الوقفة الثالثة والأربعون : عمدة البناية رقم 11 في المجموعة 12
في مطلع العام الهجري 1412هـ انتقلت مع أسرتي الصغيرة إلى السكن الأول الذي تملكته عن طريق الشراء خارج حدود قريتي بعد أن بعت الاستراحة التي أنشأتها في ذهبان وبعت حصصي في الأنشطة التجارية في بيادر ومحل الحلويات التي زاولتها غير متفرغ في السنوات السابقة ، وبعد أن هيأت الشقة التي اشتريتها في الإسكان العام الجنوبي بمدينة جدة في البناية رقم 11 في المجموعة الثانية عشر وزودتها بالأثاث المطلوب سكنتها بفضل الله تعالى مع أسرتي .
وبدأت مرحلة تطبيق مبادئ التعاون والتكافل مع الجيران بدرجة أكثر مما كانت عليه قبلا ، فالعمارة التي تقع فيها الشقة الجديدة تتكون من ثمانية أدوار في كل دور منها ثلاث شقق وذلك يعني أهمية التعاون الجاد مع الملاك والمستأجرين في أربع وعشرين شقة ، وقد كان أحد الجيران قد انتخب من السكان السابقين لنا في السكن بالعمارة كعمدة للعمارة يتابع متطلباتها ومتطلبات السكان والإشراف على أعمال الصيانة الدورية للمرافق العامة مثل خزانات المياه والمصاعد الكهربائية والنظافة ومتابعة توافر المياه والتزويد وعقد الاجتماعات الدورية لسكان العمارة وتنظيم الأنشطة الاجتماعية المختلفة .
وبعد انقضاء العام الأول تم انتخابي من قبل سكان العمارة في الدورة التالية عمدة للعمارة بعد الاتفاق الجماعي على تدوير العمودية على المتملكين للشقق في العمارة ، وكانت المدة التي عالجت فيها مع بقية السكان مشكلة تكرار انقطاع المياه عن السكان لصغر الخزانات الأرضية وعدم ترشيد السكان في استهلاك المياه وضعف التزويد من شبكة المياه الوطنية آنذاك، حيث قمنا بإنشاء خزانات أرضية إضافية وقمنا بتوعية الجيران لترشيد استخدام المياه وقد نجحت الخطة بالتزام الجيران في المساهمة في المشروع وفي تطبيق المعلومات والإرشادات ولم تنقطع المياه بعد ذلك عن سكان عمارتنا بعد ذلك ولله الحمد ، ومما أذكره في تلك المدة تأسيسنا للجنة شرفت بعضويتها للمجموعة الثانية عشرة تولت إقامة مجموعة من المشروعات الاجتماعية والأنشطة الثقافية وإقامة احتفالات العيد لسكان المجموعة وكان لها أثر إيجابي ولله الحمد في توثيق عرى المودة والمحبة والصداقة بين سكان المجموعة بأسرها وقد نافس المجموعة في ذلك بقية المجموعات الأخرى في الإسكان العام وظهرت الأنشطة الاجتماعية بشكل أكثر تنظيمًا وأفضل أثرًا بعد ذلك .
وأذكر أن أحد الجيران في العمارة قدم لنا مقترحًا في إحدى اجتماعاتنا يخفف من إزعاج تنقيط المكيفات فوق بعضها البعض نتيجة لرطوبة أجواء مدينة جدة وقلة كفاية بعض المكيفات المستخدمة من بعض الجيران من سكان العمارة مما يؤذي سكان الأدوار السفلى، ولم يكن الإسكان مزودًا في الأصل بما يتلافى هذه المشكلة ، وبالفعل تم حساب تكلفة المشروع وتكليف المقاول لتنفيذ الأحواض المصرفة عبر الأنابيب تحت كل مكيف بالعمارة ، وأذكر أن هذا المشروع الذي تبناه السكان بناء على مقترح الجار وقاموا بتمويل تنفيذه ساهم إلى حد كبير في تصريف تسربات المكيفات بشكل جيد لكننا ما لبثنا وقتًا طويلا حتى بدأت تظهر لنا مشكلة جديدة تتمثل في استعمار طيور الحمام لبعض تلك الأحواض التي يوجد بينها وبين المكيفات فتحات تسمح للحمام بالتعشيش فيها مما أثر على كفاءة المشروع السابق وأحدث مشكلة إزعاج الحمام بهديله المتكرر تحت المكيفات ، وقد حلت هذه المشكلة في سنوات تالية بوضع سياجات حديدية على المكيفات وأحواضها ، ولعل المتابع يلاحظ أنني أتيت على بعض المواقف التي تجلت فيها صور التعاون والتكافل والمحبة والود بين السكان لتنفيذ بعض المشروعات المشتركة النفع ، وهو ما هدفت إليه في هذه الوقفة ، فقد تعلمت من تلك الفترة أهمية التعاون والتكافل بين الجميع لتنفيذ المشروعات المشتركة ولا بد من اقتناع الجميع من الناتج الإيجابي الذي يصل نفعه إلى كل المستفيدين ، وعلى الرغم من أنني عملت في مجال القيادة التربوية التي تتطلب التضامن والتكافل بين منسوبي المؤسسة التربوية أيضًا ، إلا أنني من ممارستي العمودية في تجمع سكاني ولو كان مجرد عمارة تعلمت فيها واكتسبت منها مهارات قيادية أخرى تختلف من حيث الهدف والغاية والوسائل مع القيادة التربوية وإن حقق الله لنا فيهما نتائج نجاح متشابهة في بعض الأحيان .
ومن الجدير ذكره أن ذلك المشروع الإسكاني الذي انتقلت للسكن فيه نفذ ت منه حكومة الملكة السعودية العديد من النماذج في أكثر من مدينة منذ أكثر من خمسة عشر عامًا قبل أن يوزع على المواطنين للسكن فيه بديلا للقروض من صندوق التنمية العقاري وخلال تلك السنوات شاع بين أفراد المجتمع فشل المشروعات الإسكانية لعدم الإقبال عليها من قبل المجتمع لتهيبهم من نوع الحياة الاجتماعية في تلك التجمعات السكانية وحتى الفلل التي نفذت في بعض المدن عانت من الهجر والإهمال من قبل الجهات المعنية ، إلى أن فتح الله على المعنيين بفتح المجال للراغبين للسكن فيها للانتفاع بها، ولم أكن من بين ممن حصلوا على ميزة استبدالها بالقرض التنموي ولكنني كنت ممن استثمر بالشراء بعد أن سهلت إجراءات نقل القروض للمشترين ، وقد استمريت في ذلك الإسكان إلى أن انتقلت للسكن في مدينة الرياض وكنت أؤوب إلى شقتي في الإسكان مع أسرتي في كل صيف حينما أوفدت للعمل خارج الوطن العزيز ، ولا يزال تواصلي وتواصل أفراد أسرتي مع بعض الجيران قائمًا ولله الحمد .
ونصيحتي للجهات المعنية بالإسكان التنموي في بلدنا العزيز سرعة تنفيذ مشروعات الإسكان المقررة ضمن خططها الإستراتيجية ففيها بإذن الله تعالى حل منطقي لتوفير الإسكان الملائم للأسر الوطنية وتخفيض نسبة غير المتملكين للمساكن في وطننا العزيز ، وعدم التوقف عن تنفيذ المزيد منها لمقابلة النمو السكاني المستمر فما الدول التي اعتمدت مثل هذه المشروعات بأفضل حالا اقتصاديًا من بلدنا المعطاء وعلينا التخلص من بعض التراث والعادات الاجتماعية التي تعطل الانتفاع من مثل هذه المشروعات التنموية الناجحة . والله الموفق والمستعان .،،،