الوقفة الرابعة والعشرون : إلى مكة المكرمة للدراسة الجامعية
بعد أن تخرجت في المعهد العلمي بمدينة الطائف في العام الهجري 1398هـ اتجهت أنظارنا نحن الخريجين من المرحلة الثانوية نحو فرص التعليم الجامعي المتاحة ولم يكن بمدينة الطائف آنذاك مؤسسة تقبل خريجي المرحلة الثانوية سوى كلية متوسطة تتبع وزارة المعارف آنذاك.
وكان لا بد للراغبين في الحصول على شهادة البكالوريوس أو الليسانس في العلوم الأدبية أن يتجهوا إلى مدينة مكة المكرمة حيث فرع جامعة الملك عبدالعزيز شطر مكة أو الاتجاه نحو مدينة جدة حيث المقر الرئيس لجامعة الملك عبدالعزيز ، أو الاتجاه إلى مدينة الرياض للالتحاق بجامعة الرياض آنذاك والتي أصبحت فيما بعد جامعة الملك سعود أو الالتحاق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، ولمن يرغب الالتحاق بالكليات العسكرية المتواجدة في مدينة الرياض ، وكانت الفرص المتاحة لخريجي المعاهد العلمية أقل من خريجي الثانوية العامة حيث لابد لنا نحن خريجي المعاهد العلمية من الاختيار بين الالتحاق بالكليات العسكرية في مدينة الرياض أو الالتحاق بالكليات الأدبية التابعة للجامعات في كل من مكة المكرمة وجدة والرياض وغيرها من المدن .
وحيث كنت ممن يرغب في مواصلة دراسته الجامعية والدراسات العليا بعدها فقد وقع اختياري على جامعة الملك عبدالعزيز شطر مكة المكرمة لقربها من مقام أسرتي في مدينة الطائف ولتوفر بعض التخصصات الأدبية في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية التي تقبل خريجي المعاهد العلمية .
وفي صيف عام التخرج حيث فتحت أبواب القبول في الجامعات تقدمت بطلب الالتحاق بالجامعة في قسم الحضارة والنظم الإسلامية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية وتم القبول ولله الحمد ، وبدأت رحلة التعليم والتعلم الجامعي مع مطلع العام الدراسي 1399هـ ، وكان يوفر للطلاب المغتربين الدارسين في الجامعة سكن جامعي مجاني ، وقد صنفت من بين الطلاب المغتربين المخصص لهم السكن الجامعي في سكن عبدالله كمال – وهي بناية من ثلاثة أدوار يتوسطها فناء تقع في حي العزيزية بالقرب من الجامعة الواقعة في نفس الحي– وتختلف مساحات الغرف في البناية المبنية بنظام الشقق بحيث تستوعب بعض الغرف سريرين وبعضها تستوعب ثلاثة أسرة وقليل من الغرف تستوعب أربعة أسرة أو خمسة أسرة ، وقد كان نصيبي في الغرف ذات المساحة المستوعبة لأربعة أسرة .
وكان المشرف على السكن آنذاك يتيح للطلاب المغتربين أن يتخيروا زملائهم في السكن متى اتفق العدد الذي تستوعبه الغرفة المرغوبة، وأذكر أنه كان لي ثلاثة من الزملاء رحم الله من مات منهم ووفق الأحياء إلى كل خير اتفقنا أن نكون في غرفة واحدة وبالفعل تحقق لنا طلبنا وسكنا في سكن عبدالله كمال الذي يسكنه مجموعة من الزملاء في غرف أخرى ، وبدأت رحلة التعليم الجامعي مع أنظمة التسجيل وفق نظام الساعات بالطرق التقليدية قبل أن تشيع بعد تخرجنا الطرق الإليكترونية ، فكنا نتسابق على بناء الجداول وفق الخطط الدراسية لأقسامنا وكلياتنا واختيار المجموعات وحجز كروت التسجيل فيها حيث الازدحام الشديد مع الطلاب المسجلين في بداية كل فصل دراسي ، وقد نضطر إلى تغيير الجداول والمجموعات لأكثر من مرة بإشراف المشرف الأكاديمي لإغلاق المجموعات التي اخترناها قبلا ، نظرًا لاكتمال الأعداد المطلوب تسجيلها في كل مجموعة ، ورغم أن هذه الطريقة في التسجيل تعتبر حديثة على المستجدين من الطلاب إلا أننا ما لبثنا أن أتقنا أساليبها وإجراءاتها وكانت تساعدنا بالفعل على اختيار المقررات واختيار المجموعات واختيار الزمن الملائم لظروفنا ورغباتنا.
