الرئيسية / مقالات / سلسلة خميسيات حالمة (10)الإقصاء والمناهضة لاختلاف الرأي والمعارضة

سلسلة خميسيات حالمة (10)الإقصاء والمناهضة لاختلاف الرأي والمعارضة

الإقصاء والمناهضة لاختلاف الرأي والمعارضة !!

يشتكي البعض سلوك رؤسائهم إذا ما أبدوا لهم ما يخالف أو يقوض منهجهم أو سياستهم أو أسلوبهم في القيادة أو الرئاسة أو التفكير أو العمل ويعتقدون أن الأسباب التي تدفع بالقياديين إلى عزل بعض مرؤوسيهم عن التفاعل مع القضايا موضوع الاختلاف يحدث في الغالب من أجل عزل جميع المؤثرات التي قد تغير النهج أو السياسة المرغوبة لدى الرؤساء إما لقناعة بصلاحيتها وحدها دون سواها وإما للخوف من الرأي الآخر وما يحدثه من تغييرات تتطلب التغيير والتطوير في الكفايات والتجهيزات والمقومات المختلفة وهو ما سيكشف بعض جوانب العجز والقصور المخفية عن الآخرين في كفايات الرؤساء وفي مقومات العمل . والمختلفون في الرأي المقصون في العادة يشيرون إلى جوانب الخلل والتقصير أكثر من إشارتهم إلى ما عداها كردة فعل للإقصاء أو لمآرب أخرى يستهدفون بها كشف عورات النظام والقائمين عليه استعداء  ورفضًا للمنهج أو الأسلوب أو كردة فعل للإقصاء بالفعل نفسه .

ويتم تبادل الإقصاء المتواتر والمناهضة للآخر إنطلاقًا من معايير تحقيق المصالح الفردية القائمة على الرؤى الضيقة وقصر أفق التفكير والخوف من المترتبات على فتح مجالات وآفاق التعددية . وهذا الأمر الذي يقف في العادة كسبب رئيس خلف تخلف الثقافات والسياسات والأنظمة قد فطنت له بعض المجتمعات كمعوق حضاري وقيد اجتماعي فتحررت منه باتاحتها الفرصة للتعددية الفكرية والسياسية والعقدية ، لتفتح المجال أمام الإبداعات والتقويم العلمي ، وتجعل الفصل في ذلك لقرارات الغالبية في المجتمع ، واحترمت بهذا المنهج آراء الأقليات وتوجهاتهم وأفكارهم وعقائدهم وبدلا عن الإقصاء والمناهضة لفكرهم وتوجههم أدمجوا في الحراك والفعل الاجتماعي والسياسي تحت مظلة المعارضة لإحداث فعل التوازنات للنظام وللأفكار والسياسات المتبعة ، وتكفلت أصوات المجتمع بترجيح الحكومات وإظهار المعارضة من خلال صناديق الاقتراع العامة مع التأكيد في المجتمعات الخبيرة بالتعددية على احترام المعارضة واعتبارها جزءا لا يتجزأ من التشكيل السياسي والاجتماعي والفكر المتعدد .

وأعتقد أننا في بعض المجتمعات التي تعاني من التخلف في بعض المجالات سنكتشف يوما ما أن من أسباب ما نعانيه هو إقصاء الآخر وعدم احترام المختلف رأيا وعقيدة ومنهج ، وأن ما نمارسه من إقصاء ومناهضة إنما هو نتاج قصور فكري في فهم معنى التعددية ، والدور الفاعل لقبول المعارضة ضمن النسق والتشكيل الاجتماعي المتنوع كما خلقه الله .

فالاختلاف سنة من سنن الله في الحياة، وسر من أسرار الوجود العظمى. وهو بجميع درجاته، بدءاً من التناقض والتضاد إلى التشابه والتماثل، ضرورة حياتية لا يمكن أن يتصور وجود بدونها. ولئن كان جزءًا غير يسير من النصوص وجزءًا آخر من مأثورات الأئمة على امتداد التاريخ الإسلامي قد أفاض في ذم الاختلاف فإن ذلك محمول على الاختلاف المؤدى إلى الفرقة والتناحر والذي لم يبن على علم واجتهاد.. فقد جاءت نصوص ومأثورات أخرى تضع مبادئ وأصولا للاختلاف المحمود ترتقي به في كثير من الأحيان إلى درجة الوجوب العملي، والتجربة الإسلامية على المستويين المعرفي والواقعي تؤكد أن الاختلاف كان دعامة من دعائم الوجود الإسلامي على مر العصور. فقد تعددت المدارس الإسلامية في كل ضرب من ضروب الحياة وفي كل فرع من فروع المعرفة. وكان نتيجة ذلك كله الرصيد المشرق للحضارة الإسلامية الذي لم تعرف البشرية له مثلاً على الإطلاق. ومن المثير للعجب أن توجد في أوساط المسلمين بين الحين والآخر تيارات تنفر من الاختلاف وتضيق به وتعده بكل صوره رجزاً من عمل الشيطان، بل تتعدى ذلك فتسعى جاهدة للقضاء عليه وإزالته من الوجود، متأثرة بأمور كثيرة من أهمها قلة فهم النصوص المحذرة من الاختلاف، أو وضعها في غير مواضعها، أو الخلط بين ما هو مطلق وما هو نسبي من الحقيقة ، والمتأمل في حال هذه الفئات يجد أن تأثرها (وهو تأثر غير شعوري) بالعرف والتقاليد أكثر من تأثرها بالأحكام الشرعية. وقلة الفقه بما يمكن أن يطلق عليه “فقه الاختلاف” ،فالمتأمل في النصوص القرآنية يدرك أن الاختلاف سنة من سنن الوجود، وسر من أسرار الحياة. وهو النتيجة الطبيعية لحرية الاختيار التي منحها الله عز وجل لكل إنسان وجعلها مرتكزاً للابتلاء في الحياة الدنيا. وقد عد الله عز وجل الاختلاف آية من آياته التي يُهتدى بها إليه فقال: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين)(سورة الروم آية 22) وجعله في آية أخرى غاية من غايات الخلق: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم)(سورة هود الآيتان 18،19).

بعد هذا التبيان أليس من الجدير بنا نحن المسلمين أن نحترم التعددية كما كان أسلافنا يحترمونها عندما سادوا الدنيا وحكموا الجزء الأكبر من العالم بخلقهم العظيم وسياستهم المرنة واحترامهم للآخر ، وننتهي عن نهج الإقصاء والمناهضة لمجرد اختلاف الرأي والمعارضة ، وأن نحترم إرادة الخالق سبحانه وحكمته في الخلق ، ونعترف أن الناس مختلفون وأن التخلف الذي نشتكي منه في بعض المجالات والجوانب إنما سببه في عدم فهمنا لطبيعة الخلق الذي أوجده الله مختلفًا ، وأن مفتاح تقدمنا هو احترامنا للتعددية وفهمنا الصحيح لفقه الاختلاف . والله الموفق

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كلمتي بمناسبة ذكرى اليوم الوطني الواحد والتسعين 1443-2021

الحمد لله الذي لا إله إلا هو المنعمِ المعطي الوهابِ ربِّ العالمين، ...