22) مستقبل الأنشطة المدرسية في مدارس التعليم العام
تعرّف دائرة المعارف الأمريكية النشاط المدرسي بأنه ” تلك البرامج التي تنفذ بإشراف المدرسة وتوجيهها، والتي تتناول كل ما يتصل بالحياة المدرسية وأنشطتها المختلفة ذات الإرتباط بالمواد الدراسية أو الجوانب الاجتماعية والبيئية أو الأندية ذات الاهتمامات الخاصة بالنواحي العملية أو العلمية أو الرياضية أو الموسيقية أو المسرحية أو المطبوعات المدرسية” ويعتبر النشاط المدرسي الصفي وغير الصفي من البرامج التعليمية والتربوية التي نشأت مبكرًا مع نشأة المدارس المنظمة ،
ولعل الظهور الأبرز والموثق تاريخيًا لاستخدام الأنشطة المدرسية في المدارس كان في عام 1774م حيث أسس جان بيسداو مدرسة حب الإنسانية في المانيا وخصص ثلاث ساعات يومياً للأنشطة التعليمية والترويحية والبدنية، وساعتان للأعمال اليدوية، وفي عام 1869م تم إنشاء أول مدرسة تجريبية في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي أسسها المفكر التربوي جون ديوي على أساس التعليم بالأداء من خلال النشاط والفاعلية، وذلك بغرض إزالة الملل الذي يصيب التلاميذ والناجم عن التركيز على الدراسة النظرية الجافة، بالإضافة إلى أهمية النشاط البدني، وقد كان يطلق عليه النشاط غير المنهجي ، ولكنه وفي فترة وجيزة إتسعت مجالاته ليضم العديد من الأنشطة المختلفة وأصبحت له العديد من الأهداف الثقافية والاجتماعية والنفسية والروحية والبدنية وأعيد تعريفه بالنشاط المنهجي المخطط والمنظم بهدف التعليم والتعلم وهو النشاط الذي يمكن للطلاب ممارسته داخل الصف أو خارجه بإشراف تربوي متخصص ، وعلى ذلك اعتبر النشاط عنصرًا من عناصر المنهج وعنيت النظريات التربوية بتحديد مفاهيمه وأساليبه حتى استقر على الصورة التي هو عليها اليوم في الكثير من الأنظمة التربوية والتعليمية في جميع دول العالم .
لقد عرفت مدارس التعليم العام الأنشطة المدرسية التربوية والتعليمية المتنوعة الرياضية والفنية والثفافية والاجتماعية منذ تأسيس أولى المدارس في الوطن العزيز حتى في تلك المدارس التي كانت تشغل مباني من الطين والحجارة والعشش وكانت تتفاوت العناية والاهتمام بتطبيقاتها التربوية والتعليمية بتفاوت القائمين عليها من المعلمين والقيادات المدرسية عبر تأريخ التعليم في وطني ، وقد تعايشت وجيلي في الثمانينات الهجرية من القرن المنصرم مع أنواع من النشاطات التربوية التعليمية في المدارس على الرغم من ضعف الإمكانات اللازمة لممارستها وقد مارسها الجيل الذي سبقنا كما مارستها الأجيال اللاحقة ، ولا شك أن الأنشطة المدرسية تحقق أهدافاً تربويةً وتعليمية في غاية الأهمية، منها ما يرتبط بتعليم المواد الدراسية، ومنها ما يكسب الطلاب خبرات ومهارات مستهدفة، كما أنّها تسهم في جعل البيئة المدرسية أكثر جاذبية للطلاب، وتزيد من متعة التعلم وتعزيزه لديهم وتساعدهم على توسيع آفاقهم الفكرية، والعلمية، وتنمية مواهبهم وهواياتهم وإكسابهم القيم والعادات والاتجاهات الإيجابية وتنميتها، وقد أسهمت الأنشطة المدرسية بدون شك في كشف كثير من مواهب الطلاب ، وقد تضمنت سياسة التعليم في الباب الثاني مجموعة من أهداف التعليم وغاياته المتصلة بالأنشطة المدرسية ورعاية الموهوبين وإكساب الطلاب القيم والاتجاهات الإيجابية ، ودعت في الفصل الثاني من الباب السادس إلى تضمين المناهج الأنشطة المدرسية المرافقة للدروس والمحققة لأهداف المنهج ، وشجعت على الاهتمام بالأنشطة الثقافية والرياضية والفنية ودعم التعليم بالتعلم ، ومن المفارقات التي قد يعجب لها المتابع اليوم لوضع الأنشطة المدرسية ذلك الانفتاح الكبير في الأنشطة المدرسية خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الهجري المنصرم والعقد الأول من القرن الهجري القائم حيث كانت تمارس في مدارس التعليم العام مجموعة من الأنشطة المسرحية والفنية والموسيقية وتقام المسابقات والمهرجانات الرياضية والثقافية والفنية بكثافة عالية على مستوى المناطق التعليمية وعلى مستوى الوطن وقد أشرت إلى بعض من تلك الأنشطة المدرسية التي مررت بها خلال سنوات الدراسة الأولى في كتابي ” وقفات من حياتي ” ، وتطورت الأنشطة المدرسية وتغيرت الاهتمامات بأنواعها بتغير قيادات الدولة وقيادات الجهات المشرفة على التعليم ، وتأثرت كثيرًا بفترة ما أطلق عليها الصحوة بداية القرن الهجري الحالي حيث وظفت المناهج الخفية فيها لتحقيق غايات موجهة نحو فكر محدد وانتقدت بعض الأنشطة الفنية وتقلص الاهتمام بالأنشطة المسرحية مقابل تنشيط الاهتمام بالمخيمات والمعسكرات الطلابية الدعوية والمراكز الصيفية التي وجهت الكثير من برامجها في اتجاهات التوعية الدعوية، وظل النشاط الكشفي من أميز برامج الأنشطة التربوية الممارس بخطط مدروسه عبر تاريخه المشرف وإن لم يسلم من تأثيرات الصحوة .
وقد اهتمت الدولة بإنشاء إدارات تعنى بالتخطيط للأنشطة المدرسية والإشراف عليها من وقت مبكر وقد مرت بمراحل تطور عبر تأريخ التعليم بدأت بإنشاء إدارة التربية والنشاط الاجتماعي في عام 1374 – 1380 هـ ثم تبعها إنشاء إدارة التربية الاجتماعية بالإدارة العامة لرعاية الشباب في عام 1381 – 1400هـ ، ثم إنشاء الإدارة العامة للنشاط المدرسي في عام 1401 هـ – 1419 هـ ، وأخيرًا استقر الهيكل التنظيمي لوزارة المعارف على إحداث الإدارة العامة للنشاط الطلابي في عام 1419 هـ ولا تزال مستمرة في هيكل وزارة التعليم المعاصرة ، وقد شجعت هذه الإدارات إدارات التعليم ومدارس البنين على تنفيذ المسابقات والمنافسات الرياضية والثقافية بين المدارس والإدارات التعليمية وأشرفت على المشاركات الدولية بينما اقتصرت الأنشطة المدرسية في تعليم البنات على ممارسة الأنشطة النسوية والفنون التشكيلية وأنشطة التدبير المنزلي داخل المدارس وحرمت الفتاة في وطني من ممارسة الأنشطة الرياضية ولم تزود مباني مدارس البنات بالملاعب والصالات الرياضية لعدم قناعة القائمين على التعليم بأهميتها لهن، واستمر الاهتمام بالأنشطة المدرسية في نمو أحيانًا وتراجع أحيانًا طيلة تأريخ التعليم في الوطن العزيز لأسباب تعود إلى نوعية السياسة التعليمية المتبعة، لكنه اليوم يعد من ضمن الاهتمامات الرئيسة لوزارة التعليم حيث تضمنت توجهاتها المستقبلة والخطة الإستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم 1444 أهدافاً استراتيجية تتعلق بتطوير الأنشطة المدرسية وقد أسند إلى شركة تطوير للخدمات التعليمية هذه المهمة بالتعاون مع إدارات النشاط للطلاب وللطالبات ، كما أن النظريات التربوية الحديثة التي بنيت عليها المناهج التعليمية في المشروع الشامل لتطوير المناهج التعليمية ومنها النظرية البنائية زودت المناهج الدراسية بسلسلة من النشاطات المنهجية المتنوعة والتي شجعت على ممارسة الأنشطة المنهجية الصفية وغير الصفية للتعلم ، ودفعت إلى تصميم مزيد من برامج ومشروعات الأنشطة المنهجية ، ولعل المتابعين لحركة النشاط الطلابي في مدارس التعليم العام قد لمسوا ويلمسون مدى الأثر الإيجابي الذي أحدثته وتحدثه ممارسة الأنشطة التربوية المدرسية في رفع معدلات التحصيل الدراسي لدى الطلاب، إلا أن النقد الذي وجه للمنهج الخفي الذي طغى على الكثير من الأنشطة المدرسية في التسعينات وخلال العقدين الأول والثاني من القرن الهجري الحالي لا يزال يوجه إلى الكثير من الأنشطة المنفذة في مدارس التعليم العام اليوم ، كما أن النقد االذي تزعمته فئة من المجتمع الممانع لتطوير أنشطة الطالبات بما يتيح لهن ممارسة الأنشطة الرياضية لا يزال على أشده وما حملة النقد الواسعة التي طالت وزارة التعليم عند إتخاذها قرار إنشاء صالات متعددة الأغراض في مدارس البنات ببعيدة عن التذكر مما حدا بالوزارة إلى تقليص الاهتمام بهذه الجزئية في التطوير ، ولعل في احتمال نجاح عمليات تطوير الأنشطة المدرسية الذي اضطلعت به شركة تطوير ما يعدل الأوضاع في إتجاه تلافي القصور والنقد الموجه إلى البرامج والمشروعات المنفذة في الأنشطة المدرسية وما يتيح تنفيذ البرامج والأنشطة المتنوعة للطالبات مساواة لهن مع البنين مع مراعاة الثوابت العقدية والعادات الاجتماعية في الوطن العزيز.
وقد أشارت الكثير من الدراسات الصحية الحديثة إلى أن معدلات السمنة في المملكة العربية السعودية ارتفعت بنسبة 30% خلال السنوات العشر الأخيرة وكانت نسبة السمنة في النساء اكثر منها عند الرجال حيث ان 29% من الرجال يعانون من زيادة الوزن فيما تعاني 37% من النساء من السمنة المفرطة وأكدت بان هذه النسب تعد من أعلى المعدلات في العالم خاصة بين النساء، واوضحت تلك الدراسات ان البدناء في المملكة يكلفون أكثر من 500 مليون ريال سنويا لعلاجهم من أمراض سببها المباشر هو زيادة الوزن والسمنة وأكثرها مرض السكري وأمراض القلب وهشاشة العظام ، وتعزي السبب الرئيس لسمنة النساء إلى قلة الحركة وقصور ممارسة الرياضة ودعت إلى تبني إقرار التربية الرياضية في المدارس وإنشاء أندية النساء الرياضية لتخليصهن من السمنة ومشكلاتها ورغم قناعة الكثيرين من أفراد المجتمع بأهمية ممارسة مختلف الأنشطة المدرسية للبنات إلا أن المؤثرون في اتخاذ القرارات بالدولة لا يزالون يعارضون التوجه نحو الانفتاح في هذا المجال، ولا تزال البيئات المدرسية والمباني غير مهيئة لاتخاذ مثل هذا القرار إضافة إلى ما يواجه إدراج مقرر التربية الرياضية ضمن خطة المناهج لتعليم البنات من مشكلات تتعلق بعدم توافر المعلمات وعدم توافر الملاعب والقاعات في المباني المدرسية وهو ما سيضطر وزارة التعليم لتلافيها إلى إعادة التعاقد الخارجي مع المعلمات لتغطية العجز في هذا التخصص بسبب عدم توافر أقسام للتربية الرياضية في كليات التربية للبنات بالمملكة وإعادة تأهيل جميع المباني المدرسية للبنات لتوفير الملاعب والقاعات وهو من المستحيل النجاح فيه لعدم توفر المساحات الكافية والمطلوبة بسبب اعتماد النماذج والمساحات في الكثير منها سلفًا باستبعاد احتمالات التطوير في هذا الاتجاه ، وهو ما دعى المؤيدين لإدخال التربية الرياضية في مدارس البنات إلى المناداة بالاقتصار على ممارسة بعض الأنشطة والألعاب الممكن تنفيذها في المساحات الضيقة وأفنية المدارس ولا يزال الجدل حول ذلك مستمرًا .
وقداهتمت وزارة التعليم بتضمين خطتها الاستراتيجية العشرية 1425-1435هـ هدفًا استراتيجيًا يتعلق بالأنشطة المدرسية ينص على زيادة نصيب الطالب والطالبة من النشاطات الصفية، وغير الصفية تحقيقًا لمعدل ممارسة (3) ساعات أسبوعيًا ، كما تضمنت توجهات وزارة التعليم المستقبلية لعام 1432هـ مجموعة من المبادرات للطلاب والطالبات منها تطوير التربية الرياضية وتبني مشروع مراكز أندية الحي للبنين والبنات واستهداف تشغيل 1000 نادي للحي خلال ثلاث سنوات و استثمار مرافق المدارس ذات البنى الجيدة والمرافق المكتملة وتطويرها لتكون أندية للبنين وللبنات يمارس فيها أبناء الحي هواياتهم وأنشطتهم الرياضية والاجتماعية والثقافية والفنية بما ينسجم مع ديننا وثوابتنا الشرعية ، وتأسيس مراكز علمية وفق تصاميم عصرية تكون حاضنة للمواهب العلمية والإبداع ، كما تضمنت الخطة الإستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم العام 1444 هـ هدفَا استراتيجيًا يتعلق بتعزيز صحة الطلاب والطالبات وبناء شخصياتهم وانضباطهم ورعايتهم من خلال تبني سياسات تطوير الأنشطة المدرسية وتوفير البيئات التربوية الملائمة لمتطلباتها ، ويضاف هذا إلى ما تحقق فعلا من منجزات متميزة لبرامج الأنشطة الطلابية في مدارس التعليم العام ، ولعل قيادات وزارة التعليم المعاصرة والمستقبلة تستنير بتلك التوجهات المستقبلية وتلك الخطط الاستراتيجية التي لم تفعل لأسباب متعددة وأن تتبني خطة إستراتيجية تجعل من تطوير الأنشطة المدرسية هدفًا استراتيجيًا للبنين والبنات ، فمن أراد إحداث فرق في مخرجات التعليم فعليه الاهتمام بالأنشطة المدرسية جنبًا إلى جنب مع الاهتمام بتطوير المناهج التعليمية وتطوير البيئات التربوية في طريق تحقيق نماذج مدارس المستقبل المعلمة .
ولاستشراف مستقبل الأنشطة المدرسية ينبغي الأخذ في الاعتبار نوعية الفكر التربوي السائد لدى القائمين على التعليم والإشراف على عمليات تطويره وما بلغه التطوير العالمي في إتجاه تطوير التعليم وأوضاع مدارس التعليم العام ومبانيها المعاصرة والمستقبلة وأوضاع الدولة الاقتصادية المعاصرة والمتوقعة مستقبلا وتحليل الخطط الاستراتيجية ذات الصلة بتحقيق الآمال الوطنية بتحسين البيئات التعليمية والإعداد لتنفيذ مشاريع التطوير عامة ومشروع تطوير المدارس وصولا إلى تحقيق هدف تعميم نماذج مدارس المستقبل وعدم إهمال الضغوط الاجتماعية الرافضة لممارسة البنات لبعض الأنشطة المدرسية وسأحاول عرض بعض المشاهد والسيناريوهات المتوقع حدوثها بشأن مستقبل الأنشطة المدرسية في ضوء قراءة تأريخ التعليم ورصد تطوراته المتتابعة واستقراء خططه المستقبلية ولعل أبرز تلك المشاهد ما يلي :
المشهد الأول : استمرار مشكلات المباني المدرسية التي يتطلب التغلب عليها مخصصات مالية تفوق قدرات الدولة الواقعية والمستقبلة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وانخفاض مستوى الدخل الوطني بانخفاض أسعار البترول الدولية وتطور بعض الأحداث الأمنية الداخلية والخارجية ، وقد تتفاقم المشكلات بسبب ازدياد الطلب على إنشاء المدارس لارتفاع نسبة المواليد وزيادة عدد السكان في ضوء عدم القدرة على إنشاء المباني لها مما سيضطر الوزارة إلى الاعتماد على المباني المستأجرة مما سيزيد من نسبتها سنويًا وتكريس مشكلة عدم كفاءة المباني المدرسية لاسيعاب بيئات تعلم مفتوحة مجهزة بمتطلبات تنفيذ الأنشطة المدرسية اللازمة وخاصة في مدارس البنات ، وقد يترتب على ذلك تحسين جزئي متوقع في عمليات تطوير برامج الأنشطة المدرسية لتتلاءم مع الواقع لدى االبنين والبنات وتستجيب للتوجهات الممانعة لرياضة البنات وممارستهن لبعض أنواع الأنشطة المدرسية ، ويتوقع التراجع في عملية تعميم مدارس تطوير المدخل المتوقع لتحقيق نموذج مدارس المستقبل، وستسمر الانتقدات الموجه إلى التعليم وخططه وعملياته ومخرجاته في ظل نقص الإمكانات لتنفيذ برامج أنشطة مدرسية نوعية للتعلم .
المشهد الثاني : تبني وزارة التعليم المعاصرة والمستقبلة تنفيذ خطة إستراتيجية وطنية لتطوير التعليم متوسطة المدى تستفيد من إيجابيات الخطط الإستراتيجية والتوجهات المستقبلية التي أعدت قبلا ولم تفعل لأسباب متعددة بحيث تشمل الخطة الاستراتيجية الجديدة تطوير الأنشطة المدرسية للبنين والبنات ضمن أهدافها الاستراتيجية بما يتوافق مع السياسات والتوجهات الوطنية ويراعي خصوصية المجتمع السعودي وتوفير متطلبات تنفيذها بتوفير البيئات التعليمية الملائمة وتعديل نماذج المباني المدرسية وتوفير الكوادر البشرية المشرفة على تنفيذها ويتطلب ذلك رفع مخصصات التعليم في الموازنة الوطنية للتخلص من المباني المستأجرة وإعادة تأهيل المباني الحكومية القائمة للبنين والبنات بما يتيح توفير الملاعب والصالات متعددة الأغراض وتوفير التجهيزات المدرسية اللازمة لممارسة الأنشطة المدرسية المتنوعة ، وفي حدوث هذا الإحتمال بإذن الله تعالى سيلمس القائمون على التعليم والمجتمع نتائجه الإيجابية في جودة مخرجات التعليم على المدى المتوسط والبعيد لما للأنشطة المدرسية من أثر بالغ في رفع مستوى التحصيل الدراسي ونوعيته لدى الناشئة وهو ما سلكته الكثير من أنظمة التعليم المتقدمة عالميًا .
المشهد الثالث : رضوخ الدولة ووزارة التعليم لضغوط الفئة المعارضة للتطوير في الأنشطة المدرسية في اتجاه شمول البنات والاكتفاء بالتركيز وفق الامكانات على الأنشطة المدرسية للبنين كما هو الحال قبل وزارة الأمير فيصل بن عبدالله لوزارة التربية والتعليم وسيتكافل هذا الضغط مع ضغوط الوضع الإقتصادي للدولة فتؤدي إلى فتور وتراجع في تطوير الأنشطة المدرسية في المدى القريب ففي المدة التي أكتب فيها هذا الإحتمال تدور في الرياض عاصمة الوطن العزيز أحداث ورشة التحول الوطني ، فأوضاع الدولة الإقتصادية دفعت مجلس الشؤون الإقصادية والتنمية إلى تبني برامج التحول الوطني خطة 2020 بديلا للخطة الإستراتيجية الخمسية العاشرة والتي ستتجه نحو التقشف والترشيد وقد أعلن ولي ولي العهد رئيس المجلس في المؤتمر الصحافي لورشة العمل إلغاء الباب الرابع من الميزانية السنوية وميزانيات الوزارة المختلفة وترك ذلك لتقدير الدولة ووزارة المالية وفقًا لملاءة خزينة الدولة التي يتوقع حدوث عجز متسلسل فيها على المدى المتوسط نتيجة لعدة عوامل تتعلق بأسعار النفط والأوضاع الأمنية ، وفي هذا المشهد سيتراجع دعم كثير من الأنشطة وتطويرها وفي مقدمتها أندية الحي التي استهدفت خطة وزارة التعليم السابقة تأسيس 1000 ناد منها بنهاية العام الحالي وفي الواقع لم تتمكن الوزارة من تأسيس أكثر من 100 ناد حتى اليوم وهي تواجه العجز المالي وتأخر صرف مستحقات العاملين فيها لأكثر من ستة أشهر وربما ينتهي الأمر بها إلى الإغلاق في الأشهر القليلة القادمة .
