25) مشاهد مستقبلية قليلة احتمال الحدوث لتطوير التعليم العام
لقد رسمت مجموعة من المشاهد والسيناريوهات المحتملة لمستقبل مجموعة من عناصر المنظومة التعليمية في التعليم العام في الوطن العزيز وتظل هناك مشاهد أخرى أقل احتمالا في الحدوث لكنها مشاهد ستحمل مواصفات خاصة لمستقبل متطور لا يمكن التنبوء قطعيًا بمواصفاته ، وعلى القائمين على التعليم وتخطيطه وتطويره عدم إهمال التفكر فيها كمشاهدمحتملة وإن ظلت بعيدة الاحتمال وهي تترتب على تغييرات جذرية في الثقافة وخصائص المجتمع وفي السياسة العامة والثوابت الوطنية وتتطلب جهدًا خاصًا وتطويرًا في الخطط والاستراتيجيات العامة والخاصة بالتعليم ، وتؤثر نواتجها حتمًا في إعادة تشكيل المجتمع بثقافته وتوجهاته ، وتتلخص هذه المشاهد في الآتي :
المشهد الأول : تبني الدولة ووزارة التعليم إقرار مادة التربية الرياضية للبنات ضمن الخطة الدراسية للمناهج التعليمية أسوة بالبنين والعمل على مراعاة توفير متطلبات هذا التوجه بإنشاء نماذج مباني مدارس المستقبل للبنات وتطوير بيئات المباني التعليمية القائمة وتزويدها بالتجهيزات اللازمة وإنشاء الملاعب والقاعات و الصالات متعددة الأغراض في جميع المدارس للبنين والبنات ، وتنفيذ الأنشطة والمنافسات الرياضية والثقافية والفنية والاجتماعية بين الفصول والمدارس وإدارات التعليم للبنين والبنات وهذا المشهد يتطلب قرارًا سياديًا كما بدأ في إقرار تعليم البنات ومواجهة المعارضة المجتمعية المتوقعة في المستقبل والتي ستكون تكرارًا لما حدث من معارضات لبعض التطويرات في الثقافة والتعليم ونظمها وأساليبها.
المشهد الثاني : تبني الدولة ووزارة التعليم إقرار دمج رياض الأطفال والصفوف الدنيا من المدارس الابتدائية في مدارس تعليم البنات بحيث يوكل للمعلمات عمليات القيادة والتدريس وإقرارتدريس اللغة الانجليزية والحاسب الآلي واستخدام وسائل التواصل من مرحلة رياض الأطفال إلى مرحلة التعليم الجامعي ، وهذا المشهد يتطلب قرارًا سياديًا حاسمًا كما يتطلب مقاومة المعارضة من التيارات المتشددة وحتى التيارات الوسطية لما يتوقع أن يترتب عليها من وجهات نظرهم من فساد المجتمع وسلخه عن هويته الدينية والثقافية.
المشهد الثالث : إقرار استقلال مدارس التعليم العام للبنين والبنات وإسناد الإشراف عليها وإدارتها وتشغيلها لمجالس الأمناء أو للشركات الخاصة المتعاقد معها لتشغيل المدارس الحكومية والاكتفاء بإشراف الوزارة وإدارات التعليم على تنفيذ الخطط وتوزيع الميزانيات وفقًا لنتائج التقويم والتصنيف والاعتماد المدرسي ، وفتح المجال للقطاع الخاص للتنافس في تأليف المناهج وفق وثائق تعدها وزارة التعليم وترك حرية اختيار المناهج المناسبة لقرارات مجالس الأمناء في مدارس المستقبل المستقلة ، وهذا الاحتمال يتطلب قناعة الدولة لتحقيق تطوير أكثر تأثيرًا في أسرع وقت ممكن مع إتاحتها الفرصة للتوسع في خصخصة التعليم .
المشهد الرابع : اعتماد رتب المعلمين وشاغلي الوظائف التعليمية وربط الرواتب والعلاوات السنوية بالنماء فيها وبمستوى الأداء الوظيفي واشتراط العمل في كل رتبة ثلاث سنوات للترقية وفق معايير محددة للرتبة التالية ، بحيث يكون ترشيح القيادة المدرسية من الرتبة الثانية ، وترشيح الإشراف التربوي من الرتبة الثالثة ، وترشيح مديري الإدارة في إدارات التعليم من الرتبة الرابعة ، وترشيح مديري التعليم من الرتبة الخامسة ، وترشيح مديري العموم في الوزارة من الرتبة السادسة ، وترشيح وكلاء الوزارة من الرتبة السابعة، واعتماد معايير محددة ومعلنة للقيادات التربوية في جميع المستويات وتحديد مدة القيادة بأربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط في موقع آخر للمتميزين منهم فقط ، ويتطلب ذلك التعديل في أنظمة الخدمة المدنية وأنظمة التعليم وقد يشاهد في المستقبل عمليات إنتخاب للقيادات التعليمية بما فيهم الوزراء ، ويتطلب هذا المشهد الذي سيدفع بإذن الله إلى التطوير المنشود في التعليم وتحقيق مخرجات نوعية منافسة على مستوى العالم زيادة نفقات التعليم في الموازنات السنوية للدولة .
المشهد الخامس : إقرار تدريب جميع المعلمين وقيادات المدارس والقيادات التربوية في المستويات المختلفة للبنين والبنات في الدول المتقدمة تعليميًا بما لا يقل عن دورة تدريبية واحدة خلال كل أربع سنوات لتدريبهم على طرائق التدريس والقيادة التربوية المعاصرة وتتكرر كلما دعت الحاجة لرفع كفاياتهم الوظيفية والمهنية ، وتطبيق التفرغ العلمي المطبق في الجامعات كل خمس سنوات على المعلمين والمعلمات في مدارس التعليم العام للقيام بأنشطة مجتمعية مفتوحة ، ويتطلب هذا المشهد كما يتطلب المشهد السابق زيادة نفقات التعليم في الموازنات السنوية .
