بلغتُ من العمرِ المُهابِ مَكانةً ..
وصرتُ به شيخًا من العمرِ يَذْهلُ ..
فستونَ عامًا قد مضتْ ثم فوقَها ..
من العمرِ عامٌ صاخِبٌ ومُجَلْجِلُ ..
وأسألُ نفسي كيفَ مرَّتْ سنينًهً ..
وفي جًلِّها كدٌّ وهدٌّ ومِعْولُ ..
وفيها سقامٌ قدْ شَفى اللهُ جُلَّها ..
لهُ الحمدُ والشكرُ الوفيرُ المُكَمَّلُ ..
وفيها عناءُ الشُغْلِ والسعي بُكرةً ..
لرزقٍ أكفُّ به كفًا من الناسِ تسألُ ..
وفيها ذهابٌ كلَّ يومٍ وغُدوةٍ ..
لعلمٍ وتحصيلٍ ودرسٍ يُبَجّلُ ..
لأرقى بها فهمًا وعقلاً ومنهجًا ..
وأسمو بها في الناس قدرًا فأُقْبَلُ ..
وفيها قيامٌ بعدَ نومٍ وهجعةٍ ..
وفيها طعامٌ بعد صومٍ مُحَلَّلُ ..
وفيها بناءٌ ثم تعميرُ مسكنٍ ..
وفيها زواجٌ وانتظامٌ ومحفلُ ..
وتربيةُ الأولادِ في كلِّ لحظةٍ ..
وإرشادُهم للحقِ فيما سَيعْملوا ..
وفيها سجودُ الطائعينَ لربِّهم ..
بكلِ صلاةٍ لا يَملّوا ويَعْجَلوا ..
وفيها كفاحٌ نحو تحقيقِ غايةٍ ..
ومنزلةٍ بين الخلائقِ تَجْمُلُ ..
وفيها من السّعدِ أوقاتٌ وفيرةٌ ..
وفيها من الحزنِ ساعاتٌ تُملّلُ ..
وفيها من الأحداثِ ما كان مزعجًًا..
وأخرى تفرحُني وأخرى تزلزِلُ ..
وتلكَ هي الأعوامُ تَمْضي وتَنْقضي ..
وتتركُ فينا الذكرياتِ وتُشعلُ ..
فيا ربِّ فاسْترني فإنِّي مُحَمَلٌ ..
بما أنتَ علامٌ وخَلقُكَ يَجهلوا..
وأحسنْ لي الأعمالَ والختمَ إنني..
أتوقُ إلى العفو الكريمِ و أصْمُلُ ..
وأدعو بإخلاصٍ بأعلى مكانةٍ ..
بجناتٍ خلدٍ في ظِلالِ تُظلّلُ ..
وأصحبُ فيها من أحبُّ فَيزَْدهي..
مع الأهلِ والأحبابِ سعدي ويَكْمُلُ ..
فأنتَ إلهي مستجيبٌ لِمن دعا..
وأيقنَ أنّ العمرَ يمضي ويذبُلُ ..
وأيقنَ أنّ الموتَ حقٌ مقدّرٌ ..
إلى أجلٍ للخلقِ لا يتأجلُ ..
فجَبْ دعوتي إنّي عُبيدٌ موحدٌ ..
يجاهدُ للغفرانِ دومًا ويعملُ ..
فإنْ لم يفزْ عبدٌ بعفوٍ ورحمةٍ..
من اللهِ يرجوها ففي النارِ منزلُ ..
فعفوكَ يا رباهُ فالقلبٌ طامعٌ ..
بعفوِكَ أنّ العفوَ للقلبِ أجملُ ..
وأختم لي العمرَ المديدَ بصالحٍ ..
لألقاك راضٍ يوم لُقياكَ أعقِلُ ..
وأنجو من النارِ السعيرِ برحمةٍ ..
تجودُ بها فضلًا علي وتُجمِلُ ..