26) ماذا يحدث عندما نزجر أطفالنا ؟
يتمتع الأطفال عادة بالحيوية والحركة والانطلاق وحب الاكتشاف وهو ما يدفعهم غالبًا إلى اختراق قوانين الأسرة والمجتمع وربما اختراق القيم والعادات والتقاليد وقد يصل بهم الأمر إلى اختراق العقائد ، وهو ما يدفع الوالدين والأقربين إلى زجرهم عن الكثير من السلوكات التي تشكل فعل الاختراق ،
وقد لا يفكر الكثيرون منا فيما يحدث نتيجة الزجر المتواصل والمستمر في تكوينات عقول أطفالنا و تشكيل أفكارهم ونعتقد بأن ما نمارسه معهم هو نوع من التربية التي تحصر الأطفال في نوع من السلوكيات التي نعتقد صلاحها من منطلق العقيدة والثقافة الموروثة ، وهو أمر قد يؤدي إلى قتل الإبداع الفكري في الأطفال كما يرى ذلك كثير من علماء النفس، فالإبداع الفكري يتطلب في المقام الأول مساحة من الحرية للتدبر والتفكر والتجريب فإذا ما ضيقت مساحة الحرية بالزجر ضاقت معها مساحة الإبداع الفكري . والإبداع الفكري في المنظور الإسلامي يتمثل في حركة العقل الواعية، العقل الذي يتأمل، ينظر، يتدبر. وقد تضمن القرآن الكريم مجموعة من الآيات التي تدعو إلى التدبر.. إلى النظر ومخاطبة ذوي العقول.. ذوي الألباب، و التفكر و التدبر في الكون وسائر المخلوقات ، و على الإنسان بعد التدبر أن يسجل النتائج ويوظفها من أجل الإيمان والتعامل مع مقومات الحياة (محمود عكام ، الإبداع خلاصة فكر لا تنتهي عجائبه) .
وقد حثنا الإسلام منذ البداية على إعمال عقولنا في التفكير بالظواهر الكونية للوصول منها إلى الإيمان الصحيح بالاستناد على الأدلة العقلية، و لم يحجر على العقل و هو أداة التفكير و لم يحدده ولم يضيق عليه ، بل طالبه بالتحرك و التجوال الهادف في هذا الكون، ليكتشف أسراره، و يطلع على قوانينه ويكتشف كنه علاقاته و معادلاته و يسخر ذلك كله من أجل تعميق العبودية للخالق الحق سبحانه وتعالى ثم لخدمة الإنسان.
يقرر العالم النفسي ” غليفور ” بعد دراسته للموهوبين و ذوي القدرات غير العادية أن مما يميزهم ما يمتلكونه من القوة الدافعة و الإحساس بالمشكلات و القدرة على النفاذ إلى غير المألوف و امتلاك القدرة على التصور التجريدي و كذلك القدرة على الإنشاء، أي إيجاد عنصر جديد مستنبط من مركب أو مركبات موجودة.” فمن أهم العوامل أو القدرات الأولية التي يمكن أن تساهم في عملية الإبداع هي: وجود القوة الدافعة أو الإحساس بالمشكلات، و الطلاقة في توليد و إنتاج الأفكار في وحدة زمنية ما، و درجة التجديد في طرح الأفكار، و المرونة في التفكير و القدرة على التغيير، و تنظيم الأفكار في أنماط أوسع و أشمل، كالقدرة التركيبية، و القدرة التحليلية و القدرة على إعادة التنظيم و التعريف و التمويل للأفكار و الاستخدام الجديد للأفكار ، و القـدرة على التعامل مع عدد من الأفكار ، وإدارتها في وقت واحد، و درجة الضبط التقويمي من أجل الاختيار الأفـضل من الأفكار “( الإبداع والابتكار ضرورة حتمية ).
والمبدعون في حاجة ماسة إلى التحرر من أسر الواقع و التقاليد و العادات و الجمود و الروتين،للتحليق في آفاق جديدة، و للإبحار في اتجاه المجهول، والتقاليد الصارمة و الموروثات النمطية و الحدود المصطنعة و الممنوعات المظهرية، كلها موانع و إحباطات تكبل المبدع و تسجنه و تشل تفكيره و خياله. فمصادرة الحرية و التسلط الذي نمارسه في مجتمعاتنا على أبنائنا ، والتنميط والإخضاع المستمر والقهري للتقيد بنموذج الكبار ونمطية الحياة السائدة .. سلوكيات تقتل دوافع الإبداع والابتكار و المغامرة لديهم وتعيق عملية نموهم السوي وجدانيا وعقليا وحسيا وحركيا ، وتغرس في نفوسهم روح القهر الداخلي مما يؤدي بهم إلى الدخول تحت مظلة الكبار طائعين أو مكرهين . وكثيرا من مؤسساتنا التربوية تتبع أسلوب الأسرة في التسلط والزجر من منطلق حماية الناشئة من الوقوع في الممنوعات والمحرمات والمخالفات وفقًا للعقيدة والثقافة الموروثة والأنظمة واللوائح ، وقد يترتب على ذلك قتل للإبداع الذي يوجد في كل إنسان منا بالفطرة وخفض نسبة المغامرين من ذوي القدرات العالية و الموهوبين ، وبكل زجرة نطلقها نسد بابًا للإبداع لدى أبنائنا وبكل حد نفرضه لتشكيل الحرية نكبح به طموح مبدع لا تعترف قدراته بالحدود والأنماط . والحكمة التربوية تؤكد على أن مساعدة الأطفال على اكتشاف الأخطاء وتدريبهم على تلافيها خير من زجرهم عن الوقوع في الأخطاء ذاتها قبل الوقوع فيها ،، والله الموفق .