الرئيسية / مقالات / وقفات من حياتي قبل أن تمحى من ذاكرتي ، الوقفة (95)

وقفات من حياتي قبل أن تمحى من ذاكرتي ، الوقفة (95)

الوقفة (95) : قرار التحرر والانطلاق في آفاق الحرية

في نهاية العام الهجري 1433هـ وبعد أن قضيت في الخدمة الحكومية ما يزيد عن اثنين وثلاثين عامًا عملت خلالها في مجالات التربية والتعليم المتنوعة في التدريس والإدارة المدرسية والإشراف التربوي والاستشارات التربوية والقيادات التربوية العليا في الوزارة وإدارات التربية والتعليم قررت عن قناعة تامة التقدم لسمو وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله وفقه الله بطلب التقاعد المبكر والذي صرحت به قبلا لمعالي نائب الوزير ولسعادة الأمين العام لإدارات التربية والتعليم قبل حصولي على الإحازة الاعتادية لمرافقة ابنتي في الأشهر الأولى من بعثتها لدراسة الماجستير في دولة كندا .
وبعد انتهاء مدة إجازتي وعودتي للعمل مستشارًا بالوزارة حيث تم تكليف سعادة الأخ الأستاذ ناصر العبدالكريم وفقه الله مديرًا عامًا للتربية والتعليم بمنطقة المدينة المنورة خلفًا لي بعد انتهاء مدة تكليفي وذلك بالتنسيق معي واستشارتي من قبل الجهة المعنية في الوزارة حول بعض المرشحين لقيادة التربية والتعليم في منطقة المدينة المنورة ، ففي شهر ربيع الثاني من عام 1434هـ والذي أتممت فيه خدمة اثنين وثلاثين عامًا تقدمت بطلب التقاعد المبكر لسمو وزير التربية والتعليم آنذاك الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد وفقه الله، وقد ضمنت طلبي مختصرًا لسيرتي الذاتية وشكري لكل من تعاون معي خلال مدة عملي في مجال التربية والتعليم بدأ من محافظة جدة ثم الأكاديمية السعودية في موسكو ثم وزارة التربية والتعليم مستشارًا لمعالي وكيل الوزارة للتعليم ثم مستشارًا في الأمانة العامة لمجلس التطوير التربوي ثم مديرًا عامًا لتطوير المناهج التعليمية ثم مستشارًا في وكالة الوزارة للتخطيط والتطوير ثم مديرًا للتربية والتعليم بمحافظة الخرج ثم مديرًا عامًا للتربية والتعليم بمنطقة المدينة المنورة وأخيرًا مستشارًا تربويًا بالوزارة ، وقد قابل سمو الوزير طلبي بالتقدير والاحترام وعبر عن موافقته بعد أن لخصت له رغبتي الملحة للتمتع ببعض الوقت حرًا متحررًا من قيود الوظيفة الحكومية والتفرغ للاستثمار في أولادي وممارسة بعض أعمالي الخاصة في مجال التأليف والبحث العلمي وإنشاء بعض المشروعات الصغيرة بالتعاون مع أولادي بما يحقق أحلامهم ، والانتقال حرًا للسفر والسياحة في دول العالم المتنوعة في خصائصها ومقوماتها التاريخية والثقافية والسياحية.
وانطلقت حرًا بعد صدور قرار تقاعدي المبكر في ممارستي هواياتي المفضلة في البحث والتأليف والسياحة حيث أنجزت ولله الحمد في مدة ما بعد التقاعد مؤلفين ثقافيين وديوانين من الشعر العربي الفصيح وزرت أكثر من عشرة دول في أسيا وأوربا وأفريقيا وأمريكا ، ورافقت ابنتي في بعثتها لمدة تزيد عن العام ونصف العام في دولة كندا ونشأت فكرة إعداد مؤلفي الذي يضم وقفاتي هذه خلال مدة حريتي ، ورغم أن الفارق المالي بين ما كنت استلمه راتبًا أثناء العمل وبين ما اصبحت استلمه راتبًا تقاعديًا يعد كبيرًا إلا أنني لم أستكثر ذلك مقابل حريتي المطلقة ، ولو خيرت في شراء حريتي بضعفه لما ترددت في قبول ذلك ولهذا فإنني أحس يالرضا التام لما اتخذته من قرار التقاعد وبالرضا التام بما قسمه الله لي من راتب تقاعدي يفي ولله الحمد باحتياجاتي وأسرتي للعيش حياة كريمة خالية من الديون والقروض والحمد لله رب العالمين.
