34) العرب في مواجهة إسرائيل !!
هذه المقالة ليست معنية بالمواجهات العسكرية التي كان من الواجب حسمها منذ زمن بعيد لصالح أصحاب الحق المشروع ، وليست معنية بالمبادرة العربية التي تبنتها القمة العربية وأيدتها وأكدتها في قمم لاحقة وكرر عرضها سمو وزير الخارجية السعودي رحمه الله في أكثر من لقاء دبلوماسي وكررها أيضًأ أمين عام جامعة الدول العربية على الرئيس الأمريكي أوباما قبل أن تفقد الأمة العربية أملها فيه كرئيس أمريكي خرج من صلب الأمم المكلومة والمظلومة والمهضومة لعله يلتفت إليها ضمن برنامج عمله الذي تشاركه إسرائيل ذاتها في إعداده بطرق مباشرة أو غير مباشرة علنية كانت أم خفية وشارف عهده الثاني على الأفول وهو لا يزال متمسكًا بمواقفه الداعمة لدولة إسرائيل ، وليست معنية كذلك بالتفوق الإستراتيجي والعسكري والعلاقات الدولية والتفوق في مجالات التصنيع الحربي والنووي ، بل هي معنية بالتقعيد لهذا كله .
إن أزمة العرب ليست في المخرجات فحسب بل أن أزمتها تبدأ من المدخلات وفي البنى الأولية للفكر والثقافة والاتجاهات ، فلقد اطلعت كغيري على تقرير التنمية الثقافية الأول في العالم العربي الصادر عن مؤسسة الفكر العربي ، وأذهلني ما تضمنه التقرير من إخفاقات للعرب عند مقارنتهم بالعالم عامة وبإسرائيل خاصة ، حيث أظهر التقرير كغيره من التقارير التي اعتمدت مبدأ عرض الإحصاءات المقارنة للإنجازات العربية مقابل إنجازات دول العالم المختلفة تردي الحالة الثقافية لدى العرب ، وتدني الاهتمام بالبحث العلمي وبالحراك العلمي الثقافي وبتدني معدلات الإنفاق على البحث العلمي على الرغم من أنه بالإجماع هدف رئيس من أهداف التعليم العالي ، وأساس من أساسيات التنمية والتخطيط التنموي ، وأن هناك علاقة ارتباط قوية جدًا بين مستوى الاهتمام بالبحث العلمي والتقدم العلمي والتقني والصناعي ، ومن العيب ألا يصل معدل ما ينفقه العالم العربي في جميع دوله على البحث العلمي عشر ما تنفقه إسرائيل وحدها على البحث العلمي ، ولهذا فلا نستغرب تفوقها على العرب جميعهم في مجالات التنمية المتنوعة والعلاقات الدولية المؤثرة ، ومما تضمنه التقرير التأكيد بأن هناك نسخة واحدة من كل كتاب مطبوع في العالم العربي متاحة أمام كل 110 آلاف مواطن بتوزيع أعداد السكان على المعدل الوسطي السائد لعدد النسخ المطبوعة من كل كتاب وهو في هذه الحالة 3000 نسخة وفي بلد يتصدر حجم حركة الكتاب العربي مثل السعودية تتصدر العلوم الاجتماعية نصف حركة الإنتاج (51.6%) فيما لا تمثل العلوم التطبيقية والطبيعية والرياضيات سوى (4.2%) وتحتل الفنون أقل من نصف بالمئة، ومجموع ما أنتجته دولة مثل سوريا – قبل الأزمة -من الكتب المودعة في التسجيل الوطني لعام 2007 هو 2394 عنواناً فقط، ثلثها بالتقريب كان عن الآداب والبلاغة وأقل من 4% من هذه العناوين كان عن العلوم التطبيقية. وأودع السودان في كل ذات العام 711 عنواناً فقط، أما العراقيون فقد سجلوا في ذات العام الملتهب 83 كتاباً