(13) لنحلم ونتخيل ونحلق في أفق المستقبل !!
لنتخيل أن في خططنا الدراسية مجموعة من المواد التي تساعد الطلاب على الخيال والتعبير عنه بالوسائل المتنوعة المكتوبة والمرسومة والمصنوعة ، كيف سيكون عليه الوضع لمستقبل أجيالنا التواقة لولوج عالم الخيال ولو فقط من خلال الأحلام؟ ، وما ناتج خيالاتهم لمنفعة البشرية والأمم والأوطان ؟.
والسؤال المهم هنا : هل منا من لم يتخيل خيالا ما في وقت ما من عمره قلّ أم كثر ؟ وهل أدركنا أن من وراء الخيال قد يأتي اليقين ؟
إن الطريق إلى علم اليقين ، وحق اليقين ، يبدآن من خيال وتخيل يفضيان إلى تطويع العقل لتقبل صورة العلم واليقين بمطابقته للمكتشف من الواقع أو المستنتج من العلم، ولذلك يعد الخيال أحد وسائل العلم المبدع ، وقد نشأ في الكثير من المؤسسات المعنية بالموهبة والإبداع اهتمام متزايد بالخيال العلمي كمدخل لتنمية الإبداع والموهبة .
فالخيال العلمي أحد المداخل المهمة والحديثة لتنمية الإبداع وإعداد العلماء ، وأخطر الثغرات التي تعاني منها نظم التعليم في عالمنا العربي تكمن في عدم إعطاء الخيال والإبداع حقهما من الاهتمام والرعاية، ونغرق كثيرًا في دراسة الماضيات وتدريسها لأجيالنا المعاصرة ونحن ندرك يقينًا أنهم سيعيشون عصرهم ولن يعيشون عصر من قبلهم .
يقول العالم البارز في علم الفضاء والجيولوجيا الدكتور فاروق الباز : يمثل الخيال العلمي أحد المبادرات الأدبية الفريدة، وأنه من صفات الإنسان المفكر الذي لا يكبح جماح عقله أي حدود، وقال بأن الخيال العلمي يضيف الكثير إلى حب التمعن والتساؤل الذي يشجع الطفل والراشد على البحث عن مزيد من المعرفة، وضرب لأهمية الخيال العلمي وقيمته بمثال أثناء عمله في برنامج “أبوللو” لاستكشاف القمر بين عامي1967 و1972م، حيث أكد على الدور المهم الذي لعبه الخيال العلمي في إلهام رواد “برنامج أبوللو” في تصميم مركبات أبوللو والهبوط على سطح القمر، وأكد على أنه أثناء عمله في برنامج ” أبوللو”، اطلع زميل له على نسخة من رواية “من الأرض الى القمر”From the Earth to the Moon لرائد الخيال العلمي المبدع الفرنسي جول فيرن، التي كتبها عام 1865م، وكانت هذه النسخة من أوائل الطبعات وشملت على رسومات طلبها وحققها “فيرن” بنفسه، والتي اتضح بدراستها أنها تقارب بشكل كبير الحقائق الواقعة في الستينات بشأن تصميم مركبات أبوللو والهبوط على سطح القمر، ووقتها أصدرت مجلة “لايف”Life الأمريكية، ألبوما للرسومات القديمة والحديثة معا.
لقد أدركت الدول المتقدمة قيمة وأهمية الخيال العلمي في إعداد وتنشئة العلماء والمبدعين فقامت بإدراجه في مناهج التعليم، وافتتاح أقسام دراسية بالجامعات في تخصص “أدب الخيال العلمي” ويؤكد العالم العربي الدكتور أحمد زويل – الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام1999 م – بأن ما جعل أمريكا تتقدم على العالم علميا، هو إطلاق عنان الخيال لدى علمائها فهو في جميع مؤسساتها العلمية ينمى ولا يقتل وليست له حدود وكل المؤسسات تشجعه، ويرى مؤيدًا لإطلاق عنان الخيال بأن العالم الحقيقي المحب لعلمه لابد أن يحلم، وإذا لم يتخيل العالم ويحلم سيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئا جديدًا .
ويرى مجموعة من البارزين من علماء العلوم الطبيعية أن من العوامل التي تجعل أدب الخيال العلمي أمرا حيويا في الفصل المدرسي، هو الأهمية المتزايدة التي يوليها العالم حاليا للدراسات المستقبلية، حيث أن هناك همزة وصل بين الخيال العلمي ودراسات المستقبل، فكلاهما يسعى للتنبؤ بالمستقبل، ولهذا يقول كاتب المستقبليات الأمريكي ألفن توفلرAlvin Toffler بأن” قراءة الخيال العلمي أمر لازم للمستقبل”.
لقد وعى الماليزيون أهمية هذا المنحى العلمي ، فأقروا في نظامهم التعليمي مواد دراسية تعلم الطلاب في المراحل الأولية قيمة الخيال وتدربهم عليه من خلال الرسم والأشغال والتشكيل والمهارات الحياتية وتعلم طلاب المراحل العليا الخيال العلمي والاختراعات وذلك منذ عام 1955م ، وكانوا يهدفون من ذلك إلى تلبية الحاجة إلى عمالة قادرة تقنيًا على الإسهام في العالم الصناعي والابتكار فيه ، وتتضمن مادة الاختراعات مجموعة من الموضوعات والتدريبات المتعلقة بالتكنولوجيا وعلى العديد من المناهج والمهارات الخاصة في حل المشكلات وابتكار منتج يتصف بالجدة والقيمة الاقتصادية ويحتوى المنهج على العناصر التالية :
– مشروعات الاختراعات الجديدة .
– التصميم باستخدام الحواسيب .
– فن التسويق .
– حقوق الملكية الفردية .
– توثيق الاختراعات .
وتدرس هذه المادة في أربع حصص أسبوعيًا ، وتقدم الدولة منحًا للطلاب الذين يصلون إلى ابتكارات جديدة .
ألسنا في حاجة اليوم ماسة لنطلق لأولادنا عنانات الخيال في بيوتنا ومدارسنا ، وقد أن الأوان لنفهم ما فهمه الماليزيون قبل خمسون سنة تقريبًا بأن الأمة تحتاج إلى ما يدفعها نحو الإنتاج الفكري والعلمي المنطلق من الخيال بكل أنواعه وصوره .. إن الأمر يحتاج منا إلى عزيمة وفعل يحول الاهتمام بالخيال العلمي إلى واقع في مؤسساتنا التربوية والتعليمية ومستقبلنا لا يكفيه أن نجعل الاهتمام بالموهبة والإبداع نشاط غير صفي بل علينا أن ندرجه بقوة في مناهجنا وخططنا الدراسية ولنقلل من الاهتمام بأدب الماضي ولنتحول إلى علم المستقبل والخيال العلمي طريقه الأول كما أكد ذلك العلماء ونتائج التقدم في الدول المتقدمة ..
ولنحلم ونتخيل ونعبر عن خيالاتنا المستحيلة بريشة فنان أو بكلمة أديب أو بمبتكر مخترع بارع موهوب يحب أن يحلم ويتخيل ويرى بعضًا من خيالاته واقعًا أمام عينه وأعين البشرية جمعاء …والله الموفق ..