الوقفة السادسة والثلاثون : رامي يضفي علينا البهجة والسرور
لقد اخترت كنيتي بأبي رامي منذ المستوى الأول في التعليم الجامعي وكان زملاء الدراسة والعمل لا ينفكون ينادونني بأبي رامي الكنية التي أحببت واستمر الوضع كذلك إلى أن تزوجت وحملت أم رامي وفقها الله تعالى بحملها الأول وأثقلت به وجاء موعد مخاضها في أواخر شهر رجب من عام 1405هـ ، ولعلها حفظها الله قد حملت في الأسبوع الأول أو الثاني من زواجنا ، وعند ساعة الولادة نقلتها سريعًا إلى المستوصف القريب من منزلنا المستأجر في الكيلو العاشر بمدينة جدة وهو ذات المستوصف الذي تابع حملها خلال مدة الحمل .
في ذلك الوقت كنت قد بدأت في دراسة الماجستير مما اضطرني للتخلف عن المحاضرات المقررة في يوم السابع والعشرين من شهر رجب لأكون مع أم رامي لحظة استقبال مولودنا الأول حفظه الله وبارك فيه وفي أخوته الأعزاء ، وتلقيت البشرى من الدكتورة التي أشرفت على ولادة أم رامي وفقها الله ، المولود ذكر وهو وأمه بصحة جيدة ، حمدت الله تعالى أن رزقني الولد وحمدت الله تعالى وشكرته كثيرًا أن من على الأم ومولودها بالصحة والعافية ، أسرعت في استخدام التلفون الثابت وسيلة الاتصال المتوافرة آنذاك لإخبار الأهل والأقارب بالبشرى ، وبقيت إلى جوار عائلتي الصغيرة التي زادت عددًا بقدوم المولود الجديد ، وسألني المعنيون بتسجيل حالة الولادة في المستوصف عن الاسم الذي اخترناه للمولود الجديد ، وبعد استئذان أم رامي وفقها الله حول الاسم الذي أحببت وكنت أكنى به من قديم رحبت وأبدت قبولها وسعادتها بذلك ، فأشعرت المستوصف بأننا اخترنا لمولودنا الجديد اسم رامي بن سعود الزهراني ، وتمت عمليات التسجيل النظامية وفقًا لما توصلنا إليه من قرار مشترك والحمد لله رب العالمين .
إن السعادة الغامرة التي غمرتنا بقدوم رامي للحياة أكبر من وصفها في وقفة ، فقد أنار الله به علينا المنزل الصغير الذي استأجرته في الكيلو العاشر بمدينة جدة بين مجموعة من الجيران الكرماء ولله الحمد كما أنار الله به لنا الحياة وبدأ معه الإحساس بمسؤولية أعظم وأكبر مما كنا نتحمله من قبل أنا ووالدته ، وقررت مع أم رامي أن نحتفل بهذه المناسبة السعيدة بتنفيذ العقيقة الإسلامية المعتادة والتي دعوت إليها الأهل والأقارب الذين قدموا ضيوفًا مهنئين من منطقة الباحة ومن مدينة الطائف كما دعوت إليها الجيران والزملاء في العمل وسجلنا ذلك الحدث الجديد في ذاكرة الأسرة الكريمة مصحوبة بالحمد والشكر لله المنان والدعاء بأن يجعل الله مولودنا من الصالحين النافعين لأمتهم ووطنهم .
كنت أذهب إلى العمل في ثانوية فلسطين بجدة وأذهب للدراسة في جامعة أم القرى وأنتظر وقت العودة إلى منزلي بلهفة وشغف اختلفت كثيرًا عما كان قبلا ، وأحببنا الطفل الصغير كثيرًا ، وكذلك الوالدين في الغالب يحسون ويشعرون تجاه المولود البكر من أولادهم ، لقد كنا نتألم لألمه ونسهر كثيرًا إلى جواره متابعين ومشفقين عليه من أي تعب وأذكر أن رامي وفقه الله كان كثير التعلل والمرض في صغره ولا يكاد يمر يوم دون أن نراجع به المستوصف الذي يتابع حالة نموه وصحته قبل أن تنشأ وحدات الرعاية المبكرة لدى وزارة الصحة ، واستمر الوضع إلى أن أصبح عمر رامي خمسة أشهر تقريبًا عندها استقرت حالته الصحية وتابع نموه بشكل اعتيادي بفضل الله تعالى.
