الوقفة (58) : مديرا عامًا للأكاديمية السعودية في موسكو
في عام 1419هـ 1999م أنتهت مدة إيفاد مدير عام الإكاديمية في موسكو آنذاك سعادة الأستاذ محمد المنصور ، وكنت أعمل خلال الثلاث السنوات الأولى من إيفادي لإدارة الأكاديمية مساعدًا له ، فتلقيت في بداية العام الرابع من إيفادي قرار سعادة وكيل الوزارة للشؤون الثقافية آنذاك الدكتور إبراهيم الشدي بتكليفي مديرًا عامًا للأكاديمية وكلف آنذاك سعادة الأستاذ ماجد بن عبيد الحربي مساعدًا للمدير العام ، وبعد أن تسلمت الإدارة العامة للأكاديمية في عهد سعادة سفير المملكة العربية السعودية لدى روسيا الأستاذ محمد حسن عبدالولي ، رسمت بالتعاون مع فريق من الزملاء خطة استراتيجية متوسطة المدى لأنشطة الأكاديمية وبرامجها المتنوعة ولقيت إعجاب سعادة السفير وتأييده وأتاح لي الحرية الكاملة وفوضني بالصلاحيات اللازمة فيما يخصه لتنفيذ الخطة .
وكان من أولويات خطتنا الاستراتيجية آنذاك اعتماد لائحة التعاقد مع المعلمين والموظفين والعمال وفقًا لأنظمة العمل في دولة روسيا الاتحادية واعتماد سلم رواتب العاملين المتعاقد معهم وفقًا لمستويات الأداء والانتاجية والخبرة ومدة العمل في الأكاديمية والمؤهلات العلمية وبعض المعايير الأخرى وحفظ حقوق العاملين ، والبدء في تطبيقها على جميع العاملين في الأكاديمية من غير السعوديين وكان عددهم آنذاك يزيد عن المائة عامل من أعضاء هيئة التدريس والموظفين الإداريين وعمال الخدمة العامة والسائقين ، وتم إحداث نقلة نوعية في تهيئة البيئات التعليمية والتجهيزات حيث تم تطوير معامل الحاسب الآلي وإنشاء معمل اللغات والاستديو التعليمي ومعمل الفنون والأشغال ومعمل التربية الأسرية ، وتطوير المكتبة ، وإبرام مذكرات التفاهم والتعاون مع مجموعة من المؤسسات التعليمية والجامعات في موسكو وبعض المدن الروسية وتفعيلها بالبرامج التشاركية وفتح مجموعة من فصول تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في تلك المؤسسات والجامعات ضمن برنامج ولي العهد آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لتعليم اللغة العربية الممول على نفقته الخاصة رحمه الله وغفر له ، وفي ذلك العام الذي تزامن مع مناسبة مرور مائة عام على دخول الملك عبدالعزيز الرياض أقامت الأكاديمية مجموعة من الندوات والمعارض الفنية تحت رعاية سفارة المملكة العربية السعودية في روسيا وتم فيها تكريم مجموعة كبيرة من المثقفين العرب والروس العاملين في المؤسسات الأكاديمية من المهتمين بالثقافة والتاريخ السعودي والمستشرقين ، والمشاركة في تنظيم المؤتمر العلمي الأول عن تاريخ المملكة العربية السعودية بالتشارك مع المركز العربي الروسي المستقل وأكاديمية روسيا للعلوم وجامعة سانت بطرسبورغ والذي رعاه مدير الجامعة وحضره مجموعة من سفراء الدول العربية والإسلامية والدول الصديقة في روسيا وكان لسعادة سفير المملكة العربية السعودية لدى روسيا الأستاذ محمد حسن عبدالولي كلمة رئيسة في افتتاح المؤتمر كما كان لي شرف إلقاء كلمة الجهات المنظمة للمؤتمر ، وقد شارك في المؤتمر الكثير من الأكاديميين والمثقفين المهتمين بتاريخ المملكة العربية السعودية ، فكان ذلك العام من أكثر الأعوام نشاطًا للأكاديمية خلال مدة عملي في إدارتها ولله الحمد والمنة .
وقد تحقق للأكاديمية ولله الحمد الكثير من الإنجازات النوعية فكانت مقصدًا للوفود السعودية القادمة إلى روسيا لأنشطة وفعاليات مختلفة كما كانت مقصدًا للوفود الإسلامية المستضافة من قبل بعض السفارات العربية والإسلامية ، ومما أذكره في ذلك العام استقبال الأكاديمية للوفد السعودي الذي ترأسه معالي الدكتور عبدالرحمن السويلم رئيس الهلال الأحمر السعودي ورئيس اللجنة السعودية لإغاثة الشيشان ، واستقبال وفد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لتنفيذ بعض البرامج الثقافية ، ووفد وزارة التعليم العالي للمشاركة في معرض الكتاب الدولي في موسكو والذي شاركت الأكاديمية فيه مع وزارة التعليم العالي لتنظيم جناح المملكة العربية السعودية في المعرض ، إضافة إلى استقبال ضيوف سفارة المملكة العربية السعودية في موسكو ، واستقبال مجموعة من السفراء ومديري الجامعات في روسيا واستقبال المشرفين التربويين الزائرين للأكاديمية ، وقد كانت الأكاديمية في نشاط دؤوب على الدوام ، وقد حرص منسوبوها على استمرار ظهورها بالمظهر المشرف الذي يعكس تطور التربية والتعليم في الوطن العزيز ، وقد شرفت الأكاديمية في العام التالي بزيارة خادم الحرمين الشريفين ملك المملكة العربية السعودية رحمه الله عندما كان وليًا للعهد وكانت الزيارة التي استقبلت فيها الأكاديمية تبرعه السخي لدعم أنشطتها وبرامجها ، والحق أن الأكاديمية السعودية في موسكو كانت واجهة ثقافية مشرفة للوطن العزيز في موسكو عاصمة روسيا الاتحادية وكانت تؤدي دورها المتطور باقتدار لدعم العلاقات الثقافية بين المملكة وروسيا ، وقد سار سعادة الأخ الدكتور ماجد الحربي على نفس النهج وطور كثيرًا في البرامج والأنشطة عندما كلف بالإدارة العامة ، وأحسب أن المدارس السعودية في موسكو اليوم تضم سجلاتها تلك الإنجازات المتفوقة للعهد الذي شرفت فيه بقيادتها .
والحق أن مثل هذه النشاطات والتفوق الذي تحقق للأكاديمية ما كان ليتحقق لولا فضل الله تعالى ثم ما وفقني الله فيه للحصول على ثقة سعادة السفير وثقة القيادات العليا في وزارة التربية والتعليم ، وما من الله به علي من تشارك القيادة والمسؤولية مع ثلة من الأخوة المبدعين في مجالات الإدارة والتربية والتعليم من منسوبي الأكاديمية ، وقد تطور بالفعل كل شيء في الأكاديمية بشهادة المتجردين ، فارتفع مستوى الطلاب التحصيلي وزادت أعداد الطلاب والدارسين الملتحقين بدورات تعليم اللغة العربية لتزيد في ذلك العام أضعاف ما بلغته قبله ، وكانت أنشطة الأكاديمية حديث وسائل الإعلام العربية والروسية ولا تكاد الصحف تخلوا من أخبار عن أنشطة الأكاديمية كل أسبوع على الأقل ، وأعدت الكثير من التقارير المصورة لمجموعة من قنوات التلفزة الوطنية والعربية والروسية ، مما زاد من تقدير المعنيين بالتعليم في روسيا ، وقد شرفت بلقاء معالي وزير التعليم في الحكومة الفدرالية وتم بحث إمكانية التعاون بين الوزارة والأكاديمية آنذاك ، وأصبحت في حرج من كثرة الدعوات التي ترد إلى مكتبي من الكثير من الجامعات والمؤسسات التعليمية والأكاديمية لحضور الكثير من الفعاليات لعدم قدرتي ومساعدي آنذاك على الوفاء بها جميعًا مما كان يستدعينا إلى تقديم الاعتذارات للداعين مع الشكر والتقدير للثقة التي نالتها الأكاديمية وإدارتها .
ولعلي في هذه الوقفة أوجه إلى أهمية الاتكال على الله تبارك وتعالى وإخلاص النية لمرضاته جل وعلا والحرص على تطبيق منهج الإدارة التشاركية وبذل الجهد مضاعفًا لتبني رؤية واضحة وخطة إستراتيجية متطورة والإصرار على التعاون مع الجميع لتذليل العقبات في طريق تحقيق الأهداف المأمولة ، وعدم الاستحواذ بالصلاحيات والقرارات ، فمتى ما منح العاملون الصلاحيات المطلوبة وفتحت لهم حرية العمل لتحقيق أفضل النتائج فسيبارك الله في الخطا والأعمال وقد تحقق لي ولزملائي النجاح ذاته بنفس الأسلوب في قيادة المدارس الثانوية وكذلك في قيادة الأكاديمية ، وفي يقيني أن الله تبارك وتعالى يبارك الشراكة والتعاون على فعل الخير بين العباد ولذلك أوصي بها كل القيادات وسيرون نتائجها آنية وسريعة ، والله الموفق والمستعان .،،،