الوقفة الثامنة والعشرون : قناص المسعى يقتل جنديًا أمام أعيننا
في صباح الأول من محرم لعام 1400هـ شاع في الجامعة والسكن الجامعي أن رجلا يدعى محمد بن عبدالله القحطاني ومجموعة من مؤيديه قد استولوا على الحرم المكي الشريف وأغلقوا جميع أبوابه وهناك من المسلمين جمع غفير محتجزون داخل الحرم ، وشاع أنه يدعي بأنه المهدي المنتظر وقد بويع من قبل مجموعته عند الكعبة المشرفة وطالب المسلمين ببيعته ، وأن السلطات السعودية قررت أن تقاوم هذه المجموعة بصفتها مجموعة إرهابية احتجزت الرهائن من الأبرياء تحت تهديدات السلاح ، وعطلت أداء الفرائض والشعائر الإسلامية في أطهر بقعة على الأرض في المسجد الحرام عند بيت الله المحرم وفي الشهر المحرم ، ونادت بالفرقة وشق عصا الطاعة للحكومة الشرعية للملكة العربية السعودية .
كان عهد الملك خالد رحمه الله تعالى من العهود الذهبية للملكة العربية السعودية لما اتخذ فيه من قرارات رفعت من مستوى الدخل الوطني ودخول الأفراد ونفذت فيه مجموعة من مشاريع التنمية الوطنية ومرت المملكة في عهده بسنوات الطفرة الاقتصادية المترتبة على ارتفاع أسعار النفط عالميًا ، وقد نشطت في المملكة آنذاك جماعات دينية ودعوية متنوعة المشارب والأهداف ، وبدأت ما سميت بمرحلة الصحوة ،وكنا قد علمنا بجماعة التبليغ والدعوة وجماعة الأخوة ، والجماعات الصوفية وغيرها من الجماعات المذهبية النشطة ، لكننا لم نسمع بجماعة جهيمان إلا بعد وقوع أحداث فتنة الحرم المكي الشريف ، لكن الأجواء والظروف كانت مهيأة لظهور مثل هذه الجماعة آنذاك .
انطلقت مع من انطلق إلى الحرم المكي الشريف لمشاهدة ما يحصل فيه عن قرب حيث لم تكن قد بدأت القنوات الفضائية في العمل لنقل الأحداث المباشرة عبر الأخبار التلفزيونية ، واستقريت في الدور الثاني من سوق المروة المطل على المسعى من جهة المروة ، وهو امتداد لسوق المدعى الذي يخترق أحياء الغزة والقرارة وينتهي إلى المروة ، وشاهدت في ضحى ذلك النهار أكثر من مسلح في الدور العلوي من المسعى يتجولون ويراقبون الساحات المفتوحة بجوار الحرم والتي تطل عليها المسعى ، وكان هناك مجموعة من جنود الأمن يتجولون بحذر في الساحات ، وفجأة سمعنا دوي إطلاق رصاص رشاش أوتوماتيكي ينطلق من المسعى ، ودب الذعر في الناس الواقفين إلى جواري ، وأنطلق أحد جنود الأمن في اتجاه ساحة الحرم لإنقاذ أحد زملائه المصابين نتيجة لإطلاق الرصاص ، وفجأة شاهدت ذلك الجندي بعد إطلاق النار عليه يقع مضرجًا بدمائه في الساحة الخارجية أمامنا .
وأقبل علينا أحد ضباط الأمن محذرًا وطلب منا مغادرة الموقع في الحال وأشرف بعض الجنود على إخلاء المواقع المطلة على الحرم القريبة من موقع تبادل إطلاق النيران ، وتسللت مع المتسللين إلى الطريق المؤدي إلى جبل أبي قبيس وكانت تشغله آنذاك بعض منازل السكان ويتربع في قمته مسجد بلال رضي الله عنه ، وسلكت الطريق المؤدي إلى قمة الجبل ، واستقريت بجوار مسجد بلال بموقع يمكنني من مشاهدة أغلب أجزاء الحرم المكي الشريف ، وشاهدت بالعين المجردة ساحة الطواف خالية تمامًا من الطائفين كما شاهدت بعض أفراد الجماعة في بعض مآذن الحرم وأروقته الداخلية باستخدام (دربيل ) كان يستخدمه أحد المشاهدين إلى جواري في الجبل ، رأيتهم يحملون أسلحة خفيفة عبارة عن بنادق ورشاشات ، ومتباينون في أزيائهم ومنهم من يلف على رأسه عمامة سوداء ، وقد كثر التكهن في تلك الأيام حول الجماعة والمهدي المنتظر وكثر الحديث حول موقف الدولة من هذه الجماعة .
