في المستقبل مؤسسات لتثقيف الوالدين
تتجه أفكار الكثيرين من التربويين وعلماء الاجتماع إلى العناية بتربية الجذور، حيث اتضح للكثيرين من الدارسين والمتابعين أن إشكالية تأخر تأثير التربية المدرسية المقصودة وبطئها أو قصورها في بعض الأحيان لا يعزى إلى مزاحمتها بمتغيرات مجتمعية وإعلامية مؤثرة فحسب ، بل تتركز الأسباب في المقام الأول على نوعية التربية والعلاقات الاجتماعية في حضن التربية الأول وهو الأسرة ، حيث تبنى القواعد الأساسية للتربية والتعليم وتوجيه القدرات واكتشاف المواهب ،
ولهذا تعد المدرسة مؤسسة مكملة أو معززة أو مصححة لجهود مؤسسة اجتماعية أخرى لا تقوم فيها أساليب التربية والتعليم غالبًا على أسس وأهداف علمية كما هو الحال عليه في المدرسة ، ولذلك فإن الأساليب المختلفة تؤثر على نوعية التحصيل والمخرجات في كلا المؤسستين ، ولأن المدرسة وهي الوسيط المجتمعي لتخريج الأجيال تحتاج إلى تكافل شركائها في التربية والتعليم بدأ من الأسرة ثم مؤسسات التثقيف والإعلام والتوجيه ووسائلها المتنوعة العادية والمتطورة والإليكترونية ، ومن هنا تبرز الأهمية العظمى لتخطيط التربية الأسرية وتربية الأولاد ما قبل المدرسة وتوجيهها نحو الأهداف والغايات المنشودة من التربية والتعليم وهو ما يقتضي بالضرورة إيجاد مؤسسات حكومية وأهلية تعنى بتثقيف الأسرة وتدريبها من أجل إكساب الوالدين مهارات البناء الأسري الصحيحة وتربية الأولاد القويمة الموازية للتربية المقصودة في مؤسسات التربية والتعليم والممهدة لها والمتوافقة معها لتحقيق أكبر قدر من التجانس التربوي والتعليمي والحفاظ على الثروة الحقيقية للأوطان والشعوب .
ولعل المتابعين لإشكاليات الحياة الأسرية وعلاقة الزوجين ، والدارسين لأسباب التفكك الأسري وفشل العلاقات الزوجية و المجتمعية يدركون تمامًا أن من أهم الأسباب التي يعزى لها حدوث الفجوة في العلاقات الأسرية المؤدية في الغالب إلى الطلاق وتفكك عرى البناء الأسري تنطلق أساسًا من نوعية الأهداف التي استهدف الزوجين تحقيقها في البناء الأسري ، ونوعية المهارات الاجتماعية المكتسبة لدى كل منهما للتعايش والتفاعل الأسري والحفاظ على البناء المتكامل للأسرة ، وهو ما يدعو المهتمين بالمجتمع والمهتمين بالتربية والتعليم على السوية إلى المطالبة بتثقيف الوالدين وتدريبهم من أجل إكسابهم تلك المهارات المطلوبة لضمان بناء أسري منتظم وتربية ناجحة لأولادهم .
ولهذا فإنني أرى من وجهة نظري المتواضعة أن الحلول العملية والعلمية لمواجهة هذه الإشكاليات تتمثل في تبني الدولة أو المجتمع تأسيس مؤسسات تثقيف وتدريب على أوسع نطاق وشمول ينخرط فيها الوالدين قبل تكوين الأسرة وأثنائها ، ويمكن أن تشترط الأنظمة المدنية والتربوية للحفز على تنفيذها والانخراط فيها والإفادة من إيجابياتها الشروط الآتية :
– يشترط لعقد النكاح بين الزوجين حصول كل منهما على شهادة دورة تدريبية في التكوين الأسري والحفاظ على الأسرة .
– يشترط لتسجيل الأولاد في السجلات المدنية ، حصول الأحياء من والديهم أو أوليائهم على شهادة دورة تدريبية في تربية الأولاد ورعايتهم الأولية .
– يشترط لتسجيل الطلاب في المدارس حصول الأحياء من والديهم أو أوليائهم على شهادة دورة تدريبية في تربية الأولاد وتهيئتهم للحياة المدرسية .
ويمكن مع التطور في وسائل التقنيات ووسائل الإعلام تفعيل أساليب التثقيف والتدريب عن بعد لتحقيق هذه الغاية السامية والتي يتوقع لها بإذن الله تعالى أن تؤثر إيجابيًا في الترابط الأسري وفي فاعلية تربية الأولاد وزيادة فاعلية التربية والتعليم وتحسين المخرجات المجتمعية ورفع كفاءة الأفراد في البناء والتنمية الوطنية .
فالمستقبل للدول التي تركز على الاستثمار في الإنسان والطاقات البشرية منذ الولادة ، والعناية الخاصة والهادفة بالوالدين أساس التكوين الأسري والمجتمعي ، وغدًا ستتعود أعيننا على رؤية مؤسسات تدريب متخصصة في تدريب الوالدين ، وقنوات فضائية ونوافذ إنترنت وقاعات تدريب افتراضية موجهة نحو تنفيذ الدورات التدريبية عن بعد للوالدين ، وعندها سنتأكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح للاستثمار في جيل البناء المستقبلي ……
والرؤية ليست بعيدة التحقق بإذن الله تعالى مع توفر كل مقوماتها وبنيتها التحتية من إرادة ونظرية وتجهيزات ودوافع تشير إليها الإشكاليات داخل الأسر والمجتمع وتزايدها المضطرد المؤثر تأثيرا سلبيا على الأولاد واتجاهاتهم ،… وإلى أن تتحقق الرؤية أدعو المهتمين إلى التفكير فيها وتقويمها واقتراح الأساليب التي تدعمها وتهيئ لتحقيقها . والله الموفق والمستعان .