الرئيسية / مقالات / الثقافة والتربية التأثير المتبادل

الثقافة والتربية التأثير المتبادل

تتبادل الثقافة والتربية التأثيرات لملازمة كل منهما الأخرى ولضرورة كل منهما في حدوث الأخرى حيث تعد الثقافة أساس من أسس التربية ومنبع من منابعها كما أن الثقافة تعد من أبرز مخرجات التربية فالتطور الذي يطرأ على الثقافة تلعب التربية في إحداثه دورًا كبيرا ويمكن القول أن أحداهما تصلح أن تكون دليلاً إلى الآخرى، فالثقافة في أبعادها المتنوعة المعيارية والعقائدية والاجتماعية والإبداعية هي محتوى التربية وهي كما أسلفنا مخرجها أيضًا وأعني بالتربية هنا جميع المدخلات والعمليات والمخرجات لوسائل التربية المباشرة وغير المباشرة المؤثرة في تكوين الشخصية وتكوين المجتمع والثقافة.

فالثقافة في أبسط تعريفاتها هي مجموعة العادات والتقاليد والقيم للمجتمع، ويعرفها “تايلور” بأنها مجموعة المكتسبات من المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادات وكل القدرات التي يكتسبها الفرد كعضو في جماعة، ويعرفها “بواز” بأنها: ذلك الكل المركَّب الذي يشمل العادات الاجتماعية في جماعة ما وكل ردود أفعال الفرد المتأثرة بعادات المجموعة التي يعيش فيها وكل منتجات الأنشطة الإنسانية التي تتحدد بتلك العادات، ويُعَرِّفها “مالينو فسكي” بأنها ذلك الكل المتكامل الذي يتكوَّن من الخصائص البنائية لمختلف المجموعات الاجتماعية من الأفكار الإنسانية والمعتقدات والأعراف والحرف والأدوات، ويعرفها “بانزيو” بأنها النسق الكلي من المفاهيم والاستعمالات والتنظيمات والمهارات والأدوات التي تتعامل بها البشرية مع البيئة لإشباع حاجاتها، ويعرفها “راد كليف بروان” بأنها العملية التي تنتقل بها اللغة والمعتقدات والأفكار والذوق والمعرفة والمهارات والاستخدامات في مجموعة اجتماعية معينة أو طبقة اجتماعية من جيل إلى آخر، ويعرفها “بارسونز” بأنها النماذج المتصلة بالسلوك وبمنتجات الفعل الإنساني التي يمكن أن تورث بمعنى أن تنتقل من جيل لجيل بصرف النظر عن الجينات البيولوجية، ويعرفها أخيرًا “البليهي” بأنها أسلوب أو طريقة الحياة التي يعيشها أي مجتمع بما تعنيه من تقاليد وعادات وأعراف وتاريخ وعقائد وقيم واهتمامات واتجاهات عقلية وعاطفية وتعاطف أو تنافر ومواقف من الماضي والحاضر ورؤى للمستقبل، إنها طريقة تفكير وأنماط سلوك ونُظُم ومؤسسات اجتماعية وسياسية وما يعيشه المجتمع من انفتاح أو انغلاق، فمفهوم الثقافة إذن هو مفهومٌ محوري يتضمن الأفكار والتصورات الموروثة والعادات والقيم والمواقف السائدة في مجتمع معيَّن.

والتربية في أبسط تعريفاتها هي منظومة من القيم والأفعال والسلوكيات الإيجابية التي يكتسبها الناشئة من القائمين على التربية في البيت والمدرسة والمجتمع بهدف تسهيل إدماجهم في المجتمع ومساعدتهم على التمكن من مهارات الحياة، وكونها سبيلا يُيسر لهم التكيف مع محيطهم، وتحقيق الانسجام والتناغم مع بيئتهم التي من مواصفاتها وخصائصها وأسسها التغير السريع والتحول المستمر، وللتربية كما للثقافة مجموعة من التعريفات إلا أنها جميعها تؤكد على أن عملية التربية عملية مقصودة أحيانًا وغير مقصودة في أحيان أخرى وتحدث على مستوى البيت والمدرسة والمجتمع ومن مصادرها المعاصرة المتاحة عبر وسائل الإعلام والاتصالات والتقنيات والتواصل والألعاب وتهدف إلى إعداد الأفراد للحياة والتفاعل مع البيئة ومكوناتها المتنوعة ومع الثقافة بتنوعها.

ومن التعريفات السابقة يتضح لنا مدى الترابط والتداخل بين محتوى كل من الثقافة والتربية ويمكن وصف العلاقة بينهما بأنها علاقة ديناميكية متفاعلة مستمرة لا تقتصر على زمان أو مكان معين بل هي علاقة ايجابية غايتها نقل محتوى الثقافة إلى الأجيال والمجتمعات والعوالم المتعاقبة بطريقة مقصودة وغير مقصودة من خلال وسائل تربوية متعددة ومتطورة للحفاظ على الهوية ، وأستطيع القول بأن التربية هي العمود الفقري للثقافة، وأن الثقافة هي روح التربية، وكلاهما مترابطتان ومتبادلتان التأثير والتأثر، فالتربية منهج يقود الأفراد إلى بناء التصورات النظرية والعملية للحفاظ على هوية المجتمع وحمايتها من الانصهار أو الاندثار بفعل تنوع الوسائل والمصادر وتنوع آثارها السلبية، والثقافة هي هوية المجتمع.

إن الثقافة والتربية اليوم تواجهان في الكثير من دول العالم تحديات العولمة وتعدد المؤثرات والمصادر التي لم يعد في الإمكان ترشيدها وفقًا للمأمول والمرغوب والمقبول ولا حجبها وعزل تأثيراتها وأصبح لزامًا على المجتمعات التي ترغب في المحافظة على هويتها ابتكار أساليب تربوية متطورة تسهم في الانتفاع من إيجابيات المصادر المتعددة وتجنب سلبياتها ، وتدل مؤشرات استشراف المستقبل على ازدياد قوة التأثير السلبي لتلك المصادر التقنية المتطورة مما يتطلب جهودًا اكثر تركيزًا وحرصًا ، فالإصلاح الثقافي يفضي بالضرورة إلى إصلاح تربوي في الكثير من الأحيان والإصلاح التربوي يفضي إلى إصلاح ثقافي غالبًا ، ومن المأمول أن يتم الإصلاح الشامل للثقافة والتربية لضمان التوصل إلى نتائج إيجابية مأمولة ، وأرجو أن يتبع وطني عمليات التطوير والإصلاح الشاملة للثقافة والتربية. والله الموفق.

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

التدبر والتفكر والتذكر والتعقل عبادات مأجورة

بسم الله الرحمن الارحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه ...