قيم حقوق الإنسان في مناهجنا التعليمية !!
الحمد لله رب العالمين الذي كرم بني آدم ورزقهم الطيبات وفضلهم على كثير من خلقه ، والصلاة والسلام على رسول الله خير من عرف حقوق الإنسان وبلغها وعمل بها وحافظ عليها وأوصى بها محمد بن عبد الله الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال الله تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملنهم في البر والبحر ورزقنهم من الطيبت وفضلنهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) الإسراء 70 ، وقال عليه الصلاة والسلام : (ليس لعربي على أعجمي ، ولا لأعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أبيض ، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى ، ألا هل بلغت اللهم فاشهد ) صحيح مسلم ،د.ط،ج2،ص661، رقم الحديث 961 .
فقد شرع الله تبارك وتعالى حقوق الإنسان في الإسلام في شمول وعمق قبل أربعة عشر قرنًا وجلّى مبادئها لكل البشر في القرآن الكريم وفي سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم،وأحاطها بضمانات كافية لحمايتها من التغيير والتبديل ، فحقوق الإنسان في الإسلام كما جاءت في الكتاب والسنة ، حقوق أبدية لا تقبل حذفا ، ولا تعديلاً ولا نسخًا ولا تعطيلاً . إنها حقوق لا تسقط حصانتها الذاتية ، لا بإرادة الفرد تنازلاً عنها ، ولا بإرادة المجتمع متمثلاً فيما يقيمه من مؤسسات أيًا كانت اختصاصاتها ، وكيفما كانت السلطات التي تخولها.
والشريعة الإسلامية ضمنت حق الإنسان في الحياة، وسلامة الجسد،والحرية ، والمساواة في المعاملة ، وحق الملكية الخاصة ، والزواج ، وحرية الضمير ، وبراءة المتهم حتى تثبت إدانته، وحق الهجرة واللجوء ، وعدم الظلم والقهر والتعسف ، وعدم الحكم إلا بعد سماع أقوال المتخاصمين ، وضمنت حقوق غير المسلمين لدى لمسلمين ، ودعت إلى العفو والصفح وتجاوز الأخطاء ، وحسن التعامل ، والحفاظ على العهود والعقود ولمواثيق …. وغيرها من لحقوق التي ينادي بها العالم اليوم .
والمملكة العربية السعودية كما ورد التعريف بها في النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ/90 في 27/8/1412هـ في المادة الأولى ” دولة عربية إسلامية ، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام ، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي المادة السابعة من نفس النظام إيضاح لمصادر التشريعات والأحكام في الدولة ” يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة ” وفي المادة السادسة والعشرون من النظام تقر الدولة بحقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية وتحميها ، ووفقًا لهذا النظام الإسلامي للدولة السعودية يتضح مدى إيمانها الراسخ بحقوق الإنسان التي أقرتها وأثبتها أصول التشريع الإسلامي.
فحقوق الإنسان رجلاً أو امرأة أو طفلاً مكفولة في المملكة العربية السعودية بالحق الشرعي الذي يكفل العدل والمساواة ، من جانبي الحقوق والواجبات فيما لهم وما عليهم وفق أحكام الشريعة الإسلامية ، والدولة تحمي هذه الحقوق وترعاها من خلال هذا الاعتبار ، فكل فرد آمن على روحه وماله وعرضه ، بجانب تأمين حقوقه التعليمية والصحية والاجتماعية.
إن الحفاظ على حقوق الإنسان هو حجر الأساس في استقرار أي مجتمع ، ومما لا شك فيه أن لتعليم حقوق الإنسان لأفراد المجتمع وإدخالها في ثقافتهم وتحويلها إلى واقع أثرا كبيرا في تعزيز فهم الحقوق من جانب واحترامها والحفاظ عليها من جانب آخر مما يؤدي بالضرورة إلى تنمية الشعور بالكرامة والحرية ويزيد من دافعية المشاركة المجتمعية الإيجابية لتنمية الوطن وحفظ السلام وهو ما أكدته مجموعة من التجارب العالمية.
والتربية على حقوق الإنسان تهدف إلى الإسهام في بناء المجتمع المدني وفق خطة عملية وشاملة تعتمد التوعية بالحقوق بما يساعد على حفظها وممارستها واستثمارها في فضاء من الحرية المضمونة للتعايش السلمي والآمن ، ويمكن تنفيذها من خلال محورين أساسيين أحدهما يتمثل في تعليم مبادئ حقوق الإنسان في المؤسسات التربوية والتعليمية من رياض الأطفال إلى التعليم العالي من خلال إدراج تعليم حقوق الإنسان ضمن المناهج التعليمية مادة مستقلة أو مفاهيم مضمنة في المواد الدراسية الأخرى ، وثانيهما نشر ثقافة حقوق الإنسان خارج الفضاء المدرسي بالإعلام والتوعية والإرشاد وذلك لضمان التكامل بين ما يتم تعليمه في المدرسة وما يتم ممارسته خارجها.
وتؤكد سياسة التعليم قي المملكة العربية السعودية على احترام حقوق الإنسان في الإسلام وتتضمن الأسس العامة التي يقوم عليها التعليم في المملكة مجموعة من مبادئ حقوق الإنسان ، ومنها الأيمان بالكرامة الإنسانية التي قررها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وتقرير حق الذكور والإناث في مختلف الأعمار وذوي الاحتياجات الخاصة منهم في التعليم بما يلائم الفطرة الإنسانية ويلائم خصائص المتعلمين وفق الشريعة الإسلامية، واحترام الحقوق الخاصة والعامة التي كفلها الإسلام وشرع حمايتها حفاظًا على الأمن وتحقيقًا لاستقرار المجتمع المسلم في الدين والنفس والنسل والعرض والعقل والمال،والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع تعاونًا ومحبة وإخاء وإيثارًا للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، وربط التربية والتعليم في جميع المراحل بخطة التنمية للدولة ، والتفاعل الواعي مع الحضارات الإنسانية ، والتطورات الحضارية العالمية في ميادين العلوم والثقافة .
وهذه الأسس هي في الحقيقة أسس ومبادئ لحقوق الإنسان الإسلامية التي تؤمن بها المملكة العربية السعودية وتسعى إلى تحقيقها من خلال الخطط والبرامج والمناهج التعليمية، وقد قامت عليها مجموعة من الغايات والأهداف العامة تضمنت جملة من مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام ووجهت إلى تزويد المتعلمين بالقدر المناسب منها بحسب مستوى نموهم ،ومنها على سبيل المثال تزويد المتعلمين بالمعلومات والخبرات والمهارات والاتجاهات المتنوعة التي تجعل منهم أعضاء صالحين وعاملين فاعلين في مجتمعهم ، يدركون الحقوق والواجبات الإنسانية في ضوء مبادئ الشريعة الإسلامية ويتفاعلون مع المجتمع والبيئة وفقًا لها.
وغاية التعليم في المملكة العربية السعودية هي فهم الإسلام فهمًا صحيحًا متكاملاً ، وغرس العقيدة الإسلامية ونشرها ، وتزويد الطالب والطالبة بالقيم والتعاليم الإسلامية وبالمثل العليا ، وإكسابه المعارف والمهارات المختلفة ، وتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة ، وتطوير المجتمع اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا ، وتهيئة الفرد ليكون عضوًا نافعًا في بناء مجتمعه. وهذه الغاية السامية للتعليم في المملكة العربية السعودية تحوى الكثير من نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وتوضح منهج الإسلام في رعاية حقوق الإنسان باعتباره خليفة الله في الأرض حامل أمانة التوحيد وتعمير الأرض وتنميتها والمحافظة على مقوماتها بما أمر الله تبارك وتعالى للإصلاح والعدل والأمن والسلام .
وتبنى المناهج التعليمية في المملكة العربية السعودية وفقًا لسياسة التعليم التي تتضمن الغايات العليا للتعليم والأهداف والغايات التربوية والتعليمية لكل مرحلة من مراحل التعليم العام وهي تؤكد صراحة على تعليم حقوق الإنسان من منظورها الإسلامي ودمجها في محتويات جميع المقررات الدراسية ؛ ولذلك فإن مبدأ تعليم حقوق الإنسان في المناهج التعليمية في المملكة مبدأ ثابت يقوم على سياسة تعليمية تؤمن بحقوق الإنسان وتؤكد عليها .
ووزارة التربية والتعليم تستشعر الترابط الوثيق بين التربية والتعليم وحقوق الإنسان المشروعة وفق منهج الإسلام ، وتقدر مجهودات الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية ولجانها الفنية لدعم هذا الترابط من خلال أهدافها واستراتيجياتها العليا، وتحرص على تنفيذ مختلف التوصيات الصادرة عنها لدعم هذا الترابط وتفعيل آلياته .وقد اختارت أسلوب دمج تعليم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية وذلك بتخصيص مجموعة من الأهداف العامة والوحدات والموضوعات الدراسية عن مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام وإدراجها في وثائق المنهج وفي المقررات الدراسية ذات العلاقة ، وتخطيط بعض الأنشطة التربوية والتعليمية لتحقيق أهداف محددة لتنمية الوعي بحقوق الإنسان في الإسلام وممارستها، وتقديم مجموعة من برامج التوعية والإرشاد للطلاب والطالبات وأسرهم وللأسرة التربوية بكافة عناصرها .
وأدعو من هذا المقام كل المهتمين بالعملية التربوية والتعليمية إلى تفعيل هذه القيم السامية لحقوق الإنسان وتحويلها إلى سلوكيات مكتسبة للمجتمع التربوي بكامل عناصره ، والأمل معقود على المخلصين إلى يوم الدين .كما أدعو متهمي المناهج إلى مراجعتها مراجعة علمية ورصد الأمثلة والشواهد من خلال أسلوب تحليل المحتوى وأنا على ثقة بأنهم سيصلون إلى ما وصلت إليه كثير من الدراسات العلمية التي استهدفت هذا الجانب وهو أن مناهجنا فيها من القيم الإسلامية الخيرة المراعية لحقوق الإنسان والمتوافقة مع نصوصها ما يصبغها بصبغة التميز على مستوى المناهج التعليمية في العالم وإن شابها نقص في بعض جوانب حقوق الإنسان بما فيها تلك المقررة في الإسلام ، إلا أن العزم معقود في وزارة التربية والتعليم على تطوير المناهج التعليمية ومعالجة نواحي القصور بما يضمن تفعيل خطة التثقيف بحقوق الإنسان من خلال المناهج التعليمية والأنشطة التربوية ،وفق الله الجميع إلى ما يحبه ويرضاه .