الوقفة السابعة والثلاثون : رئيسًا لقسم العلوم الإدارية والاجتماعية
بعد أن أكمل المقاول مبنى ثانوية فلسطين بجدة الواقع في حي مشرفة في مجمع مدارس حديث لكل المراحل في العام الدراسي 1405هـ أشرفت مع إدارة المدرسة آنذاك التي آلت إلى الأستاذ يوسف نحاس رحمه الله تعالى ووكيله الأستاذ عطية الصبحي وفقه الله تعالى على عمليات الانتقال للمبنى الجديد ،
ولم تكن المدارس الحديثة تجهز بغير معامل العلوم وكانت مقاعد الطلاب التي في حوزة المدرسة في مبناها المستأجر بحي الكندرة تالفة أو شبه تالفة مما اضطرنا إلى اللجوء إلى بعض المدارس المتوسطة والثانوية لنقل عهد بعض المقاعد الأفضل حالة وصلاحية ، وأذكر أنني راجعت مستودعات إدارة التعليم وأكثر من عشرين مدرسة لأحصل على ما يقارب المائة مقعد بطاولاتها ، ولم يكن بينها جديدًا إلا ما حصلت عليه من ثانوية الفيصل ولا تزيد عن عشرين مقعدًا بطاولاتها ، وقد كان المبنى الجديد من فئة نموذج الأربعة وعشرين فصلا إضافة إلى المرافق المتعلقة بالمعامل والمقصف والمسرح والمكتبة وغرف الإدارة والمعلمين .
وفي العام التالي وفي ظل إحلال نظام الثانويات المطورة مكان الثانويات التقليدية كلفت إدارة التربية والتعليم الأستاذ أنس أبو داؤد مديرًا لثانوية فلسطين المطورة وضم لها المبنى المجاور لها وتشكلت الأقسام وفقًا للهيكل الإداري للثانويات المطورة ، وكلفت أنا من إدارة المدرسة آنذاك برئاسة قسم العلوم الإدارية والاجتماعية ، واجتهدت مع الزملاء أعضاء مجلس إدارة الثانوية من الإداريين ورؤساء الأقسام في منافسة الثانويات الأخرى بمدينة جدة في وقت كان التنافس على أشده للتميز والتفوق والإبداع والبروز ، ووصل تعداد الطلاب في المدرسة إلى ما يزيد عن ألف طالب ، وشهادتي التي أسجلها للتاريخ عن تلك الفترة أن أفضل ما اكتسبته من خبرات إدارية وتنظيمية كان في عهد إدارة الأخ العزيز أبي مالك الأستاذ أنس أبو داؤد وفقه الله ، وقد من الله علي خلالها بتبادل الخبرات مع قيادات تربوية مميزة من وكلاء ومرشدين ورؤساء أقسام ومعلمين لا يزال تواصلي مع الكثيرين ممن لا يزالون أحياء منهم ورحم الله المتوفين وألحقنا بهم من الفالحين ، وفي ظل التنافس على تجويد العمل التربوي والتعليمي في المدرسة فقد عملت مع مجموعة من طلاب المدرسة بجهود ذاتية على تأسيس متحف ومعمل للعلوم الاجتماعية مكتمل التجهيزات كان علامة بارزة في ثانوية فلسطين، زاره الكثير من الإداريين والمشرفين التربويين وطلاب المدارس الثانوية المنافسة وعبروا عن إعجابهم الشديد بمحتوياته وبأساليب التدريس الحديثة التي استخدمناها من خلاله ، وقد ساعدت طبيعة النظام المطور على استثماره من قبل جميع الزملاء في التخصص ، حيث كانت مقرات المعلمين ثابتة في النظام والطلاب ينتقلون إليها للتعليم والتعلم وفقًا لجداولهم التي يسجلونها بأنفسهم بما يتوافق مع قدراتهم ومستوياتهم ومعدلاتهم التراكمية في ظل النظام المطور القائم على نظام الساعات المشابه إلى حد بعيد نظام الساعات في التعليم العالي آنذاك في الكثير من الجامعات السعودية .
