الوقفة السابعة والعشرون : الشاي بماء زمزم اضطرارًا
في موسم حج العام الهجري 1399هـ أعلنت الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين وظائف مؤقتة للطلاب الجامعيين تبدأ من منتصف شهر ذي القعدة وتمتد إلى العشرين من شهر ذي الحجة بمكافآت ليست بالمغرية كثيرًا لكنها للطلاب الجامعيين من مثلي تعتبر فرصة جيدة لزيادة الدخل والوفاء بمتطلباتنا واحتياجاتنا الضرورية أيام الدراسة الجامعية .
وقد أقبلت مع من أقبل على تلك الوظائف المؤقتة ، وسجلت مع المسجلين فيها منذ أوائل شهر ذي القعدة ، وقد صنفني القائمون على التوظيف المؤقت آنذاك على وظيفة مرشد متابع للمطاف ، ووجهت للعمل اليومي الممتد في الفترة المسائية من بعد صلاة العصر إلى منتصف الليل اعتبارًا من منتصف شهر ذي القعدة من ذلك العام ، وحددت لنا الإدارة المعنية بتوزيع الموظفين المؤقتين المكتب الذي يقع في باب الفتح مقرًا لانطلاقنا في عمليات التسليم والاستلام حيث يوجد مجموعة أخرى تتسلم مواقعنا من بعد صلاة الفجر إلى صلاة العصر وغالبيتهم من الموظفين الرسميين في الرئاسة وبدأنا العمل فعلا منذ منتصف شهر ذي القعدة بعد تسلم مهام العمل .
وكانت مهام العمل تتمثل في متابعة المطاف ومنع المتسولين من تعطيل حركة الطائفين ومنع المطوفين غير المرخصين من ممارسة مهنة تطويف الحجاج والتنسيق مع رجال أمن الحرم في ذلك وفي حالة اكتشاف لصوص أو الاشتباه بهم ، والمساعدة في تنظيم الطائفين ومنع ما يسبب الزحام والاختناقات في محيط المطاف ، وقد سلمت لنا معاطف بيضاء تمتد إلى ما تحت الركبة وعلى الصدر والظهر منها شعار الرئاسة ، كما سلمت لنا بطاقات الانتساب التي ينبغي علينا ارتدائها خلال مدة العمل وتركت لنا الحرية في اختيار الزي السعودي المقبول فيما عدا ذلك ، وقد بدأت العمل كغيري من الموظفين المؤقتين بحماسة كبيرة وخاصة وأن هذه الوظيفة يتاح لنا معها أداء ثلاثة فروض مع جماعة المصلين في الحرم المكي إلى جوار الكعبة المشرفة .
ومما أذكره من المواقف الطريفة أثناء تأديتي لتلك الوظيفة المؤقتة ، أن المشرف علينا مر على المكتب الذي كنا فيه نوقع للاستلام والخروج من العمل في باب الفتح ، ونحن الزملاء في العمل متحلقين حول براد شاي ونتبادل الحديث حول المواقف التي حدثت لنا في العمل ، فطلب فنجان شاي فأعطيناه ، فلما ذاقه كاد أن يمجه وتساءل مستنكرًا من أعد هذا الشاي ؟ فقلت بثقة : أنا حفظكم الله ، فكرر سؤاله : ولماذا هذا الطعم ؟ ماذا فعلت ؟ فقلت : لم أفعل محرمًا بإذن الله فقد جلبت ماء زمزم لصناعة الشاي عندما لم أجد في جالون الماء بالمطبخ ماء حلوًا ، فقال متعجبًا : هذه المرة الأولى التي أذوق فيها الشاي بماء زمزم ، وتساءل : وكيف تستسيغونه بهذا الطعم ؟ ماء زمزم لا يصلح للشاي فله مزايا خاصة وتركيبة مختلفة عن المياه العادية ، فقلت : لعلنا حفظكم الله في المرة القادمة نعد الشاي بغير ماء زمزم لكننا للحاجة للشاي سنكمل شرب ما أعددناه ، فالتفت إلى الزملاء وهم يضحكون ، وكأنهم عرفوا ما يريد أن يسألهم أياه ، فقال أحدهم : لاحظنا الفرق حفظكم الله ولكننا قبلنا الشرب من شاي الأخ سعود لمجاملته وشكر صنيعه .
