خطابات التثقيف مواجهات عبر التاريخ !!
تنشط فئات التثقيف عبر التاريخ في استجلاب تأييد الجماعات والأقوام والشعوب والعامة والدهماء ، وتتنوع بتنوع أهدافها وغاياتها بين خطابات دينية عقدية وخطابات اجتماعية وخطابات سياسية وخطابات ثقافية ، وتتباين في منطلقاتها وأساليبها ، وعليها يتم تصنيف فئات الخطابة بين واقعيين وحالمين ،وأصوليين ومتطرفين،وموضوعيين ومتملقين ،ومتفائلين ومتشائمين ، ومناصرين ومعارضين ….. ونحو ذلك من المتناقضات ،
ونشأت في كثير من الأحيان فئات الوسطيين بين كل فئتين من ذلك ، ومن المؤكد أن الدوافع وراء تشكل هذه الاتجاهات الخطابية تتمثل غالبًا في الرغبة في تحقيق إما مصالح عامة أو مصالح شخصية ، والرغبة الجامحة في اكتساب تأييد العوام أو النخب لتوجيه الأنظمة والإجراءات نحو القناعات التي يؤمنون بها وينتمون إليها ، وقد تقارعت الألسن والعقول والآراء عبر التاريخ بالخطابات الموجهة ، وتمخضت عن مناهج متنوعة ومتباينة في المناحي العقدية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ونمت معها الطوائف والمذاهب واستخدم روادها ومناصروها أساليب متنوعة في التعبير وفي ردود الفعل شملت كذلك المواجهات المسلحة والمعارك ، وتشكل التنوع التاريخي في الحضارة الإنسانية نتيجة الاختلاف والإتلاف بين أنواع الخطابات الثقافية والتثقيفية المتنوعة .
وفي زمننا المعاصر تظهر تلك التنوعات في خطابات الثقافة والتثقيف بأنواعها وتتأثر بدرجة الحرية الممنوحة لحاملي ألويتها ، كما تتأثر بمستوى التعليم والوعي والثقافة ، وبنوعية وسائل الاتصال الجماهيري ونوع الوسائل والتقنيات الإعلامية … ونحو ذلك ، وهو ما شكل مواجهات جديدة بمواصفات جديدة من نوع مختلف تتقارع فيها الاتجاهات الفكرية والمذهبية والسياسية والاقتصادية بأساليب أكثر تنوعًا وتصنيفًا وربما أكثر عنفًا وأسوأ تأثيرًا ، وقد تقود هذه الاتجاهات نخب أو دول أو أفراد لتحقيق غايات أكثر تعقيدًا، وتصدر الأحكام بمعايير من نوع مختلف عما حدث عبر التاريخ البشري ، والضحية المستهدفة في ذلك كله العامة والدهماء من الناس التي لا تعي بواطن الأمور وما وراء الخطابات الغرضية.
وقد تعايش العالم المعاصر مع مجموعة من الأحداث في المجالات المتنوعة كان منطلقها الخطابات الثقافية والتقيفية الغرضية ، وقد وجهت مصالح كل مجال من مجالات الخطابات الغرضية إلى حاملي لواءاتها ووقع في مصايدها العامة من الأميين في مجال الخطاب ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا في مجال السياسة ومجال الاقتصاد ومجال الفكر والثقافة والإعلام ، ولايزال العالم يتجرع مرارة مترتبات هذه التوجهات وهذه الأنواع من الخطابات ، والتي تمخض عنها ما حل بالكثير من المجتمعات في الكثير من دول العالم من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولا تزال نخب المثقفين تحاول بكل إصرار ابتكار أساليب خطاب جديدة لتأكيد الفرقة أو لمحاولة إيقاف نزف نواتج الخطابات المنافسة أو المعارضة والواقعة في مساحات الضد أو في مصدات الغاية ، وتستمر الدوامة ، والعوام تائهون فيمن يصدقون ويتبعون بعدما اتجهت تلك الخطابات في اتجاهات الاتهام والتجريم وكشف الأغطية والتشكيك في النوايا وإبراز المثالب للخطابات المنافسة والخطابات الضد . وسيتطور الوضع في اعتقادي إلى ماهو أكثر تعقيدًا كلما نشأت حضارة بمقومات جديدة .
ولنضرب مثالا لأحوالنا في مجتمعنا اليوم ، فنوع الفكر الذي تشكل بفعل الخطاب الثقافي المتنوع في المجالات المتنوعة رسم لنا حدود الانتماءات العقدية والمذهبية والسياسية والثقافية ، كما وجه التفكير العام نحو سمات ومواصفات معينة للدولة والمؤسسات والأنظمة والعلاقات والتعاملات ونحوها . فجاءت النتائج تشير إلى نوعية جديدة ومبتكرة لأسلحة الخطابيين وأدواتهم ، وكشفت لنا عن مجموعة من الأزمات التي طالت الكثيرين من المنصاعين لتأثيرات الخطاب الثقافي والتثقيفي … فهذه أزمات الاقتصاد وسوق الأسهم تلتهم الدهماء المندفعين وراء نوع الخطاب التأثيري ، وهذا الانفصام بين ثقافة المسؤول ونفسه بعيدًا عن كرسي المسؤولية أو التصريح من أجلها ، وهذا الغبار المثار لحظيًا من خلال وسائل الإعلام بتنوعها لتظليل العقول وتوجيهها نحو تحقيق غاية الانتصار والربح لفئات حاملي لواء نوع الخطاب ، وستستمر الأزمات لتطال مناحي الاهتمامات الإنسانية التي تعتمد على العقل لقبولها أو رفضها . وأخشى أن يصنف خطابي هذا من وجهة نظر بعض القراء إلى نوع لم أهدف إليه ، ولعلي لا أقنع البعض بأن هدفي من نوع خطابي هذا تنويري وأن دعوتي من خلاله هي التأكيد على أهمية التقويم والتحليل لكل أنواع الخطابات المتلقاة قبل تبنيها أو مواجهتها وقبل قبولها أو رفضها ، ولو أننا نهجنا مثل هذا النهج عبر التاريخ لغلب الخطاب العقلاني والقبول العقلاني كل الأنواع الأخرى من الخطابات والانتماءات لأنه لا سيادة لغير العقل في توجيه الخطابات واستقبالها حتى ولو كانت عقدية ، فالتسليم بالقبول دون التمحيص من محاذير العبادة الحقة ، فقد قالوا ” إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ” دون تفكير ودون تمحيص حتى ولو كان الموروث مهلكة وشرك بواح ، والعياذ بالله ، فلنعقل ولنعي ما كرمنا به المولى تبارك وتعالى من عقل لتمييز نوع الخطاب واتباع ما يوافقه شكلا ومضمونًا ، ألا قد أنذرت اللهم فاشهد ،،، وسنتغير إذا ما شئنا أن نتغير بإذن الله تعالى ، ووعينا ما نسمع وعقلنا ما نقول فإن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. والله الموفق ،،،،، .