الخوف بين الإيجابية والسلبية!!
في إطار بحثي عن مصطلح الخوف كشعور ينتاب الإنسان وبعض الكائنات الحية ماهيته وأسبابه وكيفية علاجه أعجبت كثيرًا بما تناوله الشيخ زياد عزام في موقعه شبكة الطب الروحاني على الرابط الإليكتروني الآتي : http://www.altebalrawhane.com/new_page_8.htm ، وقد فصل تفصيلا متناه الدقة في تحديد أنواع الخوف وخواصه وأسبابه وطرق علاجه ، كما تناول أكثر من كاتب هذا الجانب بالتعريف المختصر أو التفصيلي وكذلك الموسوعات المعلوماتية ، لكنني وددت تناول هذا الموضوع من جانب المقبول والمحذور من شعور الخوف الذي يقع في دائرة التعريف الإجرائي من وجهة نظري باعتباره نقص في الشعور بالأمن والطمأنينة نتيجة مثيرات حسية حاضرة أو توقعات أحداث مستقبلة يترتب عليها شعور بالألم أو خيبة الأمل .
فالخوف المقبول شعور طبيعي وحالة سوية يصاب به الإنسان عندما يتهيب النتائج المستقبلة بينما الخوف المحذور مرض قد يترتب عليه اضطراب الإنسان أو هلاكه،وقد ينشأ الخوف نتيجة مؤثرات خارج جسم الإنسان كالتعرض لهجوم أو لمرض أو لنقص في الموارد الغذائية و المائية أو التعرض للحيوانات المفترسة أو التعذيب…. و غيرها، أو رؤية غير المستحب المترتب عليه في العادة ألم أو ضرر يلحق بجزء من تكوين الإنسان، أو يكون مصدره داخل جسم الإنسان نفسه مما ينتج عن رصيد الخبرة والقدرة على تفسير الأشياء وتقبل احتمالاتها ويصبح تأثيره أشد وقعاً في النفس الإنسانية. وأيًا كان نوع الخوف فإنه يؤدي إلى استجابات انفعالية تؤثر في السلوك العام للفرد، وتتوقف هذه الاستجابات على قوة المثير الداخلي أو الخارجي (الخطر) ومدى قابلية الجسم المتأثر في الرد عليه أو الاستكانة له، فيكون الخوف خوفاً حركياً، حينما يفاجأ الكائن الحي بخطر ما، حيث يترجم ناتج الخوف في سلوك الهرب وطلب النجاة ، وقد يترجم رد الفعل بالبكاء والصراخ والارتعاش ونحوها، و يمكن أن يتحول رد الفعل إلى تأهب واستعداد أو دفاع أو هجوم، حينما يجد الكائن الحي نفسه قادراً على مواجهة ذلك الخطر اعتماداً على قابليته الجسدية، وخبرته في مواقف مماثلة، لكن الخوف في مواضع أخرى يصبح متسلطاً تماماً بحيث لا يجد الطرف الآخر حيال الخطر الداهم إلا أن يستكين له تماماً، وتشل حركته حياله وقد يصاب الخائف نتيجة خوفه بالإغماء أو الذهول و قد تصل ردود الفعل السلبي إلى حالة الموت الحقيقي. وإلى جانب الاستجابات الانفعالية الحركية تحدث عادة مع الخوف تغيرات فيزيولوجية داخل الجسم البشري، حيث يفرز الجسم هرمونات من شأنها زيادة سرعة نبضات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وانقباض الأوعية، وضغط النشاط العضلي للمعدة والمثانة، واتساع حدقتي العين، وجفاف الحلق، واصفرار الوجه، ولكن سرعان ما تزول هذه الأعراض بزوال حالة الخوف ، ويماثل الإنسان في الشعور بالخوف بعض الكائنات الحية الأخرى ( شاين ثروت ).
وقد قال حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: (اعلم أن حقيقة الخوف هو تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل، وقد يكون ذلك من جريان ذنوب، وقد يكون الخوف من الله تعالى بمعرفة صفاته التي توجب الخوف لا محالة، وهذا أكمل وأتم، لأن من عرف الله خافه بالضرورة، ولهذا قال الله تعالى: {إنَّما يخشى اللـهَ من عبادِهِ العلماءُ} [فاطر:28]) [“الأربعين في أصول الدين” ص196].
وقد وردت مفردة الخوف ومشتقاتها في القرآن الكريم في 124 آية ، بما تعنيه كل مفردة منها، لكن كلمة (خوف) وحدها وردت 21 مرة، ومشتقاتها 103 مرة، وقد اتخذت معاني كثيرة عند مفسري القرآن الكريم؛ حيث قال تعالى: (فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) (الأحزاب: 19). وقال تعالى : (هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً) (الرعد: 12). وقال تعالى : (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار) (النور: 37). والخوف في هذه الآيات الشريفة جاء بمعنى الفزع. وحينما يمتدح الله قوماً يصفهم بالخوف.. كقوله تعالى: (ويخشون ربهم ويخافون سوء العذاب) (الرعد: 21). وقوله تعالى: (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما) (المائدة: 23). وقال تعالى :: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً) (السجدة: 16). ويقول تعالى: (يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه) (الإسراء: 57). وقد ورد الخوف في القرآن الكريم ثناء على ما يقوله الصالحون.. كقوله تعالى: (إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) (الأنعام: 15). وقوله تعالى: (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) (الأعراف: 59). وقوله تعالى: (قال رب إني أخاف أن يقتلون) (الشعراء: 14). وقد وصف الله تعالى في القرآن الكريم حالة الخائفين وصفاً رائعاً وبيّن الأعراض التي تظهر على وجوههم وجلودهم.. فيقول سبحانه: (فإذا أُنزلت سورةٌ محكمة وذُكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت) (محمد: 20). وقوله تعالى: (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم) (الزمر: 23). كما جاء في القرآن نهي عن الخوف من غير الله؛ حيث قال سبحانه: (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) (آل عمران: 175).
فالخوف من الله تعالى هو معيار الإيمان الحق للمؤمن ، فمن يؤمن بالله فلا يخاف من شيء عدا الخالق سبحانه.. كما ورد في قوله تعالى: (فمن يؤمن بربّه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً) (الجن: 13). وقوله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً) (طه: 112). وهو شعور يساور كل إنسان مع اختلاف قوته وحدته وتأثيره . وقد عرفه بعض علماء النفس بأنه قلق نفسي، أو عصاب نفسي لا يخضع للعقل ويساور المرء بصورة جامحة من حيث كونه رهبة في النفس شاذة عن المألوف تصعب السيطرة عليها والتحكم بها .
و نتيجة للشعور بالخوف يلجأ الإنسان إلى طلب الأمن بكافة أشكاله ، ومن هنا تنشأ العلاقة الوثيقة بين الأمن والخوف، ويكونان معاً قطبي الحياة الإنسانية؛ فإذا كان الخوف قطبها السالب، فإن الأمن قطبها الموجب، وقد اهتمت جل الحضارات البشرية ونتاجات الثقافات الإنسانية بجانب الأمن والطمأنينة، بحيث صارت حاجة من حاجات الإنسان الأساسية ويحكم على صلاح النظم وفشلها بمدى توفيرها للأمن بمقوماته المتنوعة لعناصر النظام والإنسان أولها ، وشعور الخوف في الأساس غريزي في الإنسان وقد يسهم أسلوب التربية والتعليم في تنمية الشعور بالخوف أو الأمن تبعًا لتباين الرؤى والاتجاهات والعقائد ، ولمؤسسات التنشئة الاجتماعية من الأسرة والمدرسة والمجتمع ووسائل الإعلام دور مهم في تكريس الشعور بالخوف أو الأمن لدى الناشئة وتبعًا لتنوعها تختلف ظواهر الخوف عند الناشئة، فالطفل الذي ينشأ في كنف نظام تربوي صارم ومرعب يقل فيه الأمن والإحساس بالطمأنينة يكون أكثر من غيره عرضة للوقوع فريسة الخوف وللأمراض النفسية والاجتماعية الخطيرة الناتجة عن الخوف وقلة الأمن .
فالخوف إذًا شعور طبيعي مقبول في غالبية أحواله و لكن عندما يتجاوز الخوف الشعور الطبيعي و يصبح هاجسا نفسيا مقلقًا وهوسًا مؤثرًا في الجسد أو النفس أو التصرفات فإنه يصبح حالة مرضية وخوفًا محذورًا ينبغي التخلص منه بالدواء الموصوف في القرآن الكريم وهو التوكل على الله تبارك وتعالى وعدم الرهبة والخوف إلا من الله تعالى بما يستوجبه الإيمان به سبحانه ، وتدريب النفس والجسد على ردود الفعل المطمئنة وتحمل الآلام عند مقابلة الرعب والمجهولات و المكروهات ومسببات الشعور بتناقص الأمن ،،، والله الموفق والمستعان .