الوقفة (63) : قرار الإقامة في مدينة الرياض
بعد أن استقر بي المقام في مدينة الرياض في عام 1421هـ وكلفت بالعمل مستشارًا لوكيل الوزارة للتعليم قضيت السنة الأولى من العمل أعزبًا باحثًا عن فرصة شراء منزل لنقل أسرتي التي استقرت بعد عودتنا إلى الوطن في مدينة جدة ، وكنت في ذلك العام طواف بالكثير من مكاتب العقار للبحث عن فرص متاحة لشراء منزل متواضع في حدود ملائتي المالية ولم تكن آنذاك تغطي شراء أرض في الأحياء الشمالية من مدينة الرياض .
ووضعت في خططي إن وجدت الفرصة الملائمة أن أبيع ممتلكاتي في مدينة جدة للوفاء بقيمة شراء العقار الجديد في مدينة الرياض ، وقد شملت ببحثي بالمعايير والشروط التي وضعتها غالبية الأحياء في شمال مدينة الرياض وشرقها ووسطها، وأذكر أن من بين المعايير التي وضعتها أهمية توافر بنى الخدمات الأساسية التحتية من كهرباء وماء وتلفون وصرف صحي وقرب السكن من مدارس التعليم العام للبنين والبنات وقربه من مسجد ومناسبة السعر لطاقتي المالية ، وقد اطلعت على الكثير من الفرص وهي عبارة عن فلل دبلكس أو فلل قديمة التعمير تتراوح أعمارها بين العشر والخمس عشرة سنة ، ولكنها لم تتوافق مع بعض المعايير التي وضعتها ، وهديت أخيرًا للبحث في شرق مدينة الرياض في حي الجزيرة الجديد وهو عبارة عن قطع أراضي سلمت للمواطنين الذين لديهم قروض معتمدة من صندوق التنمية العقاري وقاموا ببنائها بهندسة معمارية اختارها الملاك وفقًا للرغبة ، وقد كانت أسعار الفلل المنتهية البناء في ذلك الحي مابين الستمائة والثمانمائة ألف ريال وفقًا لموقعها وهندسة بنائها يضاف إليها قرض بنك التنمية العقاري ، وقد وجدت الطلب الذي يتوافق تمامًا مع رغبتي ومعاييري في فيلا بناها صاحبها للتملك وليس للاستثمار وكانت معروضة بقيمة ستمائة وخمسين ألف ريال إضافة إلى تحمل البنك العقاري بقيمة ثلاثمائة ألف ريال ، وكان عرضها عرضًا مباشرا من المالك دون وسطاء ، وبعد تفاوض معه وفقه الله وهو من منسوبي بنك التنمية العقاري وافق على تخفيض القيمة عشرة ألاف بشرط تسلم المبلغ نقدًا فلديه مشروع تعمير آخر في بلدته التي قرر أن يستقر بها وأسرته بعد أن فرغ من بناء الفيلا التي صدقني إفادته بأنه بناها للتملك وفق أفضل الشروط والمعايير المعمارية وقد لمست صدقه بالفعل منذ تملكي إيها فلم أعمل في مكوناتها أي صيانة لازمة إلى هذا اليوم الذي تكمل فيه العام الرابع عشر ضمن أملاكي ولله الحمد ، وقد اضطررت آنذاك إلى بيع شقة الإسكان التي تملكتها في مدينة جدة للوفاء بقيمة العقار الجديد في مدينة الرياض وتم نقل مقر إقامة أسرتي منذ بداية العام الهجري 1422هـ إلى مدينة الرياض والحمد لله إذ وفقني لشراء ذلك العقار في وقت كان من الصعوبة بمكان أجد عقارًا مثله تتوافر فيه جميع المعايير التي وضعتها للشراء .
