الوقفة (100) الأخيرة : مع وقفاتي قبل الخاتمة
لقد اجتهدت في تدوين وقفاتي على منهج السرد التاريخي الأدبي لتكون قصصًا معلمة لجيل اليوم والمستقبل وقد نشأت فكرتها عندما كنت أطالب من الكثيرين من الزملاء والأصدقاء في مجالسنا واجتماعاتنا بالتحدث عن بعض المواقف الطريفة وبعض قصص الكفاح التي مررت بها في حياتي خلال عمري الممتد بفضل الله تعالى لأكثر من أربع وخمسين عامًا، وفي ذات ليلة عزمت على الكتابة والتدوين للمواقف التي أعتقد بأنها تتضمن مواقف معلمة وتحتوي على خبرات يسهل اكتسابها ونفع الناس بها قبل أن تتآكل ذاكرتي فلا أجد حيلة ولا قوة لتذكر ما مر بي منها وخاصة مع تقادم الزمن على كثير منها ، فاستعنت بالله العظيم وطلبته التوفيق والسداد لكتابة وتدوين ما ينفع الناس ، وقد كانت وقفاتي مع الوقفات نفسها في اعتقادي لاتقل تعليمًا عما تضمنته من مواقف معلمة .
وقد بدأت معي الحيرة في انتقاء الوقفات والمواقف المعلمة من بين ملايين الأحداث والوقفات التي مررت بها في حياتي ورغم أنها جميعها تحتوي على مواقف معلمة وخبرات متنوعة إلا أنه كان لا بد لي من انتقاء مائة وقفة منها تعد من وجهة نظري أكثرها رسوخًا في الذاكرة وأفضلها في التعليم والخبرة ، وكنت قبل أن أدلف إلى الكتابة والتدوين أعصر ذاكرتي وأناقش ذاتي في أحداث كل وقفة تم اختيارها وأبذل جهدًا مضاعفًا في تقويمها واختيار عنوانها ومحتواها وأجتهد في إعداد مسودتها باختيار الأسلوب والطريقة والمنهج ، وحرصت على أن تتضمن كل وقفة منها نصيحة ترشد إلى الموقف المعلم فيها ، وقد واجهت خلال إعدادها الكثير من المحاسبة الذاتية وقد أكون مع كل هذا الحرص الذي انتهجته في الكتابة والتدوين قد وقعت في بعض الأخطاء التي لا يسلم منها البشر إلا أنني أؤكد بأنني اجتهدت بصفاء النية ونبل الهدف والغاية في تلافي أي مؤثر سلبي في محتوياتها لتصل إلى القراء والمتابعين صافية سامية هادفة معلمة خالية من العيوب ، فإن أجدت وأصبت فبتوفيق الله تعالى الذي توكلت عليه في كل أمري ، وإن أخطأت فمن نفسي وألتمس العذر لكل القراء عما جانب الهدف في محتوياتها ، وأدعو الله تعالى أن يجعلها من العلم النافع المعلم ، وأن يرفعني بها في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
إن لجوء بعض الخبراء والعلماء والمشاهير في مجالات السياسة والثقافة والاقتصاد إلى تدوين مذكراتهم أصبح مطلبًا لدى الكثير من دور النشر العالمية ولم أرد أن تكون وقفاتي من نوع المذكرات الشخصية التي تطالعنا بأخبار صدورها وسائل الإعلام المتنوعة بل أردت أن تكون من نوع القصص المعلم الذي تضمن كتاب الله تعالى مثالا صادقًا لها ، ولذلك أخترت طريقة العرض والسرد لتلائم الهدف والغاية منها ، وأظن بأنني أرضيت نفسي بما انتهجت من أسلوب وأرجو أن أبلغ رضا الله تعالى عني بها كما أرجو أن يوفقني الله تعالى إلى اكتساب رضا القراء والمطلعين عليها ، وأن يجعلها من العلم النافع المعلم ، وأن يجنبني العجب بما أنتجت فما هي إلا جهد المقل المقصر الراجي من الله العفو والصفح والمغفرة والآمل في منفعة الناس بما علمه الله ، ودعوتي لكل من وقع على جزء منها أن يذكرني بدعوة صالحة في ظهر الغيب ليغفر الله لي ويرفعني بها في الدنيا والآخرة .
