كتبت مقالة بنفس العنوان يوم الخميس24 ذو القعدة 1430هـ ونشرتها في موقعي الإليكتروني في سلسلة خميسيات حالمة وطبعت في كتاب حمل عنوان خميسيات حالمة طبع عام 1431هـ 2010 م ، تضمن محتواها الآتي:
“انطلق مشروع الحوار الوطني تحت مظلة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني لتحقيق رؤية وطنية تعمل على نشر ثقافة الحوار وتجسيدها سلوكاً عاماً للفرد والأسرة والمجتمع بأسلوب يعكس الالتزام والاعتزاز بالدين الحنيف ويعزز مفهوم المواطنة الصالحة وقيمها وأمن الوطن ووحدته، وتعهد المركز بصفته هيئة مستقلة فلسفته الحيادية التامة بين فئات المجتمع المختلفة ثقافيا وفكرياً أن يحقق توجيهات خادم الحرمين الشريفين بالإسهام الفاعل في تحقيق بناء اللحمة الوطنية بين أفراد المجتمع السعودي واحترام التنوع الفكري والمذهبي بينهم مع اعتماد الحرية في التعبير والممارسة, وحماية التنوع من تعديات المتطرفين وتجريمها, واعتماد منهجية علمية للحوار تفضي إلى التوافق.
فالاختلاف والتنوع الفكري وتعدد المذاهب واقع مشاهد في حياتنا اليومية في المنازل وفي المساجد وفي المؤسسات التعليمية والثقافية وحتى التجارية، وهو طبيعة من طبائع البشر ينبغي أن يستثمر في التأسيس نحو استراتيجية التعامل المتوافق في الدعوة والنصح والحوار، وتوجيهها الوجهة السليمة التي تخدم أهداف المملكة وثوابتها وقيمها الشرعية وسد ثغرات الخلافات المؤدية للاختراق من الأعداء، ومكافحة العصبيات والنعرات والغلو والتطرف وقبول حقيقة التنوع الفكري والمذهبي دون صراع بين التوجهات المختلفة.
إن هذه الرؤية والفلسفة كادت أن تضع لها قاعدة مقبولة ومنطقية في اللقاء الأول للحوار الوطني، لكن اللقاءات التالية تجاوزت الهدف والفلسفة إلى التركيز على قضايا ومشكلات اجتماعية متنوعة منحت الفرصة فيها لمجموعة منتقاة من أعضاء الحوار دون معيارية شفافة في الاختيار وذلك للبحث عن أسباب تلك القضايا والمشكلات واقتراح بعض الحلول لتلافيها!! وإلى هنا يمكن تفهم أسباب عدم المضي في تطبيق فلسفة المركز من أجل تحقيق رؤيته بنفس النهج الذي كان عليه في اللقاء الأول، كما يمكن تفهم عدم شفافية المركز في الإفصاح عن معايير انتقاء الأعضاء، على الرغم من أنني شرفت بأن أكون أحد الأعضاء في أحد اللقاءات، لكننا لا نكاد نفهم ماذا ستفيد هذه اللقاءات إذا ما انتهت إلى توصيات غير ملزمة التنفيذ للجهات المختصة، وما فائدة العدول عن المنهج الذي تبناه المركز عند تأسيسه وترجمته عمليًا في اللقاء الأول.
إن المتابع لما أصدره المركز من مطبوعات تتضمن نتائج لقاءاته السابقة ليعجب من استمرار نفس المشكلات حتى اليوم مما يدل على أن الجهد المبذول والميزانيات المصروفة لم يكن لها المبرر العلمي المقبول ما دامت توصياتها لم تؤثر في تغيير السياسات والاستراتيجيات والمنهجية في الجهات القائمة على موضوع القضية المتناولة والمتحاور حولها ، وأجزم أنه لو أعاد المركز الحوار بأسلوبه الحالي المنحرف عن الفلسفة والرؤية حول قضية من القضايا السابقة لخرج بما يثبت أن الوضع كما كان عليه عند تناوله سابقًا وربما أسوء مما كان عليه ، فالأمر يستوجب التقييم لجهود المركز بعد لقائه الأول، ويتطلب الأمر إعادة النظر في المنهجية والأسلوب واختيار الموضوعات والقضايا وفي المعايير إن وجدت لاختيار الأعضاء وفي أسلوب متابعة التوصيات التي تتمخض عنها جهود المركز وحوارات أعضاء الحوار، فكل جهد لا يؤتي ثمرته فأولى بالقائمين عليه تغييره أو تطويره إلى ما يحقق أهدافه.
إنني ممن يؤمن بأن الحوار الوطني مشروع رائد إذا ما ركز على هدفه لتحقيق بناء اللحمة الوطنية بين أفراد المجتمع السعودي واحترام التنوع الفكري والمذهبي ، وإذا ما أسهم فعليًا بنتائجه في التغلب على التعصب الفكري والمذهبي وإثارة النعرات الطائفية والقبلية بما يساعد على تمازج الرؤى والأفكار لدى المواطنين في اتجاه البناء والتعاون على قبول الاختلاف والتنوع ، ولهذا فأنني أحلم كغيري من الحالمين بغد لا ينبذ فيه بعضنا بعضًا بسبب اختلاف في الفكر أو في المذهب أو في السياسة أو المنهجية للتعامل مع مقومات الدين والحياة والبيئة والعمل ، وأن نكون أخوة في الإنسانية وفي الدين وفي الوطن نسعى لتحقيق هدف البناء والمشاركة في التنمية بمساحة من الحرية المنضبطة، وتنافسنا يقوم على المعيارية والشفافية والاحترام المتبادل ، ودليلنا جميعًا في ذلك القيم الإسلامية النبيلة ، وأدعو القيادة الرشيدة والقائمين على مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني إلى الاتجاه نحو تقويم أعمال المركز ونتائجها من أجل تطوير سياساته وإجراءاته العملية بما يحقق الحلم والرؤية”
واليوم أجدني وأنا أرغب في التعبير عن رأيي بشأن نشاطات المركز التي هدأت جذوتها وبردت عزيمتها والتعبير عن رأيي تجاه ما آل إليه وضع المركز بعد سنوات قليلة من تأسيسه وتجاه ما اتجهت إليه أهدافه ونشاطاته المعاصرة أكاد لا أزيد على ما دونته من رأي قبل إحدى عشر عامًا سوى الدعوة المتجددة للقائمين على المركز إلى إعادة الحراك في الأجزاء التي سكن الحراك فيها، وتبني أنشطة متجددة لنشر ثقافة الحوار الوطني وتأكيد حرية الرأي والوسطية المنضبطة وتوظيف وسائل الإعلام الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعي لتحقيقها، وقد يتبنى المركز خطة استراتيجية متوسطة المدى في ضوء رؤية الوطن 2030 ورؤية بعيدة المدى تضمن استمرار عملياته لتحقيق الأهداف المنشودة بعمل مؤسسي لا يتأثر بتغير القيادات أو تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية ، فالحاجة إلى مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني من وجهة نظري المتواضعة لاتزال قائمة بل ملحة أكثر منها عند تأسيسه خاصة مع انتشار المؤثرات الثقافية المعاصرة في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجديد والتي وصل تأثيرها لكل أفراد المجتمع صغارًا وكبارًا وأثرت في إحداث تحولات مقلقة على الثقافة العامة واللحمة الوطنية والأمن الفكري بشكل عام مما يتطلب استخدام أدوات الحوار الوطني لترشيدها والتقليل من أخطارها على الفرد والمجتمع . والله الموفق.