الفيروسات البشرية على الإنترنت !!
قد يكون لمواصفات العصر خصوصية تتعلق بالمعرفة والمعلوماتية يتفاءل بها الكثيرون من المعاصرين ، ويعتقدون بأنها ستقود العالم إلى فتوحات جديدة في مجال العلم والابتكارات وإشاعة النفع المعرفي للجميع ، وقد ينفلت الزمام وتصبح المنافع ظاهرية تخفي وراءها ضرر كبير خاصة إذا ما تطورت الحرية في وسائط المعرفة وأصبحت الأبواب مشرعة للرويبضيين الحالمين بالمجد المعرفي والشهرة وراء النكرات من الأسماء والصفات والنعوت ، وهو ما سيشكل في المستقبل الجيل الجديد من الفيروسات البشرية المستعصية على برامج مقاومة الفيروسات .
لعلني لست من المتفائلين بالنفع المستهدف للانفجار المعرفي والعولمة وأدواتها وتأثيراتها على مستقبل العقل والفكر والثقافة الإنسانية ، خاصة بعد أن انتشرت بسرعة كبيرة تلك الفيروسات الخطرة في غالبية نوافذ شبكة الإنترنت الدولية، متمثلة في تعليقات من تهيب الظهور بأمراضه علنا فظهر بها متخفيًا وراء الاستعارات والنعوت ليتجاوز بها العلم والأمانة إلى الدناءة والجهل المركب ، فينفث المرضى سموم نفوسهم وينشرون عبر وسائط المعلوماتية المفتوحة ما يدعوهم خلقهم المتدني إلى تقويضه أو تسفيهه أو الانتقاص منه شخصًا أو رأيًا أو اتجاهًا ، وهنا تضطرب المصداقية المعرفية وتشيع الأكاذيب والتهم وتسوء الأخلاق فيختلط الحق بالباطل فلا يتمكن العاقل من التمييز بينهما وهو الشر المستطير الذي سيهدم العالم بأسره .
قد ينجح المتخصصون في مكافحة فيروسات البرامج وما يبتكره غزاة الإنترنت الذين اصطلح على نعتهم (بالهكرز) إلا أنني أشك بأن هناك من سينجح في مكافحة فيروسات الفكر البشري التي غزت مواقع الإنترنت بأفكار مشوهة وأكاذيب مصنوعة وسرقات واسعة أفضت إلى شيوع الفساد الفكري إلى الدرجة التي أثرت على مصداقية المعرفة والمعلومات وموضوعيتها، فخسر الإنسان بهذا الاتجاه المنحرف فكريًا مصداقية مصدر من أوسع مصادر المعرفة إنتشارًا في الوقت المعاصر .
وقد نعتقد بأن التربية واحدة من الحلول التي يمكن أن تعالج مثل هذه الظواهر المسيئة ، ولا أعتقد بأن حواجز التربية تكفي لمقاومة مد الفيروسات الفكرية ولو اتحدت أساليبها وتقنياتها واستراتيجياتها على مستوى العالم بأسره ، فالفيروسات قد استشرت في غالبية الفكر ، والعالم متنوع غير متفق على منهج وغاية ونظرية تربوية، والخطر مستمر على العقل والفكر الإنساني ما بقيت الاستعارات والنعوت لتخفي وراءها الرويبضيين والمتسلقين والمدعين والمرضى الذين غلبت عليهم أنفسهم الشريرة ليعيثوا في الأرض الفساد.
وهنا أتذكر ما علق به أحد الأصدقاء على المشكلة بقوله : لعل الحل في هجر المصادر إذا ما ثبت العبث بها والتحريف ، وأرى أن الحل يكمن في التصدي لمثل هذه الفيروسات الخطيرة. ولنبدأ بأنفسنا فنقوّم ما نتلقاه من مصادر المعرفية المتنوعة قبل الانتفاع بها ،،، والله الموفق،،، .