الوقفة (55) : إلى أوزباكستان للإشراف على الاختبارات
في العام الميلادي 1998م وجهت وزارة المعارف آنذاك بعض المدارس السعودية في الخارج ومنها الأكاديمية السعودية بموسكو للاشراف على اختبارات الطلاب في بعض الدول القريبة منها ، وكانت الدول التي يتوافر فيها طلاب سعوديين آنذاك ممن يمكن اختبارهم تحت إشراف الأكاديمية دولة أوزباكستان ودولة كازاخستان وقد كلفت من قبل إدارة الأكاديمية بالإشراف على الاختبارات في دولة أوزباكستان بينما كلف زميل آخر للإشراف على الاختبارات في دولة كازخستان .
وكان من المطلوب إعداد الأسئلة ونماذج الإجابة من قبل المعلمين في الأكاديمية في التخصصات المختلفة للصفوف التي يتوافر فيها طلاب في الدولة الأخرى وتحتفظ الأكاديمية بنماذج الإجابة بينما اصطحب معي الأسئلة في أظرف مغلقة يتم فتحها عند بداية الاختبارات بمحضر يشاركني فيه أحد المكلفين من سفارة المملكة في البلد المستهدف ، وأذكر أن عدد الطلاب السعوديين المطلوب الإشراف على اختباراتهم كان في ذلك العام ثلاثة طلاب فقط هم أبناء القائم بأعمال السفارة السعودية في طشقند آنذاك الأستاذ يحيى الملاح وفقه الله ، وهم ابنه الأكبر في الصف الأول المتوسط ، وابنته الكبرى في الصف السادس الابتدائي ، وابنه الأصغر في الصف الرابع الابتدائي ، وقد كانت الاختبارات هي النظام المعتمد في صفوف المرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسطة قبل إقرار نظام التقويم المستمر في المرحلة الابتدائية ، وتؤمن الوزارة تذاكر الإركاب والانتداب وفق الأنظمة المالية ، وانتقالي إلى مدينة طشقند للإشراف على اختبارات الطلاب السعوديين فيها كانت هي المرة الأولى التي أزور فيها دولة أوزباكستان وأشاهد فيها المعالم الحضارية بمدينة طشقند وما حولها ، وقد جاءت الزيارة بعد تحرر دولة أوزباكستان من الاتحاد السوفيتي بما لا يزيد عن أربعة أعوام ، حيث التأثير الروسي كبير في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وفي الفكر بشكل عام ، ومما أذكره جيدًا في تلك الزيارة ذلك الاستقبال الكريم والحافل من الأخوة أعضاء البعثة السعودية في طشقند وفي مقدمتهم والد الطلاب الأخ العزيز الأستاذ يحيى الملاح ، وقد سكنت حينها في فندق الأنتركونتننتل وهو الأفضل على مستوى الفنادق المتوافرة في المدينة آنذاك وهو يطل على حديقة واسعة وبحيرة مائية فائقة الجمال ومدينة ألعاب وفي منطقة تجارية حيوية ، وقد وفرت لي السفارة المواصلات من الفندق إلى مقر السفارة حيث تجري الاختبارات للطلاب ، وقد وضعنا جدولا لإنهاء الاختبارات خلال أسبوع واحد بالتنسيق مع إدارة الأكاديمية ووالد الطلاب ، فكنت أشرف على اختبارات الطلاب خلال الفترة الصباحية ، وفي الفترة المسائية أقوم بجولات سياحية للتعرف على معالم مدينة طشقند ويصحبني فيها سائق السيارة التي خصصتها السفارة لتنقلاتي خلال مدة تواجدي في طشقند ، وأذكر أن السائق كان يعرف جيدًا التحدث باللغة العربية لسابق دراسته في جامعة الأزهر بجمهورية مصر العربية ، فلم أجد عناء كبيرًا في التفاهم معه باللغتين العربية والروسية التي أجدت منها ما يتيح لي التعامل بها في المحادثات البسيطة .
ومن المعالم الحضارية التي زرتها خلال تواجدي في طشقند آنذاك ميدان تيمور لنك التاريخي والمتاحف المتوافرة إلى جواره وحدائق البرج ومدينة الألعاب لينك بارك ، والبازار القديم في ضاحية القريتم ، والمسجد التاريخي والمركز الإسلامي والشلالات شرشرا ، والمطاعم الممتدة على النهر في وسط المدينة ، ومبنى الحكومة المركزي ومبنى الدوما وبعض الشواهد التاريخية الأخرى ، والمناطق الزراعية في اتجاه السد ، واستمتعت كثيرًا بالحمامات البخارية التركمانية والطاجيكية ، والحقيقة أن مدينة طشقند من المدن الغنية بالتراث والتاريخ الإسلامي كما هو الحال في مدينتي بخارى وسمرقند اللتان تقعان إلى الجنوب منها، وقد أتيحت لي الفرصة مرة أخرى لزيارة طشقند للمرة الثانية لنفس الهدف في نفس العام للإشراف على اختبارات الفصل الدراسي الثاني ولكنها لم تتجاوز حدود مدينة طشقند ، وقد زرت أوزباكستان لثلاث مرات تالية خلال الأعوام 2002و2005، 2007 م وقمت فيها بزيارة مدينتي بخارى وسمرقند وبعض المواقع الجبلية في ضواحي مدينة طشقند وبعض المواقع التاريخية التي لم أتمكن من زيارتها في رحلاتي الأولى .
ومن المواقف الكريمة التي سجلتها في الزيارتين الأولى والثانية ذلك الكرم الحاتمي لأعضاء البعثة السعودية في طشقند فلم تخلو ليلة من الليالي التي مكثتها بينهم دون الاستجابة لدعوة كريم من الكرماء وقد حملت معي الكثير من الذكريات الجميلة والصحبة الصادقة مع الكل ولا أزال أحتفظ لهم بذكريات ما قدموه من أياد بيضاء كريمة تثبت الصفة المشتركة لأبناء الوطن في الخارج ، وأدعوا الله أن يوفقهم ويرفع قدرهم .
أما المواقف الطريفة التي مرت بي تلك الدعوات المتكررة من الزملاء في السفارة لاستثمار انخفاض قيمة العقارات في ذلك الوقت حيث كانت الشقق في المنطقة المركزية لا تتجاوز أسعارها آنذاك العشرين ألف دولار أمريكي ، والشقق في الأحياء الأخرى تتراوح قيمها مابين خمسة ألاف إلى عشرة ألاف دولار أمريكي ، لكنني لم اقتنع بأهمية تملك عقارات في طشقند آنذاك ، والغريب أنني في زيارتي الأخيرة لأوزباكستان عام 2007م كانت قيمة الشقق قد ارتفعت لتصل في المنطقة المركزية إلى مائتي ألف دولار أمريكي وفي المناطق الأخرى بين المائة والمائة والخمسين ألف دولار أمريكي ، وكنت أقول للزملاء في تلك الرحلة لو كنت أطعت دعوات الزملاء في السفارة بالشراء في عام 1997م لربحت في هذا العام عند الرغبة في البيع أكثر من المائة وخمسين ألف دولار أمريكي للوحدة السكنية الواحدة ، ولو أنني اشتريت وفقًا لطاقتي وملائتي المالية آنذاك لربحت اليوم أكثر من مليون دولار أمريكي وهو ما يعادل مجموع ما تسلمته من رواتب من وزارة التربية والتعليم خلال ثلاثين عامًا ، لكن تجارة العقارات لها أهلها ، والإنسان لا يفارق نصيبه وقسمته ، والحمد لله رب العالمين ، ونصيحتي في هذه الوقفة لكل المحبين للتاريخ والآثار الإسلامية زيارة هذه الدولة الغنية بالآثار والمتاحف والمساجد التاريخية وخاصة في مدن طشقند وبخارى وسمرقند ، والله الموفق والمستعان .،،