لقد كان ابني رامي حفظه الله عند انتقالنا للإقامة في مدينة الرياض في الصف الثالث الثانوي وكانت بنتي الكبيرة في المرحلة المتوسطة وبناتي الأخريات في المرحلة الابتدائية ولأن الحي جديد البناء لم يكن يتوافر فيه في السنوات الأولى مدارس في نفس الحي إذ أن مباني المدارس فيه لا تزال تحت الإنشاء مما أضطررت فيه لشراء سيارة للابن رامي الذي استكمل دراسة المرحلة الثانوية في ثانوية الفاروق بينما اتفقت مع شركة أهلية لنقل الطالبات حديثة النشأة تغطي بخدماتها حي الجزيرة الجديد الذي نسكنه لنقل بناتي إلى مدارسهم في حي الجزيرة القديم ، ولم أجد عناء بسبب تأخر افتتاح المدارس في الحي الجزيرة وبعد أن بدء العمل فيها تم نقل بناتي إليها ، أما الابن رائد فهو أكثر أولادي اليوم تعلقًا بمدينة الرياض نظرًا لولادته فيها وهو اليوم يدرس في الصف السادس الابتدائي في إحدى المدارس في الحي والقريبة من البيت ولله الحمد ويتم نقله بواسطة شركة النقل الأهلية التي استمريت في التعامل معها منذ إقامتي وأسرتي في الحي ، وقد تابعت التطورات في أسعار العقار خلال السنوات التالية وكيف أن مثل ملائتي المالية آنذاك لو تأخرت في قرار الشراء عن وقته فلن تفي بشراء نصف أرض ، ولعل السبب الرئيس من وجهة نظري المتواضعة في تزايد قيم العقارات هو غياب الاستراتيجيات لدى وزارة الإسكان ووزارة الشؤون البلدية للحد من التضخم في مؤشرات سوق العقار الذي استنزف بتزايده طاقات الراغبين في تملك منازلهم وقدراتهم الطبيعية واضطر الكثيرين منهم للاقتراض من البنوك التي وجدت لها سوقًا رائجًا ومربحًا في العقار مع تزايد قيمته السنوية ، وأذكر أنني وبعض الزملاء كنا نقوم بحساب الزمن الذي يمكن للشباب خلاله تملك عقار متوسط في ظل انخفاض مستوى المرتبات واستمرار ارتفاع قيمة العقارات ومواد البناء والمواد الاستهلاكية فكانت النتيجة تؤكد طول سنوات الانتظار لتصل في المتوسط إلى ما يزيد عن ثلاثين عامًا لمتوسطي الدخل ، وهو ما يعني استمرار مشكلة انخفاض نسبة التملك للعقارات للشباب المعاصر والمستقبل .
وقد أثبتت السياسات التي انتهجتها الدولة للحد من تزايد أسعار العقار فشلها في ظل التباطوء في تنفيذ الإسكانات التنموية التي أقرها مجلس الوزراء وخصص لها مليارات الريالات للشروع في تنفيذها بديلا عن الإقراض من صندوق التنمية العقاري ، وأعجب مع المتعجبين للتباطوء القائم لتنفيذ هذه الاستراتيجية رغم توافر جميع الإمكانات من الأراضي ومقاولي المنشآت الصغيرة ، وكنت أحسب كغيري أنه بمجرد مرور عام أو عامين من البدء في تنفيذها أن يتم توفير ما لا يقل عن 50% من نصف مليون وحدة سكنية تم إقرار تنفيذها خلال خطة التنمية التاسعة، وعجبت أن تمر خمس سنوات دون أن يصل عدد المنفذ منها ما نسبته 10% في جميع المناطق المستهدفة في المملكة العربية السعودية ، وتزداد دهشة المتابعين عندما يعلمون بأن المشكلة تكمن في عدم توافر الأراضي لإقامة تلك المشروعات لأسباب متعددة ، وسيظل حلم الشباب في تملك مساكنهم مستمرًا متى استمرت المعوقات لتنفيذ المستهدف الذي لن يفي بعشر المطلوب المتزايد سنويًا بفعل نمو السكان .
أما أنا وبعض أفراد جيلي فنحمد الله أن وفقنا الله تبارك وتعالى إلى تملك مساكننا في حينها ولو تراخينا أو تقاعسنا حين أتيحت فرص التملك عن التملك فسنصبح من فئة المستأجرين الذين يعانون من عدم وجود أنظمة مرعية تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وتمعير قيمة الاستئجار والزيادة فيها ، وأنصح في هذه الوقفة الشباب لوضع خططهم للتوفير لبلوغ هدف التملك وإن طالت المدة واستثمار ما يتاح من الفرص في حدود ما تتيحه الشريعة الإسلامية فالمؤشرات تؤكد أن العقاريين مستمرون في سياستهم الاستثمارية وسيكافحون هبوط الأسعار بكل ما أوتوا من خطط وأفكار وسياسات ، ولن يكون الضحية سوى شباب اليوم والمستقبل ، إلا أن يأذن الله بفتح جديد في استراتيجيات وزارة الإسكان وإصرار حكومتنا الرشيدة على توفير الإسكان التنموي بأسرع وقت ممكن يعجز المستثمرون العقاريون عن مقاومته وأن تنعكس الهجرة السكانية في اتجاه المدن الأقل ازدحامًا ، وإلى أن يحدث ذلك فإنني أدعو الشباب لوضع خططهم من الآن وعدم الإصرار على المدن المزدحمة واختيار المدن الأخرى المتلائمة مع ملاءاتهم المالية وخاصة بعد انتشار مؤسسات التعليم العالي وتوافر جميع الخدمات المطلوبة في الكثير من مدن المملكة ولله الحمد والانطلاق في العمل والاستثمار في القطاع الخاص فهو مستقبل التنمية المتطورة بدلا من الإصرار على الوظائف الخكومية محدودة الدخل ، فتسعة أعشار الرزق بإذن الله تعالى في التجارة والواقع العالمي يؤكد ذلك . والله الموفق والمستعان .،،،