لقد كان المطاف يزداد تزاحمًا كلما أقبلنا على عشر ذي الحجة وكان العمل يتطلب جهدًا عاليا من التحمل والصبر وعدم مضايقة الطائفين كما كان يتطلب دقة الملاحظة وحسن المعاملة والإرشاد دون أذى ، وأذكر أنني كنت استمتع بذلك العمل لإتاحته الفرصة لي كي أطوف في اليوم الواحد أشواطًا كثيرة مع الطائفين حول الكعبة المشرفة ، وكنت ممن ينصح المخالفين في المرات الأولى والطلب منهم عدم تكرار مخالفاتهم ، وكان بعض الزملاء يطالبونني بالإمساك بالمخالفين وتسليمهم لرجال الأمن في الحرم المكي الشريف ، لكنني لم أكن أفعل ذلك إلا مع المتكررين في المخالفة وقليل ما وجدت من يعود للمخالفة بعد النصح والإرشاد ، وقد تعلمت من ذلك العمل المؤقت الكثير من الدروس والحكم حيث قد أتيح لي فيه التعرف على شخصيات كثيرة من العاملين في الحرم والحجاج والمعتمرين وتبادلت الكثير من الخبرات مع الزملاء في العمل والعاملين في الأمن ، وزاد تعلقي بالبيت العتيق وبالحرم المكي الشريف فلم أنفك عن الحرم بعد تحريره من فتنة جهيمان إلا نادرًا ، حيث كنت أقبل عليه كثيرًا للعمرة أو للطواف أو لأداء بعض الصلوات والمذاكرة في أروقته المتعددة ولله الحمد .
لم أكرر تجربة العمل المؤقت في الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين في الأعوام التالية حيث أتيح لي العمل في موسم حج العام التالي سكرتيرًا للمطوفين إبراهيم وحسين المنصوري قبل أن تؤسس مؤسسات الطوافة الحالية ، وقد رافقت الأخ العزيز حسين بن إبراهيم المنصوري في تنفيذ الكثير من عمليات الحج من استئجار الدور واستئجار السيارات والحافلات وتفويج الحجاج والإشراف على أعمال الحج إضافة لعملي سكرتيرًا لتسجيل الحجاج وحفظ جوازات سفرهم ، وقد كان مقر عملي في مكتب المطوفين بحي القرارة وهو موقع لا يبتعد عن الحرم المكي كثيرًا حيث نؤدي الصلوات أثناء العمل في الحرم المكي الشريف دخولا من باب الفتح، حيث كنت أتذكر عند المرور به مواقف العمل السابق وبراد الشاي من ماء زمزم .
ولعلي في هذه الوقفة أدعو الشباب من قراء وقفاتي إلى السعي لاستثمار أوقاتهم بما يزيد من كفاءتهم وخبراتهم وينمي شخصياتهم فقد استفدت والكثيرون من جيلي بتلك التجارب والأعمال المؤقتة في مواسم الإجازات الصيفية ومواسم الحج ما أكسبنا الكثير من المهارات والكفايات والخبرات المتنوعة ، وزادت من إصرارنا على النجاح والتفوق وفق طاقاتنا وقدراتنا ، ولا أذكر أن أحدًا من الزملاء من جيلنا إلا وقد حقق نجاحًا خاصًا به فمنهم اليوم من هو أستاذًا جامعيًا أو عسكريًا برتبة عليا في الأمن أو الجيش أو معلمًا مكافحًا ناجحًا في عمله ، أو رجل أعمال متميز ، ذلك جيلنا المكافح فهل سنرى من الأجيال المعاصرة والأجيال المستقبلة من يحمل الأمانة وقيادة الأمة إلى ما ترجوه وتتمناه ، ندعو الله أن يبارك في أولادنا وأحفادنا ليحافظوا على أمن بلادنا واستقرارها ونمائها وتطورها . والله الموفق والمستعان .،،،
ههههههه
خلا ص انا اليوم اطلب شاي بماء زمزم واذوقه بطعمه المميز
اضحك الله سنك
ما اجمل طرائفك ومواقفك ومشوارك العام والتربوي رعاك الله وسددخطاك
تقبل وارف التحيه
ابو سامي