ومن المواقف المعلمة وأنا أدون وقفاتي هذه ذلك الحوار الذي دار بيني وبين أحد الزملاء عند اطلاعه على الوقفات الأولى بعد نشرها في موقعي المطور حيث سألني : أأفهم أنك تدون ختام أعمالك ونشاطاتك في مجالات البحث والتأليف والعمل ؟ فقلت له : ليس الأمر كما تظن ، وتدويني لهذه الوقفات قد يكون مفتاحًا وبداية جديدة لأعمال ونشاطات أخرى ، وما تدويني لها إلا كما ضمنته عنوانها حيث قلت : قبل أن تمحى من ذاكرتي ، ولأنني بشر يعتريه الضعف بالتقادم في العمر فإنني آثرت أن أدون ما أرى بأن فيه النفع للناس قبل أن تفقده ذاكرتي ، فقال : لعلك تؤخر النشر إذا إلى أن تعلن التوقف تمامًا ، ولم أوافقه الرؤية فالخير لا يؤجل تقديمه للمنتفعين منه ولذلك عزمت على تقديمها كوجبات متتالية في موقعي الإليكتروني المطور ، كما عزمت على أن أخرجها بإذن الله تعالى في كتاب مطبوع وكتاب إليكتروني منشور وتوزيعهما تسويقًا أو مجانًا لمريديهما من راغبي قراءة قصص المواقف الإنسانية المعلمة ، وآمل أن أتمكن من تحقيق هدف الطباعة والنشر وأنا متمتعًا بالصحة والعافية لأتمكن من تلقي التغذية الراجعة لتسديد مسيرتي المستقبلة في التأليف والبحوث والدراسات والإنتاج الفكري بتنوعه ( وقد تم لي ذلك فضل الله تعالى حيث تمت طباعة الكتاب في العام الحالي 1437هـ 2016م وقد شاركت به في معرض الرياض الدولي للكتاب في دورته الحالية ولله الحمد ).
ونصيحتي الأخيرة في هذه الوقفات لكل المسلمين الراجين من الله العفو والصفح والفوز بالجنة والنجاة من النار بتقوى الله تعالى في السر والعلن ونبذ الفرقة والاختلاف ونبذ الطائفية والعنف والبغضاء والإقبال على طلب مرضاة الله تعالى بالأعمال الصالحة ، وليعلم الجميع أن الفرقة المذهبية والفرقة الفكرية إنما هي تزيد الأمة ضعفًا وتأخرا وما كان المؤمنون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرا فرقًا وطوائف ومذاهب ولم تظهر أسباب الفرقة والفشل إلا بعد وفاته، وإنني لأعتقد بأن الإيمان التام ليس في مذهب بعينه بل في النهج النبوي الصحيح الذي كان عليه جميع الصحابة رضوان الله عليهم ، فمذهبي كما كنت أكرر ذلك دائمًا هو مذهب ما قبل المذاهب مذهب المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم ، وأقبل كل ما توافق معه من جميع المذاهب المعاصرة ، وكم كنت أحلم أن يظهر في الأمة الإسلامية مجتهدون يبحثون في جميع نقاط الاتفاق والالتقاء بين المذاهب المعاصرة مما يتوافق مع المنهج النبوي المطهر لتكون هي المذهب المتفق عليه لجميع المسلمين وفي حالة تنفيذ مثل هذا المقترح سأكون بإذن الله تعالى أول المعتقدين به والعاملين به دون تردد ، وأدعو الله تعالى أن يهدي المسلمين إلى طريق الهدى والصلاح ، فلو صدقوا الدعاء لاستجاب الله لهم دعاءهم المتكرر في كل ركعة من ركعات صلواتهم عندما يقرأون قول الله تعالى من سورة الفاتحة ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} )) نفع الله بهذه الوقفات وجعلها من العلم النافع المعلم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والله الموفق والمستعان .،،،