الهمسة الثانية
الصور الذهنية وأثرها في التربية
يعتمد المربون في تربيتهم للغير على مخزونهم من الصور الذهنية التي تكونت لديهم بفعل تربيتهم من الغير والتعلم والمنقولات والخبرات المتراكمة وقد تكون بعض هذه الصور الذهنية خاطئة ومشوهة لبعض المواقف والأحداث مما يربك عمليات التربية الفاعلة حيث تضطرب معايير الحكم على المواقف والأشياء والسلوكات لدى المربين فتنتقل آثارها السلبية على المستهدفين بالتربية .
وبما أن البعض من المربين يتمسك بالصور الذهنية ويسلم بها ويعتمد عليها في أساليب تربيته لغيره وقد تكون في معيار العقلاء خاطئة فينتج عن ذلك غالبًا الاضطرابات السلوكية لدى المستهدفين بالتربية حيث يلاحظ التناقض بين مجموعة أساليب التربية المتلقاة من أكثر من مصدر يعتمد كل منها على صور ذهنية متناقضة . ” فأبواه ينصرانه أو يمجسانه ” .
وتتكون الصور الذهنية لدى الأفراد في الغالب نتيجة التربية الأولى في منازلهم ثم يضاف عليها ما يتم تلقيه من خبرات من مصادر أخرى بعد ذلك وتترسخ في العقل والقلب متى توافقت تلك الخبرات المكتسبة لتصبح عقيدة وقناعة راسخة مؤثرة على تبني المعايير والأحكام إذا لم يتم تعديلها وتصويبها من خبرات أكثر إقناعًا للفرد مما اختزنته صورته الذهنية ، فإذا كبر اتخذها قانونًا ومرتكزًا لتأثيره في غيره مربيًا أو معلماً .
ولهذا تجد الانقياد من بعض الناشئة لبعض الأفكار والمعتقدات سريعًا لتوافقها مع الصورة الذهنية لديهم أو لسطوة الأفكار الجديدة على الصورة الذهنية السابقة لاعتمادها على حجج أكثر إقناعًا.
ومن الأمثلة من ذاكرتي التربوية المتواضعة لتناقض الصور الذهنية لدى المربين المؤثرة في المستهدفين بالتربية ، معلمان أختلفا حول استخدام أحدهما لاسلوب العقاب البدني مع الطلاب فهو يرى أهمية ذلك وأنه الأسلوب الأكثر نفعًا بينما يرى الآخر بأن حجب الثواب يكفي عقابًا للطلاب غير المنضبطين ، ولتعديل الصورة الذهنية لدى الأول قمت معهم باستطلاع رأي الطلاب المتأثرين بالأسلوبين من المعلمين نفسيهما فكان رأيهم جميعًا لصالح المعلم الذي يستخدم أسلوب حجب الثواب عقابًا ويرون بأنه الأوقع أثرًا والأفضل خلقًا ومنهجًا وقد أيدهم في ذلك البعض من المعلمين إلا أن حجتي وأسلوبي لم تقنعان المعلم الأول ولم يعدل صورته الذهنية وفقًا لهما مما دعاني إلى عقد دورة للمعلمين تستهدف تعديل الصورة الذهنية لديهم عن الثواب والعقاب ، وأرى أن الكثيرين من المربين والمعلمين اليوم يحتاجون إلى تغيير بعض الصور الذهنية لديهم المؤثرة على أساليب تربيتهم للناشئة ، والله الموفق والمستعان . وإلى لقاء آخر في همسة أخرى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .