27) من أبرز معوقات تطوير التعليم العام في المستقبل
تردد الإرادة السياسية :
يلاحظ المتابع لتأريخ التعليم في الوطن العزيز أن توافر الإرادة السياسية كان من أهم الأسباب التي أثرت في إحداث الكثير من التحولات الثقافية والاجتماعية وأن إليها يرجع الفضل بإذن الله في الضغط على المقاومة الدينية والثقافية والمجتمعية لإحداث تلك التطويرات ، وقد سلم بها المجتمع بعد أن صدرت الأوامر السامية باعتمادها وتحقيق أهدافها ،
فليس ببعيد جدًا تلك المقاومة المجتمعية التي واكبت تأسيس مدارس التعليم العام للبنات ومن ثم تأسيس كليات البنات التابعة للرئاسة العامة لتعليم البنات وتلك التابعة للجامعات ، وما تلاها من تحفظات بشأن إدارة تعليم البنات وإقرار المناهج التعليمية لهن ، وتلك المقاومة الشديدة التي قابلها تأسيس الإذاعة والتلفزيون والسماح بإستقبال قنوات الإعلام الفضائية ، ومقاومة مشاركة المرأة كعضو فاعل في مجلس الشورى ، ومقاومة إشراك المرأة في حق الانتخاب بالمجالس البلدية ، ومقاومة مجموعة من التغييرات والتطويرات الثقافية ، وقد كانت الإرادة السياسية الحاسمة حاضرة في مقاومة المقاومة وإقرار ما يدفع بالمجتمع إلى النماء الحضاري ، ولا تزال الكثير من القضايا الاجتماعية والثقافية تجد مقاومة شديدة من تيارات التحفظ المستندة إلى الموروثات الثقافية والمتترسة بحصون الممانعة والمقاومة والخوف من تبديل الهوية الثقافية أو تطويرها ، والرافضة لكل تغيير يدفع بالمجتمع إلى ولوج الحضارة الإنسانية المتطورة ، وقد تعايشت خلال مدة عملي في وزارة التعليم مع تلك الضغوط الاجتماعية المقاومة وأحسست بها عن قرب خلال إدارتي لتطوير المناهج التعليمية وعملي في إدارات التعليم ، ومن المؤكد تاريخيًا أن توافر الإرادة السياسية لإتخاذ القرارات الحاسمة في توجيه التطوير في النواحي الثقافية والاجتماعية يدفع إلى نجاح عمليات التطوير وردع المقاومة عن تعطيل حراك التطوير ، ومستقبل التعليم إذا لم تتوافر له مع حركات تطويره الإرادة السياسية المؤمنة بأهمية تخليص المجتمع من قيوده الموروثة المقاومة للتغيير والتطوير للحاق بالمجتمعات المتقدمة والمنفتحة على التغييرات والمتطورة فإن تطويرالتعليم لن يؤتي الثمرة المأمولة حيث سيظل قادة المقاومة نشطين في تجنيد العامة والقائمين على تنفيذ برامج التطوير ومشاريعه لعرقلة التطوير وإفشال خططه وبرامجه ، ولذلك فإنني أومن بأن انعتاق المجتمع من قيوده الثقافية المقاومة للتطوير يتطلب إرادة سياسية حاسمة تتخذ قرارات التطوير والتحول ومحاسبة المثبطين والمعرقلين لمسيرة التطور المطلوبة .
وأعتقد بأن الإرادة السياسية تنشأ من القائمين عليها متى ما اقتنعوا بأهمية التطوير والتحديث في إتجاه فك قيود المجتمع من بعض موروثاته المعطلة للنماء والتنمية ، وستكون مفتاحًا للانتقال الآمن من حالات الركود إلى الحالات الفاعلة ولا بأس من التدرج في اعتماد خطوات التطوير حفاظًا على تماسك المجتمع وعدم تعريضه للصدمات الثقافية والعاطفية والنفسية فواقع الحال لدينا يقتضي التدرج في التطوير لشدة مناعة حصون المقاومين والممانعين لإحداثه توجسًا وخيفة وقد استقطبوا خلال عقود من الزمن الكثيرين من المؤيدين من العامة وحاربوا بكل قواهم المثقفين المنفتحين وشككوا في أهداف أدوات العقل والتفكير والانفتاح والتنوير حتى بدت تلك الأدوات غير مؤثرة في المجتمع ومقصية عن منابر التأثير العامة والخاصة ونعتوا المثقفين البارزين بأنشطتهم الفكرية المنادية بالعقلانية أعداء للوطن والأمة حتى توجس منهم العوام وقاطعوهم وقاطعوا كتاباتهم ومناداتهم بالعقلانية والتنوير والحرية الفكرية وبدوا في عزلة عن التأثير في الفكر العام والثقافة ، وقد اشتدت حملات التشكيك فيهم من قبل رموز التمترس من خلال منابر التواصل الإجتماعي المعاصرة وستستمر مقاومتهم مستقبلاَ لتعطيل التطوير في التعليم والثقافة العامة وفي الأنظمة الإدارية والاقتصادية إذا لم يقابلها إرادة سياسية واعية بأهمية إحداث التطويرات المرغوبة بما يرضي الله تعالى ويحافظ على الثوابت الشرعية، والله الموفق والمستعان .