المجتمع من التبعية والتخلف وانعتاقه من الاستهلاك لما تنتجه المجتمعات المتحضرة والمتقدمة والسابقة في الانعتاق من قيود الثقافة الموروثة، ولذلك فإني أؤيد إحداث التطوير في الفكر الإنساني والثقافة في اتجاه الانفتاح على الثقافات الجديدة والبدء فعليًا في تأسيس ثقافة بديلة للموروث من الثقافات القديمة تتميز بالانفتاح وقبول الآخر وقبول التغييرات والتطويرات التي تقود الأمة إلى النهوض والإنتاجية وتساعدها على التخلص من الركود والتبعية .

وأجد أن مدخل ذلك التغيير يكمن في منظومة التعليم المعتمدة على الإرادة السياسية والإدارية الدافعتان نحو اعتماد التطوير والتغييرات المرغوبة لتغيير المفاهيم والثوابت الثقافية السائدة والموروثة في اتجاه المفاهيم الجديدة للتوليد الفكري والإبداع والانعتاق من الأفكار المعطلة لحرية الفكر والإبداع وتوظيف العقل والنقل لقبول التطوير والتحديثات و التجديدات التي يتطلبها المستقبل بخصائصه المتطورة ، وسيظل متغير حصانة الثقافة العامة من أبرز معوقات التطوير للتعليم في حاضره ومستقبله إذا لم تتغيير وتتطور لتستوعب التطوير المتحرر من القيود الثقافية والاجتماعية .

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كلمتي بمناسبة ذكرى اليوم الوطني الواحد والتسعين 1443-2021

الحمد لله الذي لا إله إلا هو المنعمِ المعطي الوهابِ ربِّ العالمين، ...