انصرفت ذلك اليوم من موقع المراقبة في جبل أبي قبيس ولم تزد الأحداث عما رأيت ، وأقبلت في اليوم التالي من جهة أجياد وسلكت الطريق المؤدي إلى قمة جبل أبي قبيس من الخلف ، لكني منعت مع من منع من مواصلة الطريق من قبل بعض رجال الأمن والاستخبارات الذين اتخذوا من ذلك الموقع موقعًا للعمليات والمراقبة الأمنية ، وعدت أدراجي مع من عادوا واكتفينا خلال تلك المدة بما تناقلته الإذاعات العالمية وما بثه التلفزيون السعودي عن الأحداث التي جرت في الحرم المكي الشريف .
لقد كان الحدث مقلقًا ومزلزلا في وطني وأذكر أن المرجفين تزايدت أعدادهم في تلك الفترة ، وكنا نسمع بأن من علامات صدق المهدي المنتظر أن يخسف الله بالجيش الذي سيأتي لمقاومته ، وكنا نترقب بين مصدق ومكذب ونتساءل هل سيخسف الله بالجيش السعودي الذي قررت حكومة المملكة العربية السعودية تدخله مع قوات الأمن والحرس الوطني لإنهاء فتنة جهيمان ورفاقه في الحرم ؟ أم أن الأمر لا يزيد عن فتنة جماعة إرهابية سيتمكن الجيش السعودي وقوات الأمن والحرس من تطهير الحرم وساحاته منها ؟ ولعلي كنت من الميالين للاحتمال الثاني لما علمته قبلا من جماعة التبليغ والدعوة وما سمعته من الكثيرين من رجالات العلم والعقلاء في الجامعة آنذاك .
وانتهت الفتنة وتمكن الجيش السعودي وقوات الأمن والحرس من تحرير الرهائن ومن تطهير الحرم كليًا من الإرهابيين وتم قتل مجموعة منهم داخل الحرم أثناء عمليات التطهير كما تم القبض على الباقين ، وتم القصاص منهم بعد أن أصدر القضاء الشرعي أحكام القصاص فيهم ، واستمرت آثار فتنة الحرم لسنوات ، لكنني وكثيرين من جيلي تعلمنا أن الفتن تبدأ فكريًا ثم ما تلبث أن تتحول إلى إرهاب أو معارك مسلحة ، وأن المدخل لتجنيد منفذي الإرهاب يبدأ من غسل أدمغة الشباب وتهيئتهم لولوج الأخطار دفاعًا عن فكر أو معتقد أو مبدأ ابتغاء تحقيق غايات متنوعة ، وللشباب عاطفة جياشة تجاه المعتقدات الدينية والمذهبية ولذلك تستخدم في الإقناع وغسل الأدمغة فكريًا قبل توجيههم إلى المعارك الميدانية ، وأوصي أولادنا الشباب بالحذر والتمعن في كل ما يعرض عليهم من فكر وتمحيص الأمور وتدقيقها من معايير العقل والمنطق والدين ، والسؤال والبحث عن أهداف ما يدعون إليه وغاياته وأساليبه وتقويم ذلك كله قبل الموافقة على ولوجه فأعداء الأمة عرفوا المداخل واستخدموها تضليلا لتجنيد شباب الأمة ضد الأمة ذاتها ، وقد حقق السلامة من فتح الله عليه أبواب الحذر والتثبت ، والله الموفق والمستعان .،،،
شكرًا لك وصيتك للشباب ، فهم مستهدفون مع طوفان الفتن المحيطة بالوطن ، فداعش واحدة من تلك الجماعات المضللة ، حمى الله شباب الأمة الإسلامية من كل حاقد معتد أثيم .
ياستير يارب. ماشالله عليك كنت في ذاك الوقت حاضر الفتنه
انا حين كبرت سمعت عنها وكان لهم صور مخيفه جدا لكني
لا أذكر هذي الاحداث بكل وعي وادراك
حمدا لله على سلامتك وسلامة كل من كان حاضر الحدث انذاك
وفقك الله اخي