لقد تلقيت عتب الكثيرين من الأحبة والأصدقاء لما أقدمت عليه من قرار التقاعد في الوقت الذي لم يتجاوز فيه عمري أربعًا وخمسين عامًا رغبة منهم في مواصلتي العمل تقديرًا لخبراتي المتواضعة وكنت في كل مرة أعبر لهم عن شكري وامتناني وأشرح لهم الأسباب التي دفعتني لاتخاذ هذا القرار وجميعها أسباب تتعلق بنفسي ورغبتي في التحرر من قيود العمل الذي أظن بأنني أبليت فيه بلاءًا حسننًا خلال مايزيد عن اثنين وثلاثين عامًا ولإيماني بأن الوطن العزيز وميادين التربية والتعليم تتوافر فيها الكفايات القيادية التي يمكن أن تسد مكاني الذي تركته لاستثمار ما تبقى لي من عمر في الاستثمار الحقيقي الباقي لي في ولدي وعلمي وحريتي المطلقة ، ورغم ما عرض علي من عروض مغرية للعمل بعد التقاعد إلا أنني آثرت الاعتذار من الكل والمضي قدمًا فيما خططته لحياتي ، وقد أعود يومًا للعمل بأسلوب جديد في ميدان جديد لتحقيق أهداف جديدة متى رأيت أن ذلك فيه نفع عام ولا يؤثر على حريتي التي اشتريتها بالثمين الغالي ، وقد أسست ولله الحمد مجموعة قمم التطوير للتعليم والتدريب والتقويم والجودة ، وتنتظر خططها التنفيذ بقيادة أولادي الأوفياء ، وآمل أن يحقق الله لهم فيها النجاح والتفوق وخدمة الأمة والوطن .
وقد يرى البعض في التقاعد مهلكة للطموحات وركون إلى الدعة وعدم الفاعلية وقد يحدث ذلك بالفعل لدى الأشخاص الذين لا يملكون خططًا لاستثمار أوقاتهم بما ينفعهم وينفع مجتمعهم والذين لا يملكون الدوافع لتطوير ذواتهم وتقبل التطوير ، أما أنا فإنني أجد فيه الحرية المطلقة ومفاتيح الإبداع والمضي في تحقيق الرغبات وممارسة الهويات والاستزادة من الخيرات ولهذا لم أعاني من فراغ منذ تحرري من قيود العمل الحكومي رغم أنه من النعم المحسود عليها صاحبها ، فكل وقتي مشغول لإنجاز هدف من الأهداف السامية لمصلحة العلم وخدمة الأسرة والمجتمع والتزود من العلم والالتحاق بدورات التعليم والتدريب وما أجمله من شعور أعود فيه إلى شعوري عندما كنت طالبًا عشق المؤسسة التعليمية بكل تفاصيلها ، وقد حرصت ألا يغادرني هذا الشعور بمداومتي على تلقي الدورات المتنوعة للتعلم ، ونصيحتي في هذه الوقفة لكل متقاعد تقاعد نظاميًا أو تقاعد مبكرًا بأن يستثمر ما قدمه الله له من هدية تتمثل في حريته وفراغه في صرفها إلى منفعة الأمة والوطن والانطلاق في ممارسة الهويات التي حرم منها خلال مدة القيود الوظيفية والاسهام ما استطاع في الأعمال التطوعية والاستزادة من الخيرات والاستثمار في الأولاد والأسرة والمجتع ، وليكن له في الجمعية الوطنية للمتقاعدين مستشاره الخاص وفي وما توفره من معلومات تساعد على استعادة النشاط لتحقيق الأهداف السامية والنبيلة قائدًا ودليلاً، وأن يكثر من حمد الله وشكره على ما من به عليه من نعمة الحرية والانطلاق ، وأن يسبحه بكرة وعشيا ، وأدعو الله تعالى أن يوفق جميع الأخوة والأخوات المتقاعدين إلى العمل بما يرضيه تعالى لخدمة الأمة والوطن ، والله الموفق والمستعان .،،،

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

التدبر والتفكر والتذكر والتعقل عبادات مأجورة

بسم الله الرحمن الارحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه ...