عندما تنتفض الشعوب !!
تستقر الأحوال عادة للسلطات في الأمم الأمية وتنصرف جهود العامة من الشعوب فيها تجاه تلبية المتطلبات الأساسية للعيش والأمن والاستقرار دون التفكير في قضايا الحرية والشراكة المجتمعية والشراكة السياسية في صناعة القرار ، ودون التفكير فيما يدور في مجالس السلطات وأقبيتها ودواوينها وأذرعتها للتحكم في مجريات الأمور ،
وعادة ما تتجه السلطات في هذه النوعية من المجتمعات إلى إحكام الأمر والسلطة عن طريق القوة والقمع والإذلال للعامة من الشعب ، والاستئثار بالرأي والقرار السياسي والاستئثار بالثروة ، فلا يطال العوام من الدخل القومي سوى الفتات الفائض عن أطماع السلطة ، وتنتقص حقوقهم في الكثير من الخدمات الأساسية في التعليم والصحة والأمن بأنواعه ، وتعزل السلطة فيها الآراء وتنتهك حقوق الإنسان ، وتزداد فيها الجاسوسية والمعتقلات التأديبية أو الإقصائية ، وتنعزل السلطة عن أحوال العامة فلا ترى ما يؤرقها أو ينقصها من المتطلبات والحقوق ، وتمتد سنوات الحكام في هذه المجتمعات سنوات طويلة دون تغيير في أركانها الأساسية، وتعمد السلطة إلى تجهيل المجتمع وتعميته وتغتال أحلامه وطموحاته ، وكلما برز منهم داع إلى التحرر قبض عليه بتهمة الفساد والإرهاب والتضليل ونحو ذلك .
ومع ازدياد الضغط السلطوي على الشعوب المنكوبة من قبل سلطاتها ومع تناقص القدرة لدى أفرادها على تلبية متطلباتهم الأساسية ومع تفشي البطالة والجهل والمرض تنشأ الحاجة لدى الشعوب للتخلص من قيودها من خلال مخالفة النظام المسيطر والتعدي على قوانينه من جانب وعن طريق البحث عن منافذ للتحرر من تبعيته ، وتنشط حركة بروز الرموز المضطلعين بقيادة الرأي العام في اتجاه رفض التبعية والانقياد للسلطة والنظام ، وقد تتخذ حركات التحرر أساليب الحركية والسرية والخطابية سلالم للوصول إلى إقناع العامة بأهمية الانتفاضة الشعبية للتحرر من طغيان السلطة .
وقد تصبح الانتفاضة سلمية بيضاء ، وقد يختار دعاتها وقادتها اللون الأسود باستخدام وسائل العنف القائمة على التخريب والاغتيالات وإتلاف ممتلكات السلطويين ، والهدف المنشود لديهم هو إجبار السلطة على التخلي عن هيمنتها على الأمور والقوانين والعلاقات ، وهذه الحالات من التغيير الذي قادته الشعوب المظلومة والمنكوبة كان الغالب على امتداد تاريخ البشرية ، وقد تحدث نتيجة ذلك تغييرات من بعض أعضاء السلطة بتبني أسلوب الانقلابات السياسية ، وقد تنجح السلطة في الحفاظ على سيطرتها على الأمور إذا ما لجأت إلى هذا النوع من التغيير وقد تقنع الشعوب بإحداث بعض التغييرات إلا أن الأمور ما تلبث أن تعود إلى سابق حالها مع زيادة التحكم وتصفية المخالفين ، ويستمر صراع الشعوب مع السلطات باستمرار الحاجة إلى تلبية المتطلبات الرئيسة للمجتمعات من الخدمات والأمن والحرية .
وقد مر المجتمع الإنساني بهذه الحالات من العلاقات بين السلطة والشعب ، كما مر بالكثير من المحاولات للتخلص من السلطات الظالمة ، وابتكر الإنسان بفكره المتحرر أساليب جديدة للقيادة والسلطة تضمن مشاركة العامة وضمان حقوقهم وتنوعت السلطات بين إسلامية وعسكرية وديمقراطية وشيوعية واشتراكية وجماهيرية … ونحوها ، لكن هذه النتائج التي بلغها الإنسان لتطويع السلطة لمتطلباته لم يبلغها وهو يرزح تحت ظلام الجهل ، بل بلغها بالعلم والحكمة ونشرها بين العامة بالوسائل المتاحة ونشطت عبر التاريخ حالة الخطاب اللغوي لإيصال فكر النخب إلى العوام ، وتم تجييش العقول أولا مع الفكر ضد السلطات التي تحاربه كمرحلة أولى قد تنتقل بعدها إلى أساليب وأطر أخرى بحسب قوة السلطة وإحكامها القبضة على التحركات والحركات ، ولعل الإنسان المعاصر يصل إلى أساليب جديدة تضاف إلى أساليب التفكك من قيود التبعية القسرية التي حققها الإنسان عبر تاريخه .
وقد تساءلت كما تساءل غيري عن الصيغة الأنسب للحكم والسلطة في عصر يرفض أمية المستجدات المعاصرة من التقنيات والابتكارات المتطورة القائمة على المعرفة والمعلوماتية ، وهل ستفيد نظم الحكم المعاصرة في تجنب انتفاضة العامة ؟، كما تساءلت عن الهيئة التي ستكون عليها انتفاضة العامة فيما لوحدثت في أي جزء من العالم اليوم ، هل ستتبنى الأساليب المعتادة أم ستبتكر أسلوبًا جديدًا يضاف إلى ما سجله التاريخ للشعوب الطامحة في التحرر من قسوة الحكومات والسلطات التي تقصيها عن المشاركة في الحكم والسلطة ؟ ، ولعل الحكومات المعاصرة الواعية تدرك أهمية الشراكة مع العامة في السلطة وأهمية توزيع الثروة بما يتغلب على الطبقيات وبروز الرأسمالية البغيضة ، فذلك من وجهة نظري أسهل الطرق لكسب ود العامة من الشعوب وتحقيق العدل في توفير متطلباتهم الأساسية ، وإيقاف انتفاضة مؤكدة أبطالها سيكونون بدون شك من العامة المظلومين ،،، والله الموفق والمستعان ،،،