ومن المواقف التي أذكرها جيدًا زيارة مدير الإشراف التربوي في إدارة التعليم آنذاك القائد التربوي القدير والمربي الفاضل الأستاذ راضي الجهني وثنائه العطر على الجهود التي بذلتها مع الطلاب لتجهيز ذلك المعمل وتوصيته لإدارة المدرسة للاستفادة من خبراتي في الإدارة المدرسية ، ولم تمض مدة طويلة أثر تلك الزيارة حتى عرض علي الأخ الأستاذ أنس أبو داؤد وكالة القبول والتسجيل في المدرسة وصدر قرار مدير عام التربية والتعليم في المنطقة الغربية آنذاك الدكتور عبدالله الزيد وفقه الله بتكليفي وكيلا للقبول والتسجيل بثانوية فلسطين بعد أن كلف الوكيل السابق الأستاذ حامد البلوي مديرًا لثانوية جرير ، وقد استقبلنا في وقت لاحق مدير عام التربية والتعليم الدكتور الزيد في أحد الاحتفالات الختامية للأنشطة المدرسية واطلع وفقه الله على المعمل بمرافقة الأستاذ راضي الجهني وأيد ترشيح المدرسة وإدارة الإشراف التربوي بتكليفي وكيلا للمدرسة .
لقد كانت تلك الفترة التي عملت فيها رئيسًا للقسم متزامنة مع فترة عملي على دراسة تجريبية لتطبيق الحقائب التعليمية لدراسة مقرر ” جغرف 1″ مقرر الجغرافيا المستوى الأول ، ضمن مشروع الماجستير وكان ذلك المعمل هو المكان المناسب لتطبيق تلك الدراسة على العينة التجريبية في البحث والتي تم اختيارها بالطرق العلمية من طلاب ثانوية فلسطين وقد حققوا بالفعل نتائج مبهرة ومتفوقة بدرجات كبيرة عن العينة الضابطة التي اختيرت من مدرسة ثانوية أخرى تدرس نفس المقرر المستهدف بالطرق التقليدية ، وأذكر شغف الطلاب بالطريقة الجديدة القائمة على التعلم الذاتي متعدد المصادر وازدياد الطلب بعد تنفيذ التجربة من الكثير من الطلاب لتطبيق التجربة معهم في دراسة ذلك المقرر وهو مقرر إجباري لجميع طلاب الثانويات المطورة ، وقد استجبت بالفعل لأكثر من مجموعة في الفصل الدراسي الثاني من عام 1408هـ وطبقت معهم طريقة الحقائب التعليمية ،وحققوا نتائج تقترب كثيرًا من نتائج العينة التجريبية التي اعتمدت نتائجها في البحث ولله الحمد والمنة .
ولعلي في هذه الوقفة أشير إلى أهمية العناية بالتطوير والتحديث ومواكبة المستجدات في النظريات التربوية وأساليب التدريس وأهمية إشراك الطلاب خاصة في المرحلة الثانوية من التعليم العام في التخطيط للتعليم والتعلم واختيار الأساليب المتوافقة مع قدراتهم وميولهم والعمل على تحسين البيئة التعليمية المعلمة فالأثر الذي تحدثه البيئة التعليمية في مستوى التعليم والتعلم كبير جدًا ، وقد وقفت على ذلك بالتجريب في معمل الاجتماعيات الذي شهد تطبيق تجربة التعليم بالحقائب التعليمية في ثانوية فلسطين ، ولذلك فإني أوصي المعلمين بالتجديد المستمر في طرائق التدريس بما يتلاءم مع خصائص المتعلمين ومشاركة الطلاب في التخطيط لعمليات التعليم والتعلم وتنفيذها وتقويمها لتحقيق مستويات أفضل في الجودة والنوعية والنتائج المستهدفة ، ومن البشائر الطيبة تبني وزارة التربية والتعليم قرار تعميم نظام التعليم الثانوي الجديد وأعتقد أن ثمرته ستكون بإذن الله تعالى أجود من النظام التقليدي الذي كان يطبق في التعليم العام ، ولي الشرف أن كنت من بين المخططين للنظام الجديد ومن المستشارين له إبان عملي في وزارة التربية والتعليم ، وأدعو الله أن يحقق الأمنيات ويرفع مستوى التعليم في وطننا العزيز إلى ما ننافس به الأنظمة التعليمية المتقدمة في جميع أنحاء العالم . والله الموفق والمستعان ،،،