الوقفة (57) : إلى سوريا للسياحة مع الأسرة
في عام 1419هـ 1999م قررت مع الأسرة زيارة دولة سوريا في رحلة الإياب إلى الوطن العزيز خلال إجازة الصيف وفقًا للخطة الموضوعة قبلا ، وحددنا لها مدة إثني عشر يومًا بلياليها ، وقد استقيت الكثير من المعلومات السياحية عن سوريا العربية من مجموعة زملاء من الجنسية السورية العاملين في الأكاديمية السعودية بموسكو ، ولم انتفع كثيرًا من المعلومات المتوافرة آنذاك بشكل نادر على مواقع الإنترنت لتأخر تقنيات السياحة في سوريا ، وقد اكتفيت بما جمعته من الزملاء السوريين وبعض الزملاء السعوديين الذين سبق لهم السياحة في سوريا .
وأنا أكتب هذه الوقفة وأمامي تلك المشاهد المرعبة للحرب في سوريا أتذكر ما كانت عليه عند زيارتي وأسرتي لها للمرة الأولى من سلم وسلام رغم تأخر تطورها قياسًا بتاريخها والدول المتزامنة معها في التنمية ، إلا أن السلام الذي كانت تنعم به والأمن الذي كان يعمها كان يعوض ذلك النقص ، وهو مالم يتوافر اليوم على أرض التاريخ والحضارة أرض العروبة الشام أرض دمشق وحلب وحمص وحماة أرض النواعير والأنهار والبساتين والحدائق الغناء أرض المساجد والمآذن والشعب العربي الكريم ، ويحزنني ما آلت إليه بفعل آلة الحرب المدمرة وما أنقسم عليه أهلها عقديًا وطائفيًا ومطامح وأطماع راح ضحيتها حضارة عريقة وشعب شرد في الدول المجاورة وغياب تام للأمن والاستقرار ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .
حطت بنا الطائرة التي أقلتنا من موسكو في مطار دمشق الدولي ورغم تواضع المطار وهو البوابة التي يكتشف القادمون منها عادة مستوى التنمية والوعي السياحي والحضاري في البلد المستقبل إلا أنه كانت تتوافر آنذاك في المطار بعض مكاتب السياحة وبعض مكاتب تأجير سيارات التاكسي ، وقد كان في استقبالنا في بوابة قدوم المسافرين مندوبة المكتب السياحي المتفق معه بواسطة إحدى الزميلات العاملات في الأكاديمية وكانت المندوبة شقيقة زميلتنا في الأكاديمية وقد أبدت لنا البشاشة والترحيب وقامت بعرض خطتها علينا وعرض الإمكانات المتوافرة لدى المكتب السياحي ، فقررت مع أسرتي قضاء الثلاثة الأيام الأولى في العاصمة دمشق وفضلنا مما عرض علينا السكن في شقة مستأجرة في حي المزة وطلبنا استئجار حافلة تستمر معنا طيلة بقائنا في سوريا بحيث تقدم خدماتها لنا خلال تواجدنا في العاصمة دمشق وعند انتقالنا إلى المناطق السياحية في مضايا وبلودان والزبداني وقررنا أن نقضي فيها سبعة أيام وأن تكون الشقة المستأجرة في منطقة بلودان لما تتمتع به من جمال طبيعي وتوافر للخدمات المطلوبة للسائحين ، وأن نقضي ما تبقى لنا من المدة المقررة قبل العودة للوطن في دمشق وأن تكون الشقة في موقع قريب من سوق الحميدية والجامع الأموي ، وتم بالفعل تلبية طلباتنا بإتقان وتمت محاسبة المكتب السياحي بقيمة استئجار الشقق والحافلة للتنقلات ، وقد أصرت علينا مستقبلتنا أن نقبل دعوتها للضيافة بين أهلها في حي من أحياء دمشق وقد اعتذرنا عن تلبية دعوتها الكريمة وأظهرنا لها تقديرنا الصادق لكرمها وأهلها واعدين بتلبية الدعوة في زيارات أخرى بإذن الله نضمن خططها وجوب وفائنا بما وعدنا به .
ومما أذكره في تلك الجولة السياحية في العاصمة دمشق زيارتنا للجامع الأموى والمناطق التاريخية المجاورة له والاطلاع على بعض أجزاء سوق الحميدية التاريخي ، وزيارة جبل قاسيون والنصب التذكاري الرابض في قمته ، وتلك المطاعم المطلة من أعلا الجبل على مدينة دمشق ، كما زرنا مدينة ألعاب الأطفال وبعض الحدائق العامة ، وتناولنا طعام الغداء حينًا والعشاء حينًا آخر في بعض المطاعم الممتدة على نهر بردى ، كما زرنا بعض المتاحف التاريخية ومعارض الرسم وحضرنا حفلا فنيا في إحدى القاعات الرياضية ، ومضت الثلاثة الأيام سريعًا وانطلقنا إلى المناطق السياحية الأكثر شهرة وارتيادًا في مناطق بلودان والزبداني ومضايا وقد تم حجز شقة رائعة في بلودان يميزها إطلالتها الرائعة على منطقتي بلودان ومضايا والأودية المجاورة لها ، وقربها من كثير من المطاعم السياحية في الجبل ، وسعتها وجمال أثاثها وتلك الشرفة التي لا نكاد نغادرها ولها تلك الإطلالة الرائعة على المنطقة بكاملها ، وقد أعد المكتب السياحي لنا خطة سياحية رائعة تسلمت والسائق نسخة منها ويميزها استثمار جميع الأوقات من بعد صلاة الظهر إلى منتصف الليل في السياحة المتنوعة ، وأذكر أن من ضمن البرامج التي تم تنفيذها من الخطة زيارة مزارع الفواكه في مضايا وقد كررنا الزيارة لها أكثر من مرة لجمالها وإمكانية اقتطاف ثمار الفواكه المتنوعة مباشرة من الأشجار وتخصيص خيمة في البستان مؤثثة ومخدومة من أهل البستان وتناول طعام الغداء وفقًا للطلب ، كما زرنا منبع نهر بردى والذي شكل بحيرة في وسط الجبال واستئجار بعض القوارب السياحية العائمة على البحيرة ، وزيارة الغابات والأودية في مناطق بلودان والزبداني ، وفي الفترة المسائية كنا نستمتع بتناول طعام العشاء في تلك المطاعم المنتشرة في الجبال ولها إطلالات ساحرة على المناطق المجاورة لها ، وكان الجو معتدل يميل إلى البرودة ليلا مما أضفى على تواجدنا خلال تلك الأيام السبعة جوًا من الشاعرية والاستمتاع المتواصل .
وفي رحلة العودة إلى العاصمة شاهدنا بعض المناطق الحدودية مع لبنان وبعض أجزاء الجولان القريبة من الطريق الدولي كما يطلقون عليه ، وقد نزلنا الشقة الأخيرة في دمشق ولدينا برنامج التسوق في سوق الحميدية كهدف رئيس ، إلا أننا قمنا بزيارة مدينة الألعاب في ضواحي دمشق نزولا عند رغبة الأطفال ، ولا أزال أذكر أثناء تواجدي في سوق الحميدية تسابق الدلالين وتجار الجملة على عرض منتوجاتهم ظنًا منهم بأنني تاجر يريد التبضع بالجملة وتذكرت حينها تجارتي في الملابس الجاهزة عندما افتتحت معرض بيادر وما عانيته خلال تجارتي السابقة من خسائر وانتكاسات دفعتني إلى ترك المجال لأهله ، وقد غادرنا سوريا بعد أن علمنا بأن السياحة في مناطق حمص وحلب وحماة واللاذقية مختلفة وأكثر متعة وثراء من المناطق التي زرناها ، مما دفعني وأسرتي إلى التخطيط لزيارة أخرى تستهدف تلك المناطق السياحية الأخرى في سوريا العربية ، ونصيحتي في هذه الوقفة للراغبين في السياحة الخارجية الاهتمام برسم الخطط وأخذ المعلومات من مصادرها الصادقة ، والتعايش مع الشعوب وفقًا لعاداتهم وتقاليدهم وإظهار سلوك المسلم المسالم المحب للبشرية جمعاء الراغب في صلاحهم وهدايتهم والتعامل معهم بالحسنى فما انتشر الإسلام في الكثير من دول شرق آسيا إلا بخلق الزائرين المسلمين الأوائل ، ودعائي أن يصلح الله أحوال المسلمين وإخوانهم العرب الشاميين في سوريا وما حولها لتعود سوريا إلى تاريخها وعراقتها وأمنها واستقرارها وتفوقها العلمي . والله الموفق والمستعان .،،،