جديداً في الداخل. وبلغ مجموع حركة النشر العربية في ذات العام 2007، بالضبط، 27809 كتب، كان منها للعلوم البحتة 1129 كتاباً في مقابل 6500 كتاب حول الأدب والبلاغة، و6351 كتاباً في العلوم الاجتماعية و5157 للديانات. وهذه النسب التقابلية تعكس الاتجاهات السائدة في حركة التنمية الثقافية. ويشير التقرير إلى أنه لكل (11950) مواطناً عربياً كتاب واحد، بينما لكل (491) مواطناً إنجليزياً كتاب واحد ولكل (713) مواطناً إسبانياً كتاب واحد، أي إن نصيب المواطن العربي من إصدارات الكتب يمثل 4% من نصيب المواطن الإنجليزي و5% من نصيب المواطن الإسباني. وفي ذات العام 2007 لم يتجاوز ما كتبه العرب في العلوم التطبيقية والنظرية 12% من مجموع مؤلفاتهم، بينما بلغت نسبة ما كتبوه في الأدب والديانات 48% من مجموع المؤلفات. ويثبت التقرير أن التنمية الثقافية في العالم العربي تقوم على معادلة مقلوبة .
وفي المقابل فإن إسرائيل تحتل المركز الثالث عالميًا في مجال تكنولوجيا المعلومات والمركز الأول عالميًا في مجال إنتاج الأبحاث ، وقد نشر الباحثون الإسرائيليون 138.881 بحثا محكما في دوريات علمية حتى العام 2014م بينما نشر الباحثون العرب في الدول العربية مجتمعة 140 ألفا فقط مع فارق جودة الأبحاث ونوعيتها لصالح الباحثين الإسرائيليين ، وبالنسبة لبراءات الاختراع، فهي المؤشر الأكثر تباينا بين العرب وإسرائيل ؛ فقد سجلت إسرائيل حتى العام 2014ما مقداره 16,805 براءة اختراع، بينما سجل العرب مجتمعين ما لايزيد عن 836 براءة اختراع ، وهو ما يمثل 5% من عدد براءات الاختراع المسجلة في إسرائيل. وتفيد تقارير اليونسكو أن عدد براءات الاختراع التي سجلت في إسرائيل في العام 2008 والتي تبلغ 1,166 تفوق ما أنتجه العرب بتاريخ حياتهم ، وفي مجال الثقافة والمعرفة بلغت نسبة إنتاج الكتب في إسرائيل 100 كتاب لكل مليون نسمة، فى حين بلغت الدول العربية مجتمعة 1.2 كتاب لكل مليون نسمة. ويبلغ إنتاج العالم العربي من المعارف الانسانية 0.0002% من إنتاج العالم بينما تنتج إسرائيل 1.0% من المعارف العالمية؛ أي أن إسرائيل تنتج أبحاثاً ومعارف 5,000 مرة أكثر من العالم العربي.
في ظل هذا الواقع المؤلم الذي لا يرضي الله تبارك وتعالى الذي اختار لنا أن نكون خير أمة أخرجت للناس ومن ثم لا يرضي كل الغيورين الطامحين إلى تحقيق الصدارة المطلوبة لعالمنا العربي والإسلامي في كل المجالات ، إلا يحق لنا أن نسأل القيمين على التخطيط التنموي والقيمين على التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي عن أسباب تدني اهتماماتهم بأهم مقومات التنمية وإغراقهم في الغفوة عن المسؤولية في الوقت الذي لم يقف نظرائهم في إسرائيل عن الإصرار على تحقيق التفوق على العالم وليس على العرب أجمعهم فحسب حتى في ظل عدم استقرارهم وإحساسهم بالتهديدات على مستقبلهم ، وأملنا أن تتحرك حكوماتنا العربية في الاتجاهات التي تحفز على تعديل معادلة التنمية المقلوبة ،،،، والله الموفق .