وعندما أقارن الحال الذي كنا عليه عند استقبال مولودنا الأول رامي بن سعود حفظه الله وبين ما هو اليوم متوافر من مقومات الصحة ومتابعة الأمهات الحوامل والمواليد أشكر الله كثيرًا أن تطورت الأحوال والإجراءات والمقومات الصحية في بلادنا لتساعد الأسر على العناية بصحتهم وصحة مواليدهم ، ورغم أن التقصير لا يزال قائمًا في مؤسساتنا الصحية مقارنة بما بلغته الكثير من دول العالم إلا أن الوضع اليوم بقصوره كان أفضل بكثير من ذلك الوقت الذي تحملنا فيه أعباء البحث والمتابعة في المستوصفات والمستشفيات الأهلية المتوافرة والتي كانت تفوق قليلا في مستوى الأداء والجودة نظيراتها في وزارة الصحة ، وقد ذهلت حقيقة عند مغادرة بلدي إلى دولة روسيا الاتحادية وعلمت عند قدومي لها بأن رعاية الأمهات الحوامل ورعاية المواليد في هذه الدولة منذ ما يزيد عن ثلاثين عامًا تتم بشكل دقيق ومنظم وعالي الجودة في مراكز حكومية تقدم خدماتها مجانًا للمستفيدين ويتم صرف الأغذية والأدوية اللازمة للأم الحامل وللطفل المولود مجانًا أيضًا إلى أن يبلغ الطفل الفطام ، عندها كنت أتمنى أن يصل وطني الحبيب إلى مرتبة تفوق ما وصلت إليه روسيا والدول التي تماثلها أو تفوقها في الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم .
وابني الحبيب رامي بن سعود الذي استقبلنا مولده بالفرحة الغامرة في عام 1405هـ صار اليوم بفضل الله تبارك وتعالى المهندس رامي بن سعود وقد حصل بتوفيق الله تعالى على بكالوريوس هندسة وماجستير إدارة أعمال ويعمل في دولة كندا في تنمية الموارد البشرية بأحد الشركات الكندية الكبرى ، ويخطط لتكوين أسرة جديدة قد يمن الله علينا منها بالأحفاد ونختبر فعليًا المثل الشعبي القائل : “ما أعز من الولد إلا ولد الولد “، وإن كان هذا الشعور ليس غريبًا عندي بعد أن تزوج أولاد أخوتي وأنجبوا أولادًا أصبحت لهم جدًا غير مباشر ، لكن إحساسي بمحبة الأحفاد داعب مشاعري بالفعل ، وأدعو الله تعالى أن يبارك في ذرياتنا ويصلحهم وينفع بهم الإسلام والمسلمين ، ولعلي في هذه الوقفة أشير إلى أهمية الأسرة المسلمة وأهمية التربية السليمة وأدعو الشباب إلى تكوين أسرهم لبناء المجتمع المسلم المتكافل وأهمية تربية الأولاد وتنشئتهم على قيم الإسلام فالمستقبل لوطننا يتشكل من أساليب تربيتنا لأولادنا وحفاظنا على البناء والتماسك الأسري وفق المنهج الإسلامي المبدع ، وعلينا الحيطة من التفكك الأسري وغياب الإشراف المباشر على تربية الأولاد في ظل التطور الذي دفع الكثير من الأسر إلى الاعتماد على الخادمات والمربيات ليقمن بدور الأمهات في منازلهم ، وعلينا جميعًا طلب مرضاة الله تبارك وتعالى في جهادنا المتواصل لتربية الأولاد ووقايتهم السوء في الدنيا وسوء العاقبة في الدار الآخرة ، فالله تبارك وتعالى أمرنا بذلك في قوله عز من قائل :” ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). والله الموفق والمستعان .،،،