الوقفة الثانية والخمسون : جولاتي لاكتشاف موسكو
في العام الميلادي 1997 باشرت عملي في إدارة الإكاديمية السعودية في موسكو مساعدًا للمدير العام ، في الوقت الذي تفكك فيه الاتحاد السوفيتي إلى مجموعة دول مستقلة عن حكومة المركز في روسيا ونشأ بديلا له اتحاد روسيا في حدوده المعلومة اليوم ، ولم تكن الدولة استفادت من الانفتاح الذي ترتب على انتهاجها السياسة الاقتصادية المفتوحة بعد ولذلك لا تكاد ترى الكثير من السيارات المصنعة خارج دولة روسيا إلا القليل .
وحيث أنني قد عانيت مما عانى منه الزملاء في بدايات استقرارهم في موسكو من مشقة الاعتماد التام على وسائل المواصلات المتوافرة بأنواعها المختلفة لتعودنا في الوطن العزيز على تملك السيارات الخاصة ، وقد استفدت وأسرتي في بداية الأمر من وسائل المواصلات المتوافرة مثل المترو وهو من أقدم شبكات المترو في العالم ، ويغطي أنحاء مدينة موسكو في خمسة خطوط تتقاطع في محطات تحويل معلومة ، كما تتوافر وسائل الترام فاي والباصات الكهربائية والقطارات وقليل من التاكسي والتي نعرفها بماركتها (الفولغا) ومن ألوانها ، ولم يكن من الصعب الحصول على تاكسي حتى من سيارات المشتغلين بسياراتهم الخاصة آنذاك ، وقد وفرت لنا إدارة الأكاديمية باص خاص بالمعلمين السعوديين لنقلهم من مقر سكن السعوديين في فندق أريدان إلى مقر الأكاديمية في جنوب مدينة موسكو والعودة منها بعد انتهاء الدوام إلى السكن ، هذا بالإضافة إلى الباص الخاص بالطلاب الذي كان ينقل أولادنا من الأكاديمية وإليها ، إلا أن الصعوبة التي شعرت بها كانت فيما تعودت عليه في وطني من تملك السيارة والاستفادة منها في التنقل الحر غير المقيد بزمن أو بإجراءات مثل شراء التذاكر للمواصلات العامة وتتبع خطوطها والتقيد بأزمنتها ، ولذلك قررت بعد استشارة الأسرة أن أشتري سيارة خاصة للتنقل بها وأسرتي متى أردنا ذلك .
في ذلك الوقت كانت السفارات الأجنبية المتواجدة في موسكو تتبادل معلومات عن السيارات التي يرغب مالكوها في بيعها لاستبدالها بموديلات أحدث أو لانتهاء مدة تمثيلهم وانتقالهم إلى دولة أخرى ، وقد تابعت خلال تلك الفترة العروض المعلن عنها إلا أنني لم أجد فيها ما يلائم رغبتي في الحصول على سيارة تتحمل الظروف المناخية لدولة روسيا ولا تتطلب صيانة معقدة أو مكلفة ، وزرت مجموعة من معارض السيارات الأجنبية وغالبها من السيارات اليابانية والأوروبية ، كما زرت معارض السيارات الروسية التي كان يتوافر منها في ذلك الحين أشهر سيارتين صنعتا في دولة روسيا وهما (لادا) و(فولقا ) وبعد استشارات وتقويم المعلومات المتوافرة قررت شراء سيارة (لادا سمارا ) وهي السيارة الأحدث والأكثر تحملا من السيارات الأجنبية وتعد صيانتها وقطع غياراتها رخيصة إذا ما قيست بما عداها من السيارات المتوافرة ، وتوكلت على الله واشتريت السيارة التي رافقتني خلال الثلاث السنوات الأولى من إقامتي في موسكو ، وتنقلت بها مع أسرتي في الكثير من المواقع داخل موسكو وفي ضواخيها وكان لي فيها مجموعة كبيرة من الوقفات والطرائف .
انطلقت بسيارتي الجديدة منذ تسلمتها في رحلات استكشافية لمدينة موسكو العاصمة التي يبلغ تعداد سكانها آنذاك أكثر من اثني عشر مليون نسمة وتبلغ مساحتها أكثر من أربعة آلاف كيلو متر مربعة وتتوافر فيها الكثير من المعالم الحضارية الشهيرة والغابات والحدائق ومدن الألعاب والترفيه ، وهي دائرية الشكل تلتف حولها ثلاث طرق دائرية أولها في وسط المدينة ويسمى (كلسفوي تسنتر ) والثاني على امتداد شارع ( تشارنفسكي شاسي) والثالث يحيط بأطراف المدينة الخارجية ويسمى ( ناروجنيا كلسفوي ) ويربط بينها شوارع رئيسة أخذت أسماء الشخصسات الروسية الشهيرة مثل لينين واستالين وبوشكن ونحوهم أو أسماء المدن التي تصل إليها ، وكان لا بد لي من اتقان مهارات قراءة الخرائط في الوقت الذي لم يكن تتوافر فيه آنذاك أجهزة (GPC) أو أجهزة المساعد لقائد المركبة التي تستخدم الأقمار الصناعية وخرائط قوقل مثل (قارمن ) أو (نفيقيت ) ونحوها ، ولم تكن قد سوقت أجهزة الجوال الحديثة التي توافرت فيها الكثير من برامج الدليل وتحديد المواقع ونحوها ، وقد ترتب على ذلك وقوعي في الكثير من الحرج لفقدان الطريق الموصل إلى المواقع المستهدفة ، وأذكر تلك الرحلة الأولى لأسرتي في السيارة الجديدة التي استهدفنا فيها مدينة الألعاب بالقرب من الكرملين ، وعند العودة إلى المنزل سلكت الطريق الذي أعرفه جيدًا مرورًا بشارع (لينينسكي) وكانت المفاجأة أن وجدنا الشارع مغلق لأحداث غير معلومة لنا آنذاك مما تطلب مني البحث عن طريق آخر أسلكه وصولا إلى مقر السكن في تقاطع شارع (فرشا فسكي شاسي ) و( تشارنفسكي شاسي) وقد مكثت في طريق العودة أكثر من ثلاث ساعات في كل مرة أجد نفسي فيها على الطريق الدائري الخارجي لمدينة موسكو ، وقد تعب أولادي الصغار كثيرًا في جو تقل فيه الحرارة عن العشرة درجات تحت الصفر ، وتزايدت طلباتهم لاستخدام دورات المياه التي لا يتوافر منها شيئًا في الطرق التي سلكناها ، مما كان يضطرنا للوقوف في إحدى الحدائق بعيدًا عن أعين المارة لقضاء الحاجة ، وقد حدثت مجموعة من المواقف التي ظللت فيها الطريق حتى أتقنت استخدام شوارع المدينة وطرقها الرئيسة ورسمت خارطتها في مخيلتي .
وقد أحسنت اختيار السيارة التي تتحمل الظروف المناخية منخفظة الحرارة كما هو الحال في مدينة موسكو التي يستمر الشتاء فيها لأكثر من خمسة أشهر مثلجة ، وبعد أن تسلمت زمام القيادة مديرًا عامًا للأكاديمية في نهاية عام 1999م تسلمت سيارتين كانتا في عهدة المدير العام السابق ، إحداهما من نوع (فولفوا) سلمتها لمساعد المدير العام القادم حديثًا من الوطن للمشاركة في إدارة الأكاديمية ، واستغنيت بالسيارة الأخرى من نوع (شروكي ) عن استخدام سيارتي اللادا التي عرضتها للبيع ، وبعتها بالفعل للمشرف على الحركة والنقل في الأكاديمية ، وطويت ببيعها صفحة ذكريات لاكتشاف عاصمة روسيا الاتحادية وما حولها ، حيث قطعت بها خلال السنوات الثلاث الأولى ما يزيد عن ثلاثين ألف كيلو متر وسافرت فيها إلى مجموعة من المدن القريبة من موسكو .
ومع أنني تملكت السيارة الخاصة في وقت مبكر من قدومي إلى موسكو إلا أنني بين الحين والآخر أحرص على استخدام وسائل المواصلات المتوافرة خاصة المترو لما يتاح لمستخدمها من الحركة وتعود السير لبلوغ محطاتها أو بلوغ الأهداف من محطاتها ، وهو ما يفيد في الصحة العامة.
ونصيحتي في هذه الوقفة تتمثل في أهمية الاستفادة مما توافر من وسائل التقنية الحديثة لقراءة الخرائط وتحديد المواقع تجنبًا لأي حرج قد يحدث عند قيادة المركبات في الدول الأخرى وخاصة بعد تيسر استخدامها عبر جهاز الهاتف النقال في الماركات الحديثة ، وبعد تطور خدمات قوقل بما يساعد قائدي المركبات للاستغناء ببرامجهم عن سؤال الآخرين. والله الموفق والمستعان .،،،