الوقفة (59) : نشاطات ثقافية وأوسمة متعددة في روسيا
في عام 1420هـ 2000م تسلمت زمام القيادة مديرًا عامًا للأكاديمية السعودية في موسكو وهو الطريق الذي به عبرت لتكوين أوسع دائرة علاقات ثقافية وعلمية وأكاديمية مع الكثير من مؤسسات التعليم والتربية والثقافة في دولة روسيا الإتحادية ، ونظرًا لكثافة ما تضمنته الخطة الاستراتيجية للأكاديمية والتي لقيت دعم سعادة سفير المملكة العربية السعودية في روسيا من أنشطة ثقافية متنوعة تطلبت من إدارة الأكاديمية بإشراف السفارة إبرام مجموعة من مذكرات التفاهم والتعاون مع مجموعة من المؤسسات التعليمية والثقافية وتفعيلها بمجموعة من البرامج والأنشطة العلمية والثقافية والفنية ، ولعل من أبرز تلك المؤسسات جامعة الصداقة بين الشعوب ومعهد بوشكن وجامعة موسكو وجامعة سانت بطرسبورغ والمركز العربي الروسي المستقل وأكاديمية روسيا للعلوم والأكاديمية العالمية للمعلوماتية في موسكو وجامعة الحضارة الإسلامية ومعهد آسيا وأفريقيا ، وغيرها من المؤسسات والمدارس والتي تم تنفيذ برامج توأمة بينها وبين الأكاديمية ومنها مدارس في أقليم داغستان وأخرى في تتارستان وأقاليم روسية أخرى .
وقد امتد الطريق لتوسيع دائرة علاقاتي الثقافية والأكاديمية بمشاركاتي المتعددة في الندوات والمحاضرات والمؤتمرات التي نفذت على مدار العامين الأخيرين من إيفادي وزادت وتيرتها بعد سلسلة النشاطات التي نفذتها الأكاديمية إحتفالا بمناسبة مرور مائة عام على دخول الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية رحمه الله تعالى إلى الرياض وإعلان ولادة الدولة السعودية الثالثة ، وكان من بين تلك الأنشطة مشاركة الأكاديمية بتنظيم ندوة ثقافية عن المملكة وتاريخها وعلاقاتها حضرها جمع غفير من المثقفين والأكاديميين وكرمت الأكاديمية فيها مجموعة من المهتمين بتاريخ المملكة العربية السعودية وثقافتها ، ومشاركة الأكاديمية في تنظيم مؤتمر عن تاريخ المملكة بالتعاون مع جامعة سانت بطرسبورغ والمركز العربي الروسي المستقل ، والمشاركة بمجموعة من المعارض الفنية للرسام السعودي الدكتور حسن الغانم أحد منسوبي الأكاديمية رحمه الله ، والمشاركة في الكثير من أنشطة السلام والأنشطة الطلابية المتنوعة والانفتاح التام على المجتمع الروسي .
كما كان لانتسابي لدراسة الدكتوراه في أكاديمية روسيا للعلوم دور كبير في تعريفي بالكثير من الأكاديميين والمثقفين ، وأذكر أن زيارتي المتكررة لمقهى المثقفين في شارع تفرسكايا بالقرب من ميدان بوشكن أكسبتني التعرف على الكثيرين من المثقفين العرب والروس وبعض أعضاء الدوما الروسية مما زاد من فرص مشاركاتي في الكثير من المناسبات الثقافية والعلمية في المؤسسات الروسية الرسمية ، ونتيجة لحراكي الثقافي المتعدد في تلك السنوات وخاصة في السنتين الأخيرتين فقد منحت بفضل الله تعالى وسام تقدير جامعة الصداقة بين الشعوب من الدرجة الأولى نظير الجهود التي بذلتها في توثيق عرى العلاقات الثقافية والإنتاج الفكري والمشاركات في الكثير من الفعاليات الثقافية داخل الجامعة وخارجها ، كما أنني ولله الحمد شاركت مع مجموعة من الكتاب والمثقفين العرب في دولة روسيا الاتحادية في تأسيس اتحاد الكتاب العرب في روسيا ، وكان اللقاء الذي جمعني بسعادة الأخ الدكتور عبدالله عيسى في برنامج إذاعي بإذاعة روسيا عندما كان يقدم سلسلته الناجحة مقدمة للتعرف على كثير من المثقفين الذين شاركوا في تأسيس الاتحاد ، وقد منحت شرف عضوية التأسيس والعضوية الدائمة وحضرت احتفالية اعتماده من الجهات الرسمية في دولة روسيا وكان لي شرف إلقاء كلمة الأعضاء المؤسسين آنذاك ، والحق أنني أدين لبعض الزملاء من الأكاديميين والمثقفين العرب والروس بالجميل لتوسع دائرة صداقتي مع المثقفين عامة وبعض القيادات السياسية والعاملين في التمثيل الدبلوماسي من مختلف دول العالم ، وقد من الله علي في ذلك العام باعتماد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض خطة بحث الدكتوراه التي تقدمت به إليها بعد أن أنجزت برنامج الإعداد بنجاح ، وفيه أيضا ولله الحمد أتممت إعداد أطروحة دكتوراه الفلسفة في التاريخ وتمت مناقشتها في نهاية ذلك العام ، وفيه أنجزت تأليف كتابي مشكلات التنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية وطباعة طبعته الأولى في جامعة سانت بطرسبورغ ، وقد ازدادت في ذلك العام نشاطاتي الثقافية لمشاركاتي في العديد من الندوات والمؤتمرات في العديد من الجامعات الروسية .
وقد توجت جهودي في العلاقات الدولية والتبادل الثقافي أثناء مدة عملي في روسيا الاتحادية بحصولي على درجة أستاذ بروفيسور من الأكاديمية العالمية للمعلوماتية وقد سبقني من وطني العزيز للحصول على هذا الشرف معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة عندما كان سفيرًا للمملكة العربية السعودية في دولة روسيا الاتحادية وزير الثقافة والإعلام السابق وفقه الله ، وقد تركت لدي تلك المدة التي قضيتها في نشاط ثقافي وعلمي متواصل شعورًا بالزهو لما كنت أسمعه وأقرأه من شهادات متجردة تصف تفوق وطني العزيز والمنتمين إليه من أبنائه البررة الذين كانوا بحق سفراء مخلصين للوطن كل في مجاله وتخصصه ، ولو عادت بكرة الزمن أدراجها إلى ذلك الزمن لبذلت أكثر مما بذلته لمرضاة الله تعالى ورفع سمعة الوطن الحبيب ،.
وهنا أقول لكل من حمل أمانة تمثيل وطننا العزيز خارجه سواء أكان دبلوماسيًا أو طالبًا مبتعثًا أو عاملا أو زائرًا سائحا أن يحرصوا كل الحرص على غرس الذكرى الطيبة والحسنة في أماكن تمثيلهم فالوطن الذي يفتخرون به هو كذلك يفتخر بهم وبإنجازاتهم وعليهم أن يتقوا الله في السر والعلن وأن يعكسوا الصورة المثلى والوسطية للإسلام والمسلمين وأن يتمثلوا قيم وتقاليد المجتمع الإسلامي العربي الأصيل ، فما تخلده ذاكرة المجتمعات العالمية هو سلوك أبناء ازوارها من أبناء الوطن وبناته خارج حدوده حيث تتوسع دائرة الحرية الشخصية وقيود الأنظمة العقدية والاجتماعية ، ويمتحن الإنسان فعليا في التقوى والخوف من الواحد الأحد وفي الإخلاص في الانتماء والوطنية الصادقة ، وأدعوا الله أن يوفق وطني ومن يمثله من أبنائه خارجه لتحقيق أرفع مستوى في الثقافة والعلاقات وأن يكونوا مفاتيح للخير دعاة للحق بخلقهم وسلوكياتهم وأعمالهم . والله الموفق والمستعان .،،،