الوقفة (61) : العودة من موسكو إلى الوطن العزيز
بعد انتهاء مدة إيفادي لإدارة الأكاديمية السعودية في موسكو بنهاية العام الهجري 1420هـ حزمت وأسرتي حقائبنا عائدين إلى الوطن الحبيب ، وقد قمنا بتغيير خطتنا السنوية لاستثمار أوقات الإجازة الصيفية لزيارة بعض الدول لصالح تكرار الزيارة إلى تركيا وبالفعل قمنا بقضاء أكثر من أسبوعين للسياحة في تركيا قبل العودة إلى الوطن العزيز ، ثم قفلنا عائدين إلى مدينة جدة حيث مقر السكن والعمل قبل الإيفاد ، وحمدت الله تعالى أن وفقني إلى تحقيق ما حققته من إنجازات ونجاحات علمية وثقافية وتربوية ، وعقدت العزم على إتمام مسيرة النجاح في الوطن العزيز .
ذهبت لمباشرة العمل في الإدارة العامة للتربية والتعليم بمحافظة جدة وكان قد صدر قرار تكليفي باالإشراف التربوي للإدارة المدرسية قبل إيفادي إلى موسكو بأيام ولم أتسلم القرار حينها وأجل تنفيذه إلى حين العودة من الإيفاد ، وكانت المفاجأة أن تغير الكثير من القيادات في إدارة التربية والتعليم وطوي القرار مع كثير من الأوراق المهملة في إدارة التربية والتعليم ، وبدأنا البحث عنه بعد أن فوجئت بتخييري بين إدارة مجموعة من المدارس من قبل مدير الإشراف التربوي آنذاك ، وأبلغته بالقرار المتضمن تكليفي مشرفًا تربويًا فطلب مني نسخة من القرار أو القبول بأحدى الخيارات المتاحة ، وعند مراجعة قسم الإدارة المدرسية وقد تغيرت قياداتها لأكثر من مرة خلال مدة إيفادي لم نعثر على معلومات لديها تدل على القرار ، فراجعت سعادة الأستاذ سليمان الزايدي وفقه الله وكان آنذاك مديرًا للتربية والتعليم ، فطلب مني مشهدًا من مشرفي الإدارة المدرسية السابقين وبعض منهم قد أحيل إلى التقاعد ، وأحضرت المشهد ممن تيسر لي مقابلته منهم متضمنًا تأكيدهم بصدور القرار سابقًا لاجتيازي المعايير المطلوبة قبل الترشيح ، فأحالني المدير العام إلى مساعده آنذاك سعادة الأستاذ مكي الحربي وفقه الله ، فوجهني لمباشرة عملي في قسم الإدارة المدرسية وكان يرأسه آنذاك سعادة الأستاذ عبدالمجيد البركاتي ، لكن مدير الإشراف التربوي لم يقتنع بالإجراءات وظل يطالب بالقرار أو إعادة الترشيح وتطبيق المعايير ، وفي ظل الضغط النفسي الذي حدث بتأخير إصدار قرار جديد يؤكد القرار السابق اخترت عرض الموضوع برمته على سعادة وكيل الوزارة للتعليم آنذاك معالي الدكتور خضر القرشي وفقه الله والذي عرض علي العمل مستشارًا بمكتبه في الوزارة ، وبعد استخارة واستشارة قبلت العرض وتم صدور قرار نقل خدماتي إلى جهاز الوزارة في الرياض مستشارًا لوكيل الوزارة للتعليم ، وهنا حدث التحول التام في مسيرتي العملية وترتب عليها انتقال مقر سكني وأسرتي إلى مدينة الرياض التي وفقني الله فيها لشراء سكن متواضع عبارة عن فيلا متوسطة في حي الجزيرة شرق الرياض .
لم استمر في عمل الإشراف التربوي أكثر من شهر لكنني كنت أحس بالانتماء للإشراف التربوي منذ أن كلفت بأعمال القيادة التربوية حيث كنت أمارس مهام المشرف التربوي المقيم ، وكان لي منهجية متفردة في استخدام بعض أساليب الإشراف التربوي المتنوع ، وقد ضمنت بعض مؤلفاتي رؤيتي حول الإشراف التربوي وأهمية تنويع أساليبه وطرقه وتسكينه في المدارس ، وقد أسهمت مع الزملاء في الإدارة العامة للإشراف التربوي بجهاز الوزارة إبان عملي مستشارًا لوكيل الوزارة للتعليم في وضع صياغة بعض الرؤى والإجراءات والتعليمات وأشرفت على إعداد أول دليل أصدرته وزارة التربية والتعليم لمديري المدارس وشاركت في إعداده ومراجعته وقدمت بعض المقترحات للزملاء الذين كلفوا بالإدارة العامة للإشراف التربوي بالوزارة خلال عملي فيها ومنهم سعادة الأخ الدكتور أحمد آل مفرح ، وسعادة الدكتور صالح الضبيبان ، وسعادة الدكتور راشد العبدالكريم ، وسعادة الدكتور غانم الغانم وفقهم الله جميعًا ، وكنت قريبًا من الكثيرين من منسوبي الإدارة العامة للإشراف التربوي مشاركًا باستمرار في الكثير من مشاريعهم وأنشطتهم ، وكنت خلال المدة التي تعاونت فيها مع الإشراف التربوي أتذكر ذلك الموقف الذي وقفه سعادة الأخ العزيز محمد بن عايد الحارثي مدير الإشراف التربوي في إدارة التربية والتعليم بجدة وفقه الله وكيف كان سببًا بإذن الله تعالى لتحول مساري نحو القيادة العليا في وزارة التربية والتعليم وأكرر دائمًا مع نفسي القول المأثور لعل في الأمر خيرة ، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرلكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون .
وقد من الله علي أثناء عملي في الوزارة أن شاركت في الكثير من المشروعات التربوية ولعلي في وقفة أخرى أصف بعضها والدور الذي أسهمت به في التنظير لها ، لكنني سأظل أتذكر تلك العلاقة المتينة مع معالي الأخ الدكتور أبي رافد خضر القرشي وفقه الله والذي لم يبخل علي بخبرة أو نصيحة أو توجيه وكان يحرص على إشراكي في الكثير من الدراسات المتعلقة بالمشروعات الجديدة والمقترحة في وزارة التربية والتعليم عندما كان يقودها المربي المبدع معالي الدكتور محمد بن أحمد الرشيد غفر الله له والذي أحدث نقلة نوعية في استراتيجيات وزارة التربية والتعليم وكان يحلم بتحقيق الكثير من الأهداف لتطوير التربية والتعليم وقد شاركناه الأحلام والأمنيات وشاهدنا بالفعل في عهده الكثير من التحولات الإيجابية ، وكان شعاره الذي يحب أن يردده في الكثير من المناسبات وتبنته الوزارة بالفعل ” وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة ” .
ولعلي أوجه في هذه الوقفة إلى أهمية الاتكال على الله تعالى والرضا بما قسمه لك فقد تعترض طريقك بعض العقبات لحكمة لا يعلمها إلا هو فينقلك الله بسببها من وضع إلى وضع أفضل منه ، وهنالك تؤمن يقينًا بأن الخيرة فيما اختاره الله تعالى ، وهذا ما حدث لي بالفعل عندما تحولت من الإشراف التربوي المستعصي في الإدارة العامة للتربية والتعليم بمحافظة جدة إلى مستشار لوكيل الوزارة للتعليم وهي البوابة التي نقلني الله منها إلى مواقع القيادة العليا في وزارة التربية والتعليم ، وكنت كلما أقابل مدير الإشراف التربوي في إدارة تعليم جدة أقول في نفسي لقد هيأك الله تعالى لتكون سببًا لما بلغته بإذنه فسبحان الله العليم الحكيم ، ولا تحزن متى ما اعترضت طريقك المشكلات وتعامل معها متوكلا على الله مقدر الأقدار فقد تخرج منها إلى خير لم يكن في الحسبان ولم تضعه في خططك ، واطلب الله السداد في النية والعمل فما أصابك لم يكن ليخطئك بإذن الله وما أخطأك لم يكن ليصيبك بإذنه تعالى ، والله الموفق والمستعان .،،،