المشهد الرابع : وهو مشهد التفاؤل الكامل والذي تقل فرص حدوثه عند المحللين ومستشرفي المستقبل ويتطلب التحرر الكامل من الأفكار والضغوط والتوجهات المتشددة في المجتمع وإتخاذ قرار سيادي حكومي وتوافر المخصصات المالية لتنفيذه بخروج الوطن من الأزمة الإقتصادية وتحسن أسعار النفط وإغداق الإنفاق الحكومي على برامج التطوير التنموية وقد يترتب عليه بإذن الله تطوير شامل في برامج الأنشطة المدرسية لتشمل البنين والبنات على السواء وتشمل تطوير البنى التحتية اللازمة وتوفير البيئات التعليمية الملائمة والتخلص من المباني المستأجرة وإعادة تأهيل المباني الحكومية القائمة للبنين والبنات بما يتيح توفير الملاعب والصالات متعددة الأغراض وتوفير التجهيزات المدرسية اللازمة لممارسة الأنشطة المدرسية المتنوعة وتوفير الكوادر البشرية االمؤهلة للإشراف على تنفيذها وتدريبهم واستقدام معلمات التربية الرياضية والمشرفات المتخصصات إلى حين سعودة التخصص بالتوسع في برامج إعداد المعلمات ورائدات النشاط والمشرفات في الجامعات السعودية ، ويتوقع في حدوث هذا الإحتمال بإذن الله تعالى أن يحدث تطوير نوعي في الأنشطة المدرسية وبرامجها وسيلمس القائمون على التعليم والمجتمع نتائجه الإيجابية في جودة مخرجات التعليم على المدى المتوسط والبعيد .
وعلى كل الفرضيات والاحتمالات والمشاهد المتوقعة فإن على وزارة التعليم القائمة والمستقبلة أن تعمل جديًا على تنفيذ الخطة الإستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم العام 1444 أو تبني خطة إستراتيجية تستفيد من الخطط السابقة لتحقيق استقلال إدارات التعليم والمدارس والتوسع في تنفيذ مشروع تطوير مدارس التعليم العام في طريق تعميم نموذج مدارس المستقبل وتوفير جميع متطلباتها اللازمة لتنفيذ الأنشطة المدرسية النوعية للبنين والبنات بما يتوافق مع الثوابت الشرعية والوطنية ويستجيب للحاجات الاجتماعية ، وتدريب المعلمين والمعلمات كل بحسب مهامه على توظيفها للتعليم والتعلم، وذلك لتحقيق مخرجات تعليم منافسة ومتطورة ، وعلى الدولة الاستمرار في دعم تطوير التعليم ، ونسأل الله أن يوفق القيادات العليا والقائمين على التعليم إلى سلوك طريق التطوير المأمول للتعليم بكل أنواعه لتحقيق الآمال والغايات السامية للحكومة والمواطنين ، والله الموفق والمستعان .
ظلت ولا زالت مدارسُنا تَعرِف ممارسةَ النشاط المدرسي عن طريق تكوين جماعاتٍ نوعية تمثِّل مناحيَ النشاط الثقافيِّ والفني والرياضي والكشفي والعلميِّ، وربما البيئي أو الصحي؛ مِن خلال تشكيل جماعات لكل منها، يُشرِف على كل جماعة رائد (مُدرِّس) يقوم بعقد الاجتماعات مع الطلاب المشاركين في الجماعة، التي غالبًا ما تكون وقت حصة النشاط المقترحة، وتوجيههم وتدريبهم على ممارسة البرامج أو التجارب أو الفعاليات النوعية المتعلِّقة بنوع النشاط المختار.
وقد يكون المُنتج الذي تقدِّمه عمل جماعة النشاط داخليًّا كلوحات ومجلات حائطية، أو أسبوع متخصِّص في نوعية النشاط، أو إذاعة متخصِّصة في يوم محدَّد، لذا لن يجدي نفعاً ولن يقدم جديداً وسيبقى الحال على ما هو عليه
نحن تحتاج إلى استحداث برامجَ تتماشى مع الثورة المعرفية، والتطور التكنولوجي الهائل، وسرعة الاتصالات، وانفتاح العالم على بعضه حتى غدا كقرية صغيرة، والتمايز العِلمي والمعرفي الذي أصبح الحاكم في تصنيف الشعوب والدول.
نحتاج بالفعل لرصد مدى الإفادة التي تُقدِّمها برامجنا في ممارسة الأنشطة اللاصيفية، ومدى تغييرها وتحسينها لأداء وسلوكيات الطالب في المدرسة وفي الأسرة وفي المجتمع.
تحياتي لك استاذي القدير