(7) مستقبل الصحف ووسائل الإعلام المقروءة
يرجع تأريخ الصحافة إلى عصور قديمة جدًا ولم تكن بالشكل المتعارف عليه حاليًا حيث ظهرت في أكثر من هيئة وشكل لكنها بالتأكيد كانت تؤدي غرضها بنشر المعلومات التي تهم الناس وتتصل بثقافاتهم واهتماماتهم حيث يرجع تاريخ الصحافة ونشر المعلومات إلى زمن البابليين الذين استخدموا كاتبا لتسجيل أهم الأحداث اليومية ، وكذلك استخدم الفراعنة النقوش والرسوم وأوراق البردي كأوعية للمعلومات والصحافة ، وكان للصينيين لمدة 1500 عام جريدة رسمية عرفت باسم إمبراطورية الشمس ، أما في روما فقد كانت القوانين وقرارات مجلس الشيوخ والعقود والأحكام القضائية والأحداث ذات الأهمية التي تحدث فوق أراضي الإمبراطورية تصل إلى الشعب مكتوبة ومنشورة لكنها ما لبثت أن توقفت بعد سقوط روما.
وفي أوائل القرن السادس عشر الميلادي وبعد اختراع الطباعة من قبل جوتنبيرغ في مدينة ما ينز بألمانيا ولدت صناعة الأخبار والتي كانت تضم معلومات عما يدور في الأوساط الرسمية, وفي عام 1465م بدأ توزيع أولى الصحف المطبوعة في أوربا ، وفي القرنين السابع عشر و الثامن عشر الميلاديين أخذت الصحافة الدورية بالانتشار في أوربا وأمريكا وأصبح هناك من يمتهن الصحافة ويعمل في مجالها, وقد كانت الثورة الفرنسية الحافز المؤثر لظهور الصحافة الحديثة, وفي عام 1702م ظهرت في لندن صحيفة الديلي كورانت (Daily Courant) أولى الصحف اليومية في العالم, أما صحيفة التايمز ( Times) فقد أسست في عام 1788م, وفي عام 1805م ظهرت صحيفة كوراير (Courier) وفي عام 1814م استخدمت آلات الطباعة البخارية لطباعة صحيفة التايمز اللندنية ، وقد بدأت الصحافة العربية مع حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798م حيث أصدرت في القاهرة صحيفتين باللغة الفرنسية ، و في عام 1828 م أصدر محمد علي باشا صحيفة رسمية باسم جريدة الوقائع المصرية, وفي عام 1885م أصدر رزق الله حسون في استانبول جريدة عربية أهلية باسم مرآة الأحوال العربية ، وتطورت بعد ذلك الصحافة العربية وتأسست مجموعة من الدور الصحافية في العديد من الدول أنتجت مجموعة من المطبوعات الثقافية في هيئة صحف ومجلات وكتب ونحوها .
وتعد جريدة القبلة أول جريدة رسمية صدرت في الحجاز في العهد الهاشمي ثم استبدل اسمها إلى جريدة أم القرى في عام 1924م ، وقد صدر العدد الأول من صحيفة صوت الحجاز (صحيفة البلاد حالياً) عام 1350 الموافق 4 إبريل عام 1932م وهي بديل وامتداداً لجريدة بريد الحجاز التي أصدرها الشيخ محمد صالح نصيف عام 1343هـ خلال العهد الهاشمي وقد انتقل معظمكتاب صحيفة بريد الحجاز إلى صوت الحجاز ، وقد تطورت الصحافة في العهد السعودي بتطور التعليم وانتشاره ونما الوعي الصحفي والأدبي بين أفراد المجتمع بنمو الثقافة وانتشار التعليم وتأسست المطابع في المدن الكبرى، وتنافس المثقفون في إصدار الصحف والمجلات المتنوعة كما تنافست المؤسسات في ذلك، وقد مرت الصحافة السعودية بثلاث مراحل أساسية كان لكل مرحلة منها شأن في تقدم الصحافة وتطورها وازدهارها ، وهي مرحلة صحافة الأفراد، ومرحلة إدماج الصحف، ومرحلة المؤسسات الصحافية، وتتصدر المشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية اليوم مجموعة من المؤسسات الصحافة في الكثير من المدن ويمتلك البعض منها صحفًا ومجلات تصدر من خارج الوطن في بريطانيا ولبنان وبعض دول الخليج ، وقد مرت الصحافة بفترة ازدهار قبل ظهور التقنيات الرقمية المعاصرة والتي بدأت تزاحم الصحافة التقليدية والورقية وتستقطب إليها المعلنين والقراء .
وقد أحدث التطور الهائل الذي لحِق بوسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات في الفترة الأخيرة تغييرًا جذريًا في خريطة المنافسة في عالم الصحافة حيث تحولت إلى المنافسة على التأثير بين الصحف الورقية والصحف الإلكترونية، وقد اكتسبت الصحافة الإليكترونية أهمية بالغة منذ ظهورها في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وتزايدت أهميتها مع تتتابع الأعوام وانتشار الإنترنت وتزايد أعداد مستخدميه بتطور الصناعات الرقمية والأجهزة الذكية فأصبحت غالبية المؤسسات الصحفية على الصعيدين العالمي والعربي تمتلك مواقع إلكترونية لمطبوعاتها الورقية، لكن الجديد هو ظهور الصحف الإلكترونية المستقلة غير المرتبطة بالصحافة الورقية ، والتي يقتصر إصدارها على النسخة الإلكترونية دون المطبوعة، ويعود صدور أول نسخة إلكترونية في العالم إلى عام 1993م حيث أطلقت صحيفة سان جوزيه ميركوري الأمريكية نسختها الإلكترونية، وتلاها تدشين صحيفتي “ديلي تليجراف والتايمز” البريطانيتين لنُسختهما الإلكترونية عام 1994م، وعربيًّا أصدرت صحيفة الشرق الأوسط الصادرة من لندن قبل ما يزيد عن خمسة عشر عامًا نسختها الإليكترونية الأولى وقد تزامن معها إصدار النسخة الإلكترونية لصحيفة النهار اللبنانية ، وتبعتهما بعد ذلك جميع الصحف العربية ، وظهرت في السنوات الأخيرة العديد من الصحف الإليكترونية التي ملأت فضاءات الإنترنت إلى درجة يصعب على المتابع تعدادها ، وقد أثرت بشكل مباشر في انخفاض مبيعات الصحف الورقية واستقطاب القراء والمعلنين ، وقد أدى الازدياد المطرد في الاعتماد على الصحافة الإلكترونية، واتساع قاعدتها الجماهيرية إلى تنوع أشكالها ووسائلها، وظهور الكثير من المؤشرات الدالة على تنامي قوتها وتأثيرها مستقبلاً.
ولعل الواقع المشاهد يدل على أن الصحافة الفردية ستحل محل صحافة المؤسسات تدريجيًا حيث يمكن لكل فرد أن يكون صحفيا أو كاتبًا وله مدونة أو موقع إليكتروني أو مشاركًا في الصحافة الإليكترونية وفي المنتديات التي أمتلأت بها نوافذ الأنترنت وقد أصبحت المواقع الإلكترونية متنفسًا للكثير من الصحافيين الهواة والكُتَّاب الذين لا يستطيعون الكتابة في الصحف الورقية لمعاييرها المرتفعة فضلا عن إمكانية التستر وراء أسماء مستعارة للانفلات من الرقابة والمحاسبية ، ويمثل انطلاق حرية التعبير عن الرأي في الوسائط المعلوماتية الجديدة حافزًا لجذب الهواة والراغبين في التحرر من الرقابة وهو ما كان ممعيرًا في الصحافة الورقية وفقًا للنظم السياسية والثقافية .
وقد حدد الكاتب محمد سيد في موقع الألوكة الثقافية مميزات الصحافة الأليكترونية في الآتي :
- قلة التكلفة المالية التي يتحملها الجمهور مقارنة بالصحافة التقليدية، فعن طريق الاشتراك في خدمة الإنترنت، تستطيع تصفح كافة الصحف والمجلات التي تمتلك مواقع إلكترونية، في حين أنه من الصعوبة بمكان أن تشترك في كافة هذه المطبوعات أو تقتنيها.
- سهولة تعديل المعلومات وتصحيحها وتحديثها بعد النشر، وسهولة نقل المعلومة وتداولها وحفظها، واسترجاعها وسرعة انتشارها في أسرع وقت ممكن.
- تمتع الصحافة الإلكترونية بهامش أكبر من الحرية بعيدًا عن الرقابة ومعايير النشر.
- إمكانية تضمين الخبر مقاطع صوتية أو لقطات مصورة بالفيديو، مما يجعل التغطية أكثر ثراءً وجذبًا للقارئ وتعايشًا مع الحدث.
- أنها صحافة تفاعلية حيث يمكن للقراء التعليق على الخبر فور قراءته، والتواصل مع جمهور القراء ومناقشة الآراء والأفكار، وإرسال مشاركاته من الأخبار والمقالات، ونشرها باسمه الصريح أو المستعار، أو عن طريق عمل مُعرِّف خاص به، يتمكن من خلاله من إضافة تعليقاته ومشاركاته.
- توفير أرشيف صحفي ضخم يُتيح الحصول على المعلومات بسهولة ويُسر، من خلال محركات البحث، وعدم حاجة المؤسسات الصحافية الإليكترونية إلى مقرات ثابته، فالعاملون يمكنهم العمل من أي مكان في أي زمان بواسطة التواصل الإلكتروني.
وقد أقيمت مجموعة من الفعاليات الثقافية والمؤتمرات العلمية لبحث مستقبل الإعلام العالمي والعربي بشكل عام والإعلام المقروء بشكل خاص وألفت في ذلك مجموعة من الكتب العلمية وربما اشتركت غالبيتها في الرؤية المتشائمة لمستقبل الإعلام بشكل عام والإعلام المقروء بشكل خاص حيث يتوقع سيطرة الأفراد على نوافذ الإعلام البديل في المستقبل من خلال وسائل المعلموماتية المتطورة إلى درجة يصعب معها المراقبة والمتابعة والتوجيه والسيطرة ، وانحسار القيمة الثقافية للمطابع ، ورواج الكتب والمطبوعات الإليكترونية حيث سيصبح كل مواطن صحافي يؤثر في غيره وفق تفكيره وتوجهاته وقيمه ، وسيؤثر ذلك حتمًا على جميع مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية .
ولعل المستقرئ للمستقبل انطلاقًا من التأريخ والواقع وفي ظل التطورات المذهلة في المجالات الرقمية وصناعة الهواتف والألواح الذكية وتحول أنشطة الجيل المعاصر القرائية يلمس التحول في ثقافة الأجيال في اتجاه الثقافة الإليكترونية واستخدام وسائط المعلوماتية الذكية وانحسار اقتناء المطبوعات الورقية بما فيها الثقافية والإعلامية وانخفاض نسب التوزيع والنشر والتداول لتلك المطبوعات ، وعليه تبرز لنا مجموعة من الاحتمالات والفرضيات والمشاهد والسيناريوهات لمستقبل وسائل الإعلام المقروءة لعل من أبرزها مايلي :
المشهد الأول : التحول التدريجي نحو الصحافة الإليكترونية وانحسار المطبوعات الورقية والتوسع في استخدام وسائل التواصل والإعلام الجديد ، وعليه سيصبح غالبية المجتمع ممن يمتلكون وسائل إعلام خاصة تتعدد غاياتها واهتماماتها وقنوات نشرها بتعدد قنوات وسائل التواصل الجماعية وإختلاف الرؤى والاتجاهات والميول بين الأفراد ، وستتحجم المؤسسات الإعلامية وتنكمش في الطريق إلى الزوال ويحل محلها الصحافة الشخصية والإعلام الفردي.
المشهد الثاني : سقوط عرش الكتاب والصحف المطبوعة وقيام تأثير التقنيات الإليكترونية ومنتجاتها المتنوعة الصحافية والثقافية والألعاب وتراجع القراءة لصالح المواد المرئية والمسموعة الأكثر جذبًا وعرضًا من أفلام وموسيقى وأخبار وقصص ومذكرات وصور شخصية وإشاعات خبرية ، وستشهد المكتبات عزوفًا شديدًا من قبل الناشئة وطلاب العلم لتوافر بدائل المكتبات في الأجهزة الذكية الحاسوبية المحمولة ، وإنحسار دور المؤسسات الإعلامية ونشاط النشر الفردي حيث يكون بإمكان كل فرد أن يتجسد دور الكاتب والناشر والمعد والمخرج ولا يحتاج الأمر للطباعة حيث ستنوب الكميرات ولوحات المفاتيح عن الطباعة .
المشهد الثالث : تزاوج أساليب الإعلام والصحافة والطباعة التقليدية مع وسائل الإعلام الجديد الحديثة والمستقبلة واستمرار أثرهما كل بقدر الميل إلى استخدام أدواتها من قبل الناشئة ، وقد يحتاج الأمر في ذلك مزيدًا من التوجيه والتوعية بأهمية كل منهما كمصدر من مصادر المعرفة للأجيال ، وفي هذا المشهد ستحافظ الثقافة على أوعيتها المتوافرة وسينشط كل وعاء بنشاط القائمين عليه تحديثًا وتطويرًا وتوعية وجذب ، وأعتقد أن جيل المستقبل سيتولى الحكم على مدى نجاح كل وعاء ثقافي من خلال التعامل معه ، وإن كانت المؤشرات تدل على نشاط الإعلام الجديد في كل الفرضيات .
ولعلي أميل إلى أن المستقبل لوسائل الإعلام المقروءة سيواجه بتهديدات التقنيات الرقمية المتطورة والتي ستفتح الأبواب مشرعة للمعلومات المضطربة والتي ينتجها الأفراد خارج معايير العلمية وستؤثر حتمًا في الثقافة العامة وفي الاتجاهات والقيم مما سيشكل عبئًا على المجتمعات المستقبلة لمواجهة المؤثرات التقنية على السلوك الفردي والاجتماعي وعلى الدول والمؤسسات التربوية والمجتمعات التوعية بترشيد استخدام التقنيات الرقمية والمعلوماتية بما يحافظ على المطبوعات الثقافية والإعلامية ، وعلينا التحسب لكل الاحتمالات وتطوير أساليبنا التربوية على مستوى الأسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمع لمواجهة سيل التأثيرات السلبية للتقنيات الرقمية الواقعية والمحتملة ، والله الموفق والمستعان .
كاتبنا الجليل ودكتورنا الفاضل د. سعود
اتفق معك في أنه سيأتي اليوم الذي تنحسر فيه الصحافة الورقية ويزهد الناس فيها وفي اقتناء الكتاب
العصر يتجه للالكترون وبات الشباب يحملون الصحف جميعها على مستوى العالم في أجهزتهم
وكذلك الحال بالنسبة للكتب فهم يحملون العديد من المكتبات في أجهزتهم
ولكن ذلك في تصوري سيأخذ وقتا ليس بالقصير
فالمجتمع العربي ليس لديه ثقة في الأجهزة الالكترونية ولا يملك الاحترافية اللازمة
دمت ودام قلمك سيالا