المشهد السادس : إعتماد إنشاء عشرين ألف مبنى مدرسي على الأقل وفق نماذج مدارس المستقبل تنفذ في ثلاث سنوات كحد أقصى للتخلص من المباني المستأجرة ، واعتماد تأهيل المباني الحكومية القائمة للتوافق مع نماذج مدارس المستقبل في المكونات والتجهيزات التقنية ، وتزويدها بالتقنيات والتجهيزات اللازمة لتحويلها إلى مدارس إليكترونية متفاعلة ، ويتطلب هذا المشهد إعتماد مبالغ مالية تزيد عّما اعتمد لمشاريع التعليم في العشرين سنة المنصرمة وهو ما يقتضي الوفرة المالية للدولة والقرار السيادي للتنفيذ وإسناد المشروعات التعليمية على شركات عالمية خارج نظام المنافسات الحكومية .
المشهد السابع : اعتماد التوسع في دعم خصخصة التعليم وفق معايير وشروط الجودة والنوعية ومعايير مدرسة المستقبل وشراء مقاعد الطلاب فيها لتشجيع التوسع في إحداثها وفتح مجال تشغيل المدارس الحكومية للقطاع الخاص والاتحادات العمالية المتخصصة وفق الشروط والمعايير التي تضمن تحقيق تعليم وتعلم نوعي ومخرجات نوعية تلبي متطلبات التنمية وتكسب ناشئة المستقبل مهارات الألفية الثالثة .
المشهد الثامن : إنتشار المدارس الإليكترونية والتعليم عند الطلب في المستقبل القريب وذلك بسبب عجز وسائل التعليم التقليدية عن الوفاء بمتطلبات طلاب المستقبل وفق خصائصهم وفي هذا المشهد ستنهار أنظمة التعليم التقليدية مقابل نشاط منظومة التعلم الإليكتروني وقد يشهد المستقبل نماذج المدارس المحمولة في تطبيقات أجهزة الهواتف الذكية والألواح الإليكترونية ، وتصبح أغلب المدارس القائمة خالية من الطلاب والمعلمين وفي أحسن حالاتها ستحول إلى فصول إفتراضية تستخدم فيها وسائل التقنية المتطورة للتواصل مع الطلاب عن بعد .
المشهد التاسع : إلغاء المناهج التعليمية المخططة مسبقًا واعتماد المناهج الآنية التي يشارك الطلاب والمعلمون في إحداثها وفقًا للمتطلبات الملائمة لخصائص الطلاب وبيئات التعليم والتعلم وفق توجيهات تعمل وزارة التعليم على توفيرها للمدارس ، وإنتشار التعليم المفتوح القائم على الأنشطة المدرسية والتدريب على ممارسة الهوايات وإبداع المشاريع ، والتوسع في استخدامات التقنية المتطورة لتحقيق أهداف المناهج المفتوحة ، وفي هذا المشهد ستختلف المناهج بين كل طالب وآخر وبين كل مستوى تعليمي وآخر وفقًا لميول ورغبات الطلاب بما يلبي حاجاتهم الآنية للتعلم .
المشهد العاشر : تعميم مهنة التدريس للقادرين على ممارستها بأجر أو متطوعين بشروط تتلاءم مع خصائص المستقبل ومتطلبات التعليم الإليكتروني الملائمة لخصائص الطلاب وقد يكون بين المعلمين آباء وأمهات وطلاب يمتلكون الكفايات اللازمة للتدريس والتدريب يعملون لفترات متصلة أو متقطعة وفق ما تقتضيه الحاجة وتخطط له إدارة مدارس المستقبل بناء على الطلب وحاجات الطلاب ، وفي هذا المشهد سيخرج التعليم عن شكله الروتيني المعتاد وستطبق مواقف التعليم الإبداعية بدلا من المواقف الإعتيادية ويحتاج مثل هذا المشهد إلى هيئة إدارية متمكنة من استخدام المقاييس ورصد الاحتياجات والتواصل النشط مع المجتمع لتلبية رغبات الطلاب في التعليم والتعلم .
وهذه المشاهد على الرغم من ضعف حدوثها في المستقبل القريب إلا أنها تظل مشاهد محتملة الحدوث في المستقبل وينبغي على القائمين على رسم إستراتيجيات التعليم وخططه المستقبلية عدم إهمال دراستها وتحليل ما يترتب عليها من آثار متوقعة في هيكل التعليم وفي مدخلاته وعملياته ومخرجاته بما يفي بمتطلبات التنمية المتطورة ويلبي الاحتياجات الاجتماعية لتعليم نوعي ذي جودة عالية ومنافسة عالميًا قادر على جذب الطلاب للتعليم والتعلم . والله أعلم بما سيحدث في المستقبل من تطورات وتغيرات في جميع مناحي الحياة تؤثر بإذن الله على هيكل وزارة التعليم ومؤسسات التعليم المستقبلية ، وتؤثر على مواصفات ومعايير المدخلات والعمليات والمخرجات التعليمية ، وقد تكون ملامح أحد المشاهد السابقة واحدة من تلك الانعكاسات لتلك التطورات التي تتسارع وتيرتها بشكل جعل الخبراء التربويين والقائمين على التعليم في العالم في حيرة مستمرة ،، والله الموفق والمستعان .