الرئيسية / مقالات / سلسلة خميسيات حالمة (11)الصراع الفكري المعاصر امتداد لحروب العقل البشري منذ النشأة

سلسلة خميسيات حالمة (11)الصراع الفكري المعاصر امتداد لحروب العقل البشري منذ النشأة

الصراع الفكري المعاصر امتداد لحروب العقل البشري منذ النشأة !!

أردت أن يكون موضوع مقالتي هذه حول تطور الفكر الإنساني المعاصر ودوره في تطوير النظرية التربوية ، لكنني مع إبحاري في محيط المصطلحات الفكرية المعاصرة وجدتني بين كم كبير من المصطلحات المتضادة ، والتي برزت كنتاج طبيعي لتنوع مشارب التفكير البشري ومصباته ، ووجدتني عند مقارنة فكر إنساني معاصر بفكر آخر  أفضي إلى نتيجة تؤكد أن البشر إنما خلقهم الله ليكونوا على هذا النهج لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى وسيفصل بيننا فيها يوم القيامة ، وإلى أن يتم الفصل بين المختلفين تبقى ساحة الفكر ساحة صراع وميدان حرب ضروس بين العقول البشرية مع اختلاف بناءاتها وتوجهاتها وأهدافها ، لكنني أستنكر إطلاق الصواب كله على منهج دون آخر دون حكم شرعي يقوم على نصوص قطعية الدلالة ، وأستهجن المعاداة للفكر المختلف دون أن يكون لذلك مبرر شرعي يقوم على الحجة والبرهان ..

إن الفكر الإنساني المعاصر في عالمنا الإسلامي يتوزع اليوم بين مجموعة فئات منها ما اهتم بالأصالة والتراث ونصوص العقائد وبنى صروح الفكر على لبناتها وقد وسموهم المنافسون لهم أو وسموا أنفسهم بمجموعة من التسميات من بينها : الأصوليون ، التراثيون ، الماضويون ، السلفيون ، التقليديون ، المنغلقون ، المتعصبون ، الجهاديون ، المتشددون ، التكفيريون ، المغالون ، الوهابيون ، الأخوانيون ، المطاوعة ، وغيرها …. ويلاحظ  من هذه الأوسام مدى ارتباط الفكر لدى هذه الفئة بالعقيدة ونصوصها ، والرغبة الملحة في التمسك بالموروثات وإعمالها كأساس فكري قابل للتجديد في حدود معايير النصوص والحفاظ على الأصالة والتراث. بينما تجيء الفئة الأخرى بفكر ينادي بالتحرر من كل ما هو تراث وتطلب التجديد والتطوير في الفكر دون معايير محددة لطبيعة الإنطلاق والتوليد الفكري ، وهم من وسمهم المنافسون لهم أو وسموا أنفسهم بمجموعة من التسميات من بينها : التنويريون ، الحداثيون ، الليبراليون ، العلمانيون ، المنفتحون ، المتحررون ، الإباحيون ، التقدميون ، المستشرفون، الديمواقراطيون ، الشيوعيون ، الجمهوريون ، البعثيون ، القوميون ، وغيرها ……  ويلاحظ من هذه الأوسام مدى إنفلاتها عن الماضي وتمسكها بالتحرر لبناء فكر حر ومنطلق غير مقيد بنصوص شرعية أو عادات وتراث بعينه ، ولاشتداد الحرب بين هذه الفئات المتضادة نشأة فئة تحمل فكرًا متوسطًا ينزع إلى الأصالة والتراث حينا وإلى التحرر حينا آخر ، ويؤيد الفكر المتوازن لما يفضي إلى السلام والمسالمة ، وهذه الفئة لم تصبح مسالمة كما يتوقع من منهجية التفكير عندها فقد استعدت الآخرين  واستعداها المنافسون أيضًا ، وهم من وسموهم المنافسون لهم ووسموا أنفسهم بمجموعة من التسميات من بينها : الوسطيون ، المتسامحون ، العقلانيون ، المحايدون ، الموازنون ، التوفيقيون ، وغيرها من التسميات التي تؤكد رغبة هذه الفئة لتطوير الفكر في اتجاه التوفيق بين الأفكار المتصارعة ، ولأنها تعتبر الأفكار المتوافقة بين الأضداد أساس فكري يمكن أن تتولد منه الأفكار ذات القابلية لدى الكل فقد أغرقت في وضع المعايير المحددة للفكر حتى بدا الفكر في ثقافتها في أعين المنافسين لها هشًا ضعيفًا لا يقوم على أصل ولا ينطلق إلى فضاء رحب ، فدخلت ساحة الحرب طوعًا أو كرهًا تدافع عن المنهجية والاتجاه والأهداف ولم تسلم من توجيه السهام إلى الفئات الأخرى على اعتبار أنها قوى فكرية تهدم السلام المستهدف عند أصحابها .

وفي خضم هذه الفرق المتحاربة فكريًا كيف يمكن للفكر التربوي أن يصبح فكرًا مقبولا عند إحدى هذه الفئات إذا ما تفتق عن فكر ينتمي إلى فئة منافسة ، ونتق من فلسفة منقودة ؟ لقد لحق الفكر التربوي بالآداب والثقافة من حيث القبول والرفض ، ففكر ليس مؤصلا على سبيل المثال لا يقبله الأصوليون ، وفكر يعتمد على النصوص فكرًأ في نظر الليبراليون على سبيل المثال مقيدا لا ينطلق إلى فضاءات الحرية ، وفكر يوازن بين النصوص والإبداعات خارج النص فكرًا في نظر البعض منحرفًا أو متزلفًا .. ونحوه ، وبين هذا وذاك يظل الفكر البشري متصارع إلى الحدود التي أذن بها المولى تبارك وتعالى للعقول البشرية عندما خلقها على هذا النحو ، وهنا أقول ليس من باب ابتداع فكر جديد وإنما لتأكيد حقيقة خلقية ، كل فكر تفتق عنه عقل بشري يظل فكرًا قابلا للأخذ أو الرد  للقبول أو الرفض ، وما يقدس عن النقد أو التأويل إلا النصوص الشرعية قطعية الدلالة التي لا يعلم تأويلها إلا الله . وتظل الأفكار كل الأفكار بما فيها الفكر التربوي اجتهادات فكرية تستهدف إحداث نقلة في تبعات الفكر تحقق أساس النهج والفلسفة المتبعة لتوليد الفكر وإعماله في الحياة .. ونحن لنا أن نقبل ما نرى أن فيه المصلحة للعباد والبلاد والأمة ، ولكل أمة الحق في اختيار ما ترى فيه نجاتها إما في الدنيا أو الآخرة أو فيهما معًا .

ودعوتي في هذا المقال لكل محب لتقييم فكره وتصنيفه بين الأفكار المتنوعة أن يطرح على نفسه أولا الأسئلة التالية :

إلى أي فئة انتماءاتي ؟ وأي فكر أكثر قبولا لعقلي ؟ وهل يمكنني إعمال عقلي في الأفكار الأخرى حتى إذا ما تعارضت مع منهجي وتفكيري ومعتقداتي ؟ وهل لي موقف عدائي من أصحاب فكر آخر؟ أو ثقافة أخرى ؟

إنك إن حددت إجاباتك عن هذه الأسئلة وإن لم تحددها فأنت في حاجة ماسة إلى تأهيل فكرك ، وأنصحك و القارئ العزيز في كل الحالات بإعمال فكرك فيما تقرأه، فالعقل غذاؤه التفكر والتدبر والتبصر ، والله قد استأمننا على عقولنا وحملنا الأمانة العظيمة التي عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال لنحملها نحن لظلمنا وجهلنا ولما أودعه الله تبارك وتعالى فينا من خلق كأداة تؤهلنا لتجاوز هذا الابتلاء ، وهو العقل وسيلة العلم والتفكير والحياة ، فلنعمله لابتغاء مرضاة الله جل وعلا ثم لخيرنا في الدارين ،،،، والله الموفق ….

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كلمتي بمناسبة ذكرى اليوم الوطني الواحد والتسعين 1443-2021

الحمد لله الذي لا إله إلا هو المنعمِ المعطي الوهابِ ربِّ العالمين، ...