20) بيننا الآكلون لحوم البشر !!
لم تعرف البشرية سلوكًا أكثر شناعة وبشاعة و هولاً من سلوك آكلي لحوم البشر منذ قدم التاريخ ، ويعتقد أن أول من مارسوا هذا السلوك المشين هم سكان جزر الكاريبي “Caribs” في القرنين الخامس عشر والسادس عشر لدرجة أن التسمية العلمية لأكل لحوم البشر “Cannibalism” مشتقة من اسمهم، إلا أن الدراسات الحديثة تعتقد أن هذا السلوك المشين كان يمارس على نطاق أوسع في القبائل الإفريقية، وأنهم من نقلوه إلى جزر الكاريبي كطقوس من طقوس سحر الفودو، لينتشر بعد ذلك على نطاق أوسع، حتى أصبحت كل دولة في العالم تحمل في تاريخها بضع صفحات سوداء، تسجل فيها حوادث أكل لحوم للبشر .
وعلى الرغم من وجود مصطلح آكلي لحوم البشر قديمًا ، فقد شاع حديثًا من خلال الأفلام السينمائية التي أطلق عليها اصطلاحًا أفلام الرعب ، وقد صرفت على إنتاجها أموال كثيرة خاصة في عاصمة السينما الأمريكية ” هوليود ” بهدف الإمتاع السينمائي وجني أرباح مبيعات شبابيك التذاكر في دور العرض السينمائي الدولية والتي في كثير منها تجاوزت أرباحها نصف المليار دولار عن كل فلم ، وهي في جملتها أفلام تصور الشر عند بعض البشر إلى الدرجة التي معها يتلذذ بأكل لحم أخيه الإنسان ، بل ويستهدف ذلك هواية ورغبة ملحة ليس في الانتقام والتشفي فحسب بل في إلحاق الأذى البالغ بكل ما هو آدمي وبشري . وقد نجحت السينما الغربية وتبعتها السينما الشرقية في إبراز الصور المعبرة عن مخزون الشر في البشر لإلحاق الأذى بإخوانهم البشر حتى مع أقربهم إليهم نسبًا وانتماءً ، والسؤال هنا هل الشر الدافع إلى أكل لحوم البشر موجود لدى الكثيرين من البشر أم هو صفة شاذة ونادرة لا توجد إلا لدى التجمعات البشرية المنعزلة والمتخلفة التي تعيش في الكهوف والغابات ؟
لقد برزت الإجابة عن هذا السؤال عند التعريف بهذه الفئة الشريرة في القرآن الكريم حيث أطلق معنى مصطلح آكلي لحوم البشر على كل من يطال أخيه البشري بالكلمة المؤذية سواء أكانت سبًا أو شتيمة أو كانت غيبة أو نميمة أو بهتانًا مبينا ، أو كانت ظنًا سيئًا ، أو منكرًا من القول وزورا ، وبالغ التعبير الإلهي في وصف كراهية السلوك بوصف اللحم ميتًا ، يقول الله تعالى في سورة الحجرات :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” (12) .
وهنا تتجلى الصورة عن ماهية آكلي لحوم البشر وعن حجم تواجدهم في الأمم ، ولن أبالغ إن قلت إن كل فرد من البشر كان في وقت من الأوقات من آكلي لحوم البشر إلا من رحم الله تعالى ، فتطاولك على أخيك بما يؤذيه كأنما أكلت لحمه ليس حيًا فحسب بل ميتًا كما وصف ذلك القرآن الكريم ، ورغم أننا نكره أن تؤكل لحومنا ولحوم أخواننا صراحة ، نقبل في الوقت نفسه أكل لحوم الآخرين مجازًا، جهلا بدناءة ذلك وكراهيته أو جهلا بإثمه الكبير ، ولعلي في هذه المقالة أدعو إلى ما دعت إليه الرسالات السماوية من قبل ودعا إليه ديننا الحنيف ، بالحذر من الوقوع في معصية أكل لحوم البشر بالحقيقة أو بالمجاز من خلال الكلمة السيئة ، وعلينا أن نستغفر الله التواب الرحيم ونتوب إليه مما زلت به ألسنتنا من كذب أو نميمة أو بهتان ، وما زلت به أفئدتنا من ظن آثم ، أو تحقير ، أو تطاول لا يرضاه الآخرون كما لا يرضاه الراشد منا على نفسه ، وعلينا التواصي بالحق والتواصي بالصبر وبالكلمة الطيبة ، فاليوم كما يردد ذلك الدعاة عمل وغدًا حساب ، والله لا يضيع أجر المحسنين قولا وعملا ، كما أنه تبارك وتعالى لا تصلح عما المفسدين ، وليبدأ المؤمن بنفسه فيردعها عن الرذيلة وليذكر أنه عوراته لا تختلف عن عورات الآخرين وأنه كما يكره أن يطال من غيره فالناس يكرهون ذلك ، وغفر الله للإمام الشافعي الذي نسب إليه قوله شعرًا :
لسانك لا تذكر به عورة أمرء ،،، فكلك عورات وللناس ألسن ،،
وعينك إن أبدت إليك معايبًا ،،، فصنها وقل ياعين للناس أعين ،،
ولو تمثل كل منا قيمة العفة وكف الأذى عن الآخرين وصدقنا فيها وصبرنا عليها لما أوذي أحد منا ، ولو علمنا أننا عندما نتطاول على الآخرين لفظًا حقيقة أو إفكًا إنما نأكل من لحومهم ميتة ، حمانا الله من ذلك ووقانا عذاب السعير ،،، والله الموفق ،،،،،.