الوقفة (69) : إلى اليابان رئيسًا لوفد وزارة التربية والتعليم
في عام 1426هـ 2005م تلقت وزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جياكا) بفرعها في مدينة الرياض دعوة رسمية لتدريب مجموعة من منسوبي الوزارة على تطوير المناهج بجامعة آتشي في أقليم ناقويا بدولة اليابان ، وهو البرنامج السنوي المعتاد للوكالة لاستضافة مجموعة من منسوبي الوزارات المختلفة في المملكة العربية السعودية على بعض الكفايات التي تتفوق فيها دولة اليابان الصديقة ، وتم اختيار جميع أعضاء الوفد المرشح لحضور دورة المناهج في دولة اليابان من الإدارة العامة للمناهج وكلفت برئاسة الوفد الذي تكون من عشرة مشرفين عامين من الإدارة العامة للمناهج في التخصصات المختلفة عندما كنت أشغل منصب مدير عام تطوير المناهج في وزارة التربية والتعليم .
وقد طلب منا وفق برنامج الدورة المعد سابقًا الإعداد للزيارة التي تكفلت الوكالة اليابانية بجميع مصروفاتها عدا تذاكر الإركاب التي تحملتها وزارة التربية والتعليم فعمل الزملاء المشرفين على أثر مجموعة من اجتماعات التنسيق قبل الانطلاق إلى دولة اليابان على إعداد مجموعة من العروض توضح الأساليب والطرق المتبعة في المملكة العربية السعودية لتطوير المناهج كل وفق تخصصه ، وتوليت إعداد العرض الشامل عن المشروع الشامل لتطوير المناهج ، وأعددنا مجموعة من الهدايا التي تحمل شعار وزارة التربية والتعليم تتكون من الدروع والميداليات وبعض التحف التي تعكس تاريخ المملكة وحضارتها وبعض كتيبات التعريف بنظام التعليم وتطوير المناهج في المملكة العربية السعودية ، واجتهد الزملاء في اصطحاب بعض الهدايا على نفقتهم الخاصة كل وفق رؤيته وتفسيره لبرنامج الزيارة وعليه تم بناء خططنا وتجهيز هدايانا ، وهيأنا أنفسنا للسفر إلى اليابان لتلقي الدورة المستهدفة لمدة شهر يتخللها برامج سياحية للتعريف ببعض المعالم الحضارية والمصانع الشهيرة في دولة اليابان .
وبعد مقابلة سعادة سفير دولة اليابان في مدينة الرياض وفق برنامج عمل أعد لذلك والاستماع إلى توجيهاته بشأن الاستفادة من برنامج الوكالة وصلنا عبر خطوط الطيران الإماراتية إلى مدينة أوساكا اليابانية في أجواء تميل إلى البرودة ولا أنسى ذلك المنظر المهيب من نافذة الطائرة لمطار أوساكا قبيل الهبوط على مدرجه وهو مطار عائم على الماء وفيه محطة القطار السريع التي تصله بالأقاليم والمدن اليابانية المختلفة ، ويضم مبنى الصالات مجموعة من فنادق الدرجة الممتازة وصالات وأسواق تعكس للزائر من حين دخوله صالات المطار مستوى الحضارة والتقدم لدولة اليابان المتفوقة حضاريا بكل معاني التفوق، وكان في استقبالنا في مطار أوساكا وفد عن الوكالة اليابانية وقد أحسنوا الاستقبال والتنظيم وتم نقلنا في حافلة خاصة بالوفد إلى مبنى الوكالة في أوساكا وفيه تم تسكيننا وتقديم الدورة الأولى لتعريفنا ومجموعة وفود أخرى عالمية استضافتها الوكالة لأغراض متنوعة على البرنامج المعد لنا وأسلوب التعامل مع المجتمع الياباني وكيفية استخدام وسائل المواصلات والنقل والآلات المختلفة والتعامل مع البنوك والمطاعم والفنادق ونحو ذلك من المعلومات الأساسية التي يحتاجها الزائر لأول مرة ، وقد خصصت الوكالة لأعضاء الوفود الزائرة حسابات بنكية أودع فيها المصروف اليومي الخاص بكل ضيف زائر وكيفية استخدام آلات الصرف الآلي للانتفاع بالمصروف اليومي المخصص للطعام والشراب والتنقلات وهو النهج المتبع في الوكالة حيث يؤمن السكن على حساب الوكالة بينما يودع المبلغ الخاص بالمصروفات اليومية في البنك وتترك حرية استثماره للضيف الزائر ، وفي اليوم التالي تم الانتقال عبر القطار والمترو من أوساكا إلى مقر السكن والجامعة مقر التدريب في آتشي مرورًا بمدينة ناقويا والتي كانت أبراجها وأسواقها ومطاعمها الشهيرة مقصد الزوار من أعضاء الوفود الزائرة لقضاء أوقات الإجازة الأسبوعية وقد كانت تشدني وتجذبني نحوها في أيام الإجازة بصحبة الصديق الحقيقي الدكتور أحمد بن عوضة الزهراني وفقه الله أحد أعضاء وفدنا المبارك والذي جمعتني به الكثير من المواقف والذكريات في تلك الزيارة النافعة .
