شفافية الطرح بين القبول والرفض !!
يقصد بالأشياء الشفافة ما يرى ما فيها أو ما خلفها ، ويقال كأس شفاف ، وورق شفاف ، وقد يطلق التعبير مجازًا ليعطي نفس المعنى كأن يقال قلب شفاف أي مكشوف مكنونه لصدقه ومصداقيته ، وهذا المصطلح استخدم في التعبير عن صدق المحتوى في المقال فقيل حوار ونقاش بشفافية ، ولعل المقصود في ذلك كله الصدق وعدم المواربة في المكنونات والمقصودات وما وراء القصد ،
وقد بحثت عن مفردات شفاف وشفافية في القرآن الكريم فلم أعثر على شيء منها ، أما ما يقابلها في المعنى فقد وردت آيات كثيرة حول مصطلح الصدق ، والصادقين ، والصديقين ، وهي تفيد عن مطابقة السلوك المعلن مع المكنون المضمر له ، وهذا في ظني ما يعني الشفافية في التعبير الذي تدل عليه ، فيمكننا القول بأن الحديث الشفاف هو الحديث الصادق ، وأن الحوار الشفاف هو الحوار الصادق ، فلا يقوم به ولا يزاوله إلا من اتصف بالصدق حقًا ، وضده الكذب والنفاق ، والمراوغة والتضليل والخداع وجميعها صفات ممقوتة عند الإنسانية المعتدلة جمعاء ، وخاصة في الأديان التي قامت على الصدق والعدل والسلام .
يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب ( لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً (8) وقال أيضًا في نفس السورة (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (24).
وسلوك الصدق في الحديث مطلب للإيمان ومطلب للتعامل مع الخلائق في الدنيا ومطلب في الحديث وفي المناقشة والحوار وفي إبلاغ الأخبار ، وهو الشفافية التي نعتقد أنها ترادفه في المعنى والمقصود . وهنا أسأل عن مبدأ الشفافية في التعامل والتخاطب والحوار ، هل هو مبدأ الاتصال اللفظي المطلوب لتحقيق غايات التعامل الصادق ؟ والتخلص من الخداع ؟ إذا كان الأمر كذلك فذلك مبدأ الصديقين والصادقين الذين وعدهم الله بالجزاء الحسن في محكم آيات كتابه الكريم ، وهو ما تنادي به العقول السوية لتستقيم التعاملات وتتزن الرؤى بعيدًا عن التظليل والخداع المزعزع للعلاقات الإنسانية .
لقد أثر على استخدام مبدأ الصدق في التعامل ما نزغ به الشيطان في عقول وقلوب الضعفاء ، وما تبنته بعض مبادئ الحوار السياسي لتحقيق غايات دنيوية صرفه ، وما زينه المنحرفون للمنافقين لفعل الكذب تقية لردود الأفعال بتشويه الواقع وإظهار ماعدا المخفيات ، وكل ذلك يدفع بالكاذبين إلى التمادي في كذبهم لتحقيق مآربهم خداعًا وتضليلا ، ويقيد ذلك ويزيده المعرفة اليقينية بأن الشفافية تفضح المكنون ، فإذا كان المكنون ضد تحقيق المصلحة لجأ الكاذبون والمنافقون إلى ضدها لمدارات مكنوناتهم .
أما الصادقون الذين لا يخشون إلا الله تبارك وتعالى فهم الشفافون الذين يقولون الصدق ويفعلونه ، وفيهم تجلت الشفافية الحقة ، وقد تظهر الشفافية لدى غيرهم إلا أنها وقتية في بعض الأقوال والأعمال أو جزئية . والشفافية في التعاملات الإنسانية لدى كثير من الثقافات سلوك محمود ، وإذا ما تيقن الناس بأن من يتعاملون معه متصفًا بالشفافية وثقوا به وصدقوه واتبعوا إرشاداته . ولا يرفضه منهم إلا منافق مخادع مسرف كذاب تتصادم مصالحه مع مبدأ الشفافية . وقد كان من صفات الأنبياء الصدق ليطاعوا بإذن الله الذي وعد الصادقين حسن مآب ، قال تعالى في سورة المائدة (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)
وعلى ذلك فلا بد لنا أن نمارس الشفافية صدقًا في القول والعمل للصدق الذي نؤمن به مبدأ من مباديء ديننا الإسلامي الحنيف ، ورغبة في رفع كفاءة الاتصال اللفظي والمعاملات الدنيوية إلى المستوى الذي يوصلنا إلى العاقبة الحسنى عند مليك مقتدر ، وفي المقابل علينا فضح الكذابين والدجالين والمنافقين والفساق الذين لا يتعاملون بالشفافية والصدق لتستقيم أمورنا في الدنيا والآخرة . والله الموفق ،،،،