بعد مرور فصل دراسي كنا فيه نتنافس على الحصول على أفضل الدرجات في المواد المسجلة رغبة في الحصول على معدل تراكمي مرتفع يتيح لنا التسجيل بعبء دراسي أكبر ويكون قاعدة لمواصلة التميز والتفوق الدراسي أحسست بأن السكن مع المجموعات يعطل من طموحاتي في المنافسة على المراكز الأول على مستوى الجامعة ، فاتفقت مع أحد الزملاء في التخصص من المقيمين في مكة المكرمة ليسجل معي طلبًا جديدًا في السكن بالغرف ذات السريرين وبذلك تتحقق لي رغبتي في السكن بمفردي في غرفة واحدة حيث يقيم الزميل مع أهله ، وبالفعل تحققت الرغبة وسكنت في السكن ذاته ولكن منفردًا في غرفة بالدور الأرضي ، وزاد في ذلك العام تنافسنا نحن الزملاء على تحقيق نتائج أفضل ورفع معدلاتنا بما يحقق لنا درجة الشرف الجامعية ، وفي هذه الفترة كنت قد انتهيت مما أعتقد بأنه يصلح لأن يكون ديوان شعر يقبل النشر ، وكان الزملاء عند استماعهم لقصائدي يحفزونني على الاستمرار في قرض الشعر ويؤكدون امتلاكي لبعض مهارات الشعراء .
نصحني أحد الزملاء أن انتمي لعضوية النادي الثقافي بمكة المكرمة والذي لا يبعد مقره عن مقر الجامعة ومقر السكن الجامعي كثيرًا وهو يقع في نفس الحي ، وفي نهاية العام الجامعي انتسبت لعضوية النادي الثقافي في الوقت الذي كان يرأسه الأديب الشاعر إبراهيم فودة رحمه الله تعالى ، ومنحت لي بطاقة العضوية وفتح لي مجال الاستفادة من إمكانات النادي المتواضعة آنذاك وهي عبارة عن قاعة مكتبة وقاعة أنشطة رياضية متنوعة ، وقاعة اجتماعات ومسرح مفتوح ، وترددت على مكتبة النادي كثيرًا وتعرفت على زملاء وأصدقاء لديهم بعض الميول الأدبية والثقافية ، وكان لي موقف لا أنساه مع المغفور له بإذن الله تعالى رئيس النادي عندما عرضت عليه ما اعتقدت حينها بأنه ديوان شعر يستحق النشر ، ولعلي في وقفة أخرى أصف ذلك اللقاء وما نتج عنه من قرارات غيرت مفاهيمي نحو الثقافة والإنتاج الثقافي على وجه العموم .
لقد كانت السنة الجامعية الأولى مليئة بالمواقف والأحداث التي أذكر الكثير منها ولو وقفت عند كل منها لأسجل ذكرياتي فيها لما كفاني في ذلك مجلدات ولكني سأختار في وقفاتي هذه ما كان فيه درس معلم أو حكمة ينبغي نقلها للاستفادة من مثلها للجيل المعاصر وجيل المستقبل ، ولعل أولادنا المقبلين على التعليم الجامعي يقبلون عليه بمحبة ورغبة وتنافس على تحقيق أفضل النتائج ، وليحمدوا الله تعالى على ما أنعم عليهم به من نعم التعليم المجاني وتطور الجامعات وخدماتها المتنوعة بما يتيح لهم التعليم والتعلم بجودة أفضل وبوسائل وتقنيات متطورة . والله الموفق والمستعان .،،،
ماشاء الله تبارك الله ، ذاكرتك يادكتور طيبة ، وليتهم يعيدون بعض الأنظمة الجامعية ، فقد كنّا نبذل جهودا كبيرة من اجل التعلم ، اليوم صارت الجامعات مثل المدارس المتوسطة والثانوية ، ومكتبات الجامعات لا تكاد ترى مرتاحين لها من الطلاب والمدرسين في الجامعة ، تغير الحال وغلبت التقنية والله العالم ماذا يحدث في المستقبل بعد الجامعات الاليكترونية ، عموما وقفاتك تاريخ مشرف وفيها من الفوائد ما ينفع المتابعين الله يزيدك من الفضل . تقبل مروري وتعليقي رعاك الله .
هذه مما كان فيه درس معلم أو حكمة ينبغي نقلها للاستفادة من مثلها للجيل المعاصر وجيل المستقبل ، ولعل أولادنا المقبلين على التعليم الجامعي يقبلون عليه بمحبة ورغبة وتنافس على تحقيق أفضل النتائج ، وليحمدوا الله تعالى على ما أنعم عليهم به من نعم التعليم المجاني وتطور الجامعات وخدماتها المتنوعة بما يتيح لهم التعليم والتعلم بجودة أفضل وبوسائل وتقنيات متطورة . والله الموفق والمستعان
اجدت وابدعت ،،،،، مسيره ووقفات تزخر بالعطاء
بالجهد ،،، بالصدق والوفاء
كم نتمنى جيلاً يأتي مثل حيلك الذي مضى وفقت وزادك الله علما