وفي آتشي تلك المدينة الصغيرة الحالمة والتي تقع الجامعة في أحدى غاباتها النظرة تم إسكان الوفد السعودي في فندق قريب من محطة المترو ومحطة حافلات النقل التي اعتدنا على استخدامها ذهابًا إلى الجامعة وإيابًا منها بعد أن تم تعريفنا على طريقة استخدامها واختيار الحافلات المخصصة للطريق الموصل إلى الجامعة ، ولا أنسى ذلك الموقف الجميل لإدارة الفندق بالتنسيق مع الوكالة بتخصيص مكان خاص بالصلاة لأعضاء الوفد السعودي وهو المكان الذي كان يجمعنا ولله الحمد لأداء فروض الصلاة اليومية في أوقات تواجدنا بالفندق ، وبدأنا في برنامج الدورة التي خصص للتدريب فيها أبرز أساتذة جامعة آتشي المتخصصين في المناهج وطرق التدريس وبعض الخبراء العاملين في بعض وكالات إعداد المناهج التعليمية في دولة اليابان ، وكان وقت الدورة يمتد إلى أكثر من ست ساعات يوميًا يتخللها وقت استراحة للإفطار وآخر لأداء صلاة الظهر جماعة في مقر التدريب ، ويستهدف التدريب في المقام الأول تبادل الخبرات حول خطط وأساليب تطوير المناهج في اليابان والمملكة العربية السعودية ، وتم من خلال الدورة تقديم العروض الخاصة بأعضاء الوفد كل في مجال تخصصه وكان الأخ الزميل الأستاذ عبدالله السبيعي المشرف العام للغة الإنجليزية بالإدارة العامة للمناهج أحد أعضاء الوفد يتولى الترجمة متى تطلب الأمر ذلك ، وقد تخلل الدورة برنامج فاعل لتعريف الأعضاء بأهم وأبرز مؤسسات إعداد المناهج وأساليبها في الإعداد والطباعة وزيارة مجموعة من المدارس والمؤسسات التعليمية والتعرف على أساليبها وطرقها التربوية والتعليمية وزيارة مجموعة من المعالم الحضارية والمتاحف في كل من ناقويا وأوساكا وطيوكيو وزيارة مصنع تويوتا للسيارات وغيرها من المعالم الحضارية وقد استضافنا سعادة الأخ السفير السعودي في اليابان آنذاك الأستاذ فيصل بن طراد وفقه الله وأكرم وفادتنا وأتاح لنا الإلتقاء بمجموعة من أبناء الوطن أعضاء البعثةالدبلوماسية وبعض الطلاب المبتعثين للدراسة في اليابان ، وقد استكمل الوفد زيارات أخرى إلى هيروشيما ونجازاكي بعد عودتي الاضطرارية إلى الوطن العزيز بعد انقضاء ثلاثة أسابيع من الدورة وقد أقيم في الجامعة في آخر يوم لي مع الوفد احتفال بإنتهاء الدورة وألقيت فيه كلمة الوفد السعودي وتسلمنا فيه الشهادات لحضور الدورة من الجامعة والوكالة اليابانية .
وقد امتلأت زيارتي لدولة اليابان بالمواقف المتعددة التي تعلمت منها الكثير من الكفايات والمهارات وقدرت فيها مواقف الزملاء أعضاء الوفد الذين غمروني برعايتهم وعنايتهم وحبهم ، وتعرفت فيها على الكثير من أسرار التفوق الياباني في الكثير من المجالات ولا أزال أحتفظ بالتقرير الذي قمنا بإعداده وقام الأخ الدكتور عماد البهكلي وفقه الله بإخراجه ويتضمن الكثير من المعلومات والمواقف والصور التي التقطت لأعضاء الوفد في المواقف والزيارات المتعددة، وبقيت لدي رغبة ملحة في تكرار الزيارة إلى دولة اليابان التي أبهرت وتبهر زائريها بدون شك ، وقد يأذن الله لي بتكرار الزيارة للتعرف على مالم أتمكن من التعرف عليه في زيارتي الأولى ، ونصيحتي لكل من يرغب في التعرف على أسرار التفوق الياباني أن يزور دولة اليابان فيشاهد ما شاهدناه من الأدلة الدامغة بأن وراء كل أمة عظيمة تربية وتعليم عظيمين يبدآن من البيت والأسرة ويستمران في مؤسسات التعليم وفي مواقع العمل المختلفة ، وتشاهد آثارها في السلوكيات وفي العمران وفي الأنظمة وفي التعامل والتفاعل الاجتماعي وفي جميع مناحي الحياة . والله الموفق والمستعان .،،،