الرئيسية / مقالات / سلسلة خميسيات حالمة (33) الوصاية على زبد الرأي !!

سلسلة خميسيات حالمة (33) الوصاية على زبد الرأي !!

33) الوصاية على زبد الرأي!!

     يقول المولى تبارك وتعالى ” أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ ” وللرأي من وجهة نظري زبد مثل ذلك كما أن للتقرير زبد مثله ، وقد يكون رأيي هذا ومقالتي هذه في نظر البعض من الزبد ، وهو رأي قد يعتمد معيار المنطقية أو قد يقوم على المعايير الزبد ذاتها لكنه يظل رأي ينبغي احترامه في كل الأحوال كما ينبغي علينا احترام الرأي الآخر ولو كنا نراه من الزبد،

وشذوذ الرأي ليس بغريب عن الإنسان منذ الخلق وما الفتنة بين ابني آدم عليه الصلاة والسلام إلا نتاج للرأي ، وما الاختلاف بين الأمم اليوم إلا نتاج له أيضًا ، والرأي الزبد أو الرأي الشاذ لا يذكيه إلا الأوصياء عليه ممن يرون وجاهته على الرغم من زبده ، والنكاية والطامة إن يتصدى للإعلام في أي أمة أوصياء على الزبد والشاذ من الآراء والأفكار ، أو أن تتبناه فرق القوة والعنف فتظهر معها منذرات الفتنة الكبرى، وحتى نركن إلى المنطق في التصرفات والمسالك ينبغي لنا أن نعتمد على المعايير العلمية التي يجتمع عليها الأغلبية ، ولا نبني بأنفسنا معايير نظن بأنها تنحو إلى رأي الأغلبية ونحكم من خلالها على الوقائع ونبني عليها الآراء فذلك ما سينتج عنه الزبد في أغلب الأحيان …

تلقيت اتصالاً في يوم من الأيام من أحد من أظنهم من الأوصياء على الزبد الإعلامي ، يسألني عن رأيي حول بعض الشواهد الميدانية غير النظامية وغير المقبولة من وجهة نظره ، وهي من وجهة نظري شواهد لا تتعدى نسبتها في الواقع عن الواحد في العشرة ألاف ، والحكم عليها ينبغي أن يبنى على دراسات علمية لا على تجميع رأي أو رأيين قد يعتمدان معايير ليست علمية فيكون الناتج منها رأي قاصر أو ظالم أو متعد أو متحيز أو زبد يذهب جفاء ، فانبرى يذكر لي في معرض تساؤلاته تعبيرات تقريرية تقطع بالتعبير عن رأي الأغلبية ، فاستوقفته أسأله : هل توصلت إلى ما قررت من خلال مسح أغلب الآراء؟ ، أو اعتمدت فيه على نتائج دراسات علمية تمخضت عن تحليل الغالب من الآراء؟ ، فكان رده عن كل سؤال بأن الغالبية يرون وأن الغالبية يعتقدون، فسألته أخرى: كيف عرفت رأي الغالبية ؟، فقال كلما سألت أحدًا كان يذكر نفس الرأي ، فسألته : كم سألت من مجتمع الرأي الذي استهدفت؟ فقال أكثر من عشرة معنيين ، فقلت له : لكن المجتمع الذي تتحدث عن رأيه وتقطع بغالبيته يتكون من أكثر من مائة ألف ، فهل العشرة في نظرك هم الأغلبية ؟، فقال بعجالة العشرة يمثلون الباقين ، فقلت لو أنك صبرت لتكمل الباقي من العدد وهو في الواقع 99990 فقد تكون آرائهم مخالفة للعشرة الذين بنيت عليهم رأيك وتقريرك ، وأنا لو أعطيتك الرأي وكنت من ضمن العينة أو المجتمع المستهدف لن يزيدك رأيي إلا واحدًا من 99990 ، فقال أنت مثالي والإعلام يستهدف رأي الأفراد الذي يعبر عن الجماعة، فقلت له : هذا ما أنتج الزبد في الفكر والرأي والتقريرات .

ومن يتابع التقارير الصحافية المعاصرة يجد من بينها ما هو من الزبد فعلا ، والعجيب في الاعتقاد لدى بعض من يتحمس للإعلام الزبد كأداة تطوير مجتمعي يتمثل في استنكارهم لآراء من يدعو إلى العلمية والحرفية الفنية والمهنية الصحافية القائمة على الصدق والمعيارية وتحر الدقة وإخلاص النية لله تبارك وتعالى باستهداف إصلاح المجتمع وأنظمته وإجراءات تحقيق خدماته والترفع عن الشخصنة الصحافية وتحقيق المنافع الفردية أو التشفي من أصحاب مواقف خاصة ، ولا تشاؤم في تقريري بإذن الله فالحالات التي تنتمي إلى الشذوذ في التوجهات ومنابع الرأي الإعلامي أو التقرير الإعلامي الزبد تتضاءل نسبتها يومًا بعد يوم بتطور تقانة الصحافة وتحميلها للمتخصصين ممن يتلمسون العلمية في رصد الأخبار وتحليلها واستنتاج مضامينها ودلالاتها وحجمها في الواقع .

وهنا أقول لمن يحمل بعض فكري أن الحل في التغلب على زبد الرأي يكمن في عدم إعارته الاهتمام حتى ينحو إلى العلمية ويعتمد على رأي الأغلبية من خلال البحث والتقصي ومسح الآراء فيصبح كالسيل الرابي من غير الزبد ، وهو ما يدعونا إلى تشجيع التوسع في مجال الأبحاث النظرية والعلمية واستطلاعات الرأي والمسوحات الميدانية والاعتماد على نتائجها في التقارير والأحكام ،،، والله الموفق .

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

التدبر والتفكر والتذكر والتعقل عبادات مأجورة

بسم الله